العدد 1526 - الخميس 09 نوفمبر 2006م الموافق 17 شوال 1427هـ

الإنشاءات وكر الفساد 2/1

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تحتضن البحرين في الفترة من 22-25 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري معرض البحرين العقاري الدولي، والذي سيقام في مركز البحرين الدولي للمعارض. ويبدو أن قطاع البناء والإنشاءات في البلاد العربية قد بدأ يحظى بالمزيد من اهتمام الاستثمارات العالمية.

وعلى رغم استحواذ قطاع النفط على النشاط الاقتصادي في البلاد العربية إجمالا والخليجية منها على وجه الخصوص لفترة طويلة، لكننا اليوم ومع الخطط الموضوعة لتنشيط وتنويع الاقتصاد، فإننا نلمس أن الدور الذي أصبح قطاع النفط يلعبه هو تنشيط بقية القطاعات.

لذلك لا يمكننا إغفال الدور الأساسي والمحرك للعوائد النفطية في تنشيط بقية القطاعات، خصوصا مع ارتفاع أسعار النفط، ورغبات بعض الحكومات في تنويع مصادر الدخل، وتحقيق تنمية مستدامة خارج هذا القطاع، بالإضافة إلى عودة جزء كبير من الأموال المهاجرة للوطن، خصوصا في ضوء المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها هذه الأموال في الأسواق المالية العالمية بشكل عام، والأميركية على وجه الخصوص، بالإضافة إلى تدني أسعار الفائدة بالمصارف على المدخرات والودائع، وتنامي الوعي الاستثماري لدى المواطن، مما جعل المستثمرين يبحثون عن فرص استثمارية نشطة، بدلاً من إيداع مدخراتهم في المصارف.

وقد توقع تقرير أصدرته غرفة دبي للتجارة استقرار الأسعار أو انخفاضها في الإمارات مع اكتمال المشروعات المقترحة وتغير أنماط الاستثمار لدى السكان، على أن يتحول السوق تدريجياً من سوق مستثمرين إلى سوق مشترين.

وقال التقرير إن العقارات تعتبر من السلع المعمرة، ولهذا السبب فقد صنف سوق العقارات كسوق مخزون وتدفق.

وأشار التقرير إلى ان ارتفاع قيمة المشروعات العقارية في دبي يأتي نتيجة لارتفاع تدفق الوافدين مع توافر عدد محدود من الوحدات العقارية لاستيعابهم، مقارنة مع العدد الكبير من مشروعات التطوير العقاري الجديدة والتي لاتزال في طور التشييد.

ما يلفت النظر في موضوع سوق الإنشاءات أو العقار، هو التقرير السنوي الرابع الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية عن انتشار الرشوة، والذي ركز هذا العام على الفساد في قطاع الإنشاءات وإعادة البناء والتشييد.

لقد تطرق تقرير منظمة الشفافية الدولية بتناوله الفساد في قطاع الإنشاء والتعمير، إلى ملف بالغ الأهمية ومتداخل بصورة معقدة، إذ تجتمع مصالح الشركات الدولية الكبرى والمؤسسات المالية الدولية، مع اهتمامات كبار رجال الأعمال والممسكين بزمام الأمر.

أما استفادة المواطن العادي من إعادة الإعمار أو الإنشاء والتشييد والتجديد، في رفع مستوى معيشته وتحسين استفادته من البني التحتية والخدمات، فمن الواضح أنها تأتي في ذيل قائمة الاهتمامات.

وقد سلط التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية، ومقرها برلين، الضوء على الفساد في قطاع الإنشاءات، الذي رأى بأنه أكبر مما هو عليه الحال في الكثير من القطاعات الاقتصادية الأخرى.

وقال التقرير: إن البيانات المستخلصة من دراسته حول الفساد في قطاع الإنشاءات والتعمير، تشير إلى انعكاساتها السلبية على الثروة المالية للشعوب والبيئة، وتساعد على انتشار الرشوة. وتضمن التقرير 24 دراسة واستطلاع رأي، ودليلا حول مستوى الرشوة في 40 دولة.

وأضاف التقرير “لقد كشفت عمليات المسح وبشكل متكرر على أن حجم الفساد في مجال الإنشاءات هو أكبر مما عليه الحال في باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى، ويمكن التعرف على مستوى الفساد في هذا القطاع من خلال حجمه وتنوعه”، إذ ينوه التقرير إلى أن حجم الأموال المستثمرة في قطاعات الإنشاء المختلفة يبلغ حوالي 3.2 مليارات دولار سنويا، تدخل في مجالات أعمال البني التحتية بما فيها محطات توليد الطاقة وبناء المساكن.

أما دخول الفساد في عمليات الإنشاء والتعمير فيبدأ، بحسب التقرير، من مراحل التخطيط للمشروعات ومن خلال إجراءات منح عقود التشييد والتشغيل والصيانة أيضا، حيث يقول التقرير إن جميع مراحل عمليات الإنشاء والتشييد عرضة لعمليات الفساد الدولي التي وصفها التقرير بـ “الفساد العابر للقارات” من خلال أذرع الدول المتطورة الموجودة في الدول النامية، والتي قد تحاول التأثير على قرارات الدول النامية في إجراءات منح العقود لاختيار الشركات الموجودة في الدول المتطورة، على رغم أن تلك الشركات لم تقدم أفضل وأقل الأسعار.

وشدد التقرير على اعتبار الحاجة لوضع معايير ضد الفساد في السنوات الأولى بعد الحرب في غاية الأهمية، وأضاف “إن أحد أخطر أشكال الفساد، هو عندما يتم تصميم مشروعات البنية التحتية ؛ لتناسب مصالح واحتياجات الشخصيات الرسمية المتنفذة ومؤسسات صاحبة نفوذ لدى السلطة، بدلاً من أن تناسب احتياجات الشعب المحتاج”.

دور التمويل الدولي

ينوه التقرير إلى انفاق 250 مليار دولار على مشروعات البنية التحتية في الدول النامية وحدها، من المفترض أن تكون محددة المسارات، إلا أن التقرير وجد أن للكثير من الجهات الممولة والمانحة دورا كبيرا في تفشي الفساد، مع التركيز على المصارف المتعددة الجنسيات، على اعتبار أن تلك المؤسسات المالية هي أحد المحفزين على جلب استثمارات القطاع الخاص.

ويرى التقرير أنه على رغم أن المصارف المتعددة الجنسيات تقوم بدور هام في مشروعات إعادة الإعمار والبني التحتية، وقامت بوضع لائحة سوداء بأسماء الشركات المتهمة بممارسة الفساد، إلا أنها لا تقدم أية ضمانات للحيلولة دون ظهور الفساد في المشروعات المستقبلية، من خلال تلافي الأساليب المعروفة في مثل تلك الأحوال.

كما انتقد التقرير تقاعس الوكالات الدولية المانحة للقروض لعدم اتخاذها خطوات أكثر حزما في مكافحة الفساد، في الوقت الذي من المفترض أن تكون هي الأحرص على ذلك؛ نظرا لأن تلك الأموال ما هي في النهاية إلا ديون تثقل كاهل الدول المستفيدة.

رشوة التغطيات الإخبارية الإعلامية

وقد خصص التقرير فصلا في الدراسة، اهتم بالرشوة في التغطيات الإخبارية الإعلامية وارفقه بدليل، رتب فيه 67 دولة بحسب مصداقيتها في عدم تقديم الرشاوى في هذا المجال، احتلت سويسرا المرتبة الرابعة فيه بعد فنلندا والدنمارك ونيوزيلاند، كافضل الدول حرصا على التكوين المهني وأخلاقيات المهنة وحرية الصحافة والمنافسة، بينما احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة 53 “كأفضل دولة عربية”، تليها الكويت بأربعة نقاط ثم البحرين والأردن ومصر في المرتبة 60 و61 و62 على التوالي، وتأتي المملكة العربية السعودية في المرتبة قبل الأخيرة، التي تحتلها الصين.

وتقول هوغيت لابيل، رئيسة المنظمة: إن المعطيات الخاصة بـ 163 بلدا، تقيم الدليل على أنه لازال هناك الكثير مما يجب فعله، مضيفة “على رغم قوانين مكافحة الفساد، التي تم إقرارها في العديد من هذه البلدان”، وترى السيدة لابيل أن “الفساد يُـبقي ملايين الأشخاص في الفقر”.

يشار إلى أنه لا يمكن أخذ بلد بعين الاعتبار في الترتيب السنوي لمؤشر مدركات الفساد، إلا إذا كان موضوعا لثلاث دراسات على الأقل، وهو ما يُـفسّـر سبب غياب العديد من البلدان المعروفة بانتشار معدلات الفساد فيها عن القائمة المنشورة من طرف منظمة الشفافية الدولية.

وعموماً، تذهب المنظمة إلى أن ظاهرة الفساد والرشوة منتشرة بشكل واسع في العالم، إذ أن ثلاثة أرباع البلدان، التي تم أخذها بعين الاعتبار (أغلبيتها الساحقة فقيرة)، تقلّ النقاط التي حصلت عليها عن 5 باستثناء جزيرة موريشيوس وبوتسوانا.

وتقول المنظمة:إن وجود الديمقراطيات الغربية الغنية في المواقع الأولى من الترتيب، يقيم الدليل - بحسب رأيها - على العلاقة التناسبية القائمة بين مكافحة الفساد والازدهار الاقتصادي

أما بيتر آيجين رئيس منظمة الشفافية الدولية فإنه يعتبر الفساد في المشروعات العامة الكبيرة الحجم عقبة كبيرة أمام التنمية المستدامة، وأن الفساد في عملية ابرام وتنفيذ العقود يعتبر كارثة كبيرة على الدول المتطورة والنامية على حد سواء.

ويشدد بيتر على ضرورة المحافظة على الأموال والمعونات المخصصة لمشروعات إعادة البناء في بعض الدول مثل العراق من خطر الفساد. يجب أن تكون الشفافية الشعار الأول، وخصوصا في هذا الوقت الذي تقوم فيه الدول المانحة بضخ مبالغ هائلة من أجل إعادة البناء في الدول الآسيوية التي تضررت بفعل مد تسونامي.

وقد وضع مقدمة التقرير “فرانسيس فاكوياما” مركزا بشكل خاص على ممارسات الفساد في عملية البناء وإعادة البناء التي تلي انتهاء النزاع. ويظهر التقرير أيضا الحاجة الملحة للحكومات والشركات الدولية من أجل ضمان الشفافية في عمليات الإنفاق العام من أجل القضاء على ظاهرة الرشوة على المستويين الداخلي والخارجي.

بالطبع لم تكن البلاد العربية بعيدة عن لوثة الفساد تلك، بل كانت في الكثير من الأحيان في القلب منها.

ما هو حجم هذا الفساد؟ وما مدى تغلغله في الأسواق العربية؟ هذا ما سنتناوله في الحلقة الثانية من هذه المقالة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1526 - الخميس 09 نوفمبر 2006م الموافق 17 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً