لم تكن السيدة البحرينية الأرملة ولا بناتها الثلاث يجهلن المترشح «ولد الفريج» الذي انتشرت صورته بأحجام مختلفة في كل مكان حتى على جدار بيتهن، لكن عندما زارتهن ثلاث فتيات يعملن ضمن حملة المترشح ليقدمنه ويقربنه من أهل المنزل رغبةً في أصواتهن وأصوات من «يمون عليهن»، بدأت الأم وبناتها في الثناء على المترشح وأنه كان وكان وكان، وهو فوق كل ذلك، تربى في بيتنا وهو واحد من أفراد الأسرة حاله حال أي واحد من «أولادي» الصبيان، لكن فتيات الحملة سألن السيدة: «نحتاج الى أصواتكن فلا تبخلن، حتى إن كنتن سترشحن مرشحاً آخر فهذا حقكن، لكن ولد جيرانكم يطمع في أصواتكن»، وكأن هذه الصيغة العاطفية الحميمية «النخوية» هي التي تعتمد عليها فتيات الحملات في حال زيارتهن الناخبات في المنازل.
الصوت النسائي الثمين
وعلى أي حال، فإن أصوات النساء في مجتمع تفوق فيه الكتلة الإنتخابية النسائية كتلة الرجال، يصبح لزاماً على كل مترشح ومترشحة أن يفكر ملياً في اعداد فريق انتخابي نسائي يدخل البيوت... بل يدخل الحجرات حجرة حجرة بحثاً عن الأصوات المتاحة من الفتيات اللواتي تجاوزن 20 عاماً الى العجائز اللواتي فيهن نفس! وأصبح كل المترشحين الجاهزين لخوض المعترك الإنتخابي، يعد فريقاً نسائياً للمرور على منازل الدائرة والإلتقاء بالنسباء والفتيات لشرح برامج المرشح والتعريف به.
مباراة حامية الوطيس
في الدائرة الثامنة بمحافظة العاصمة، التي كانت في انتخابات العام 2002 تمثل الدائرة التاسعة قبل صدور قانون إعادة تعديل الدوائر الانتخابية، وكانت المباراة بين فريقين نسائيين لمترشحين متنافسين حامية الوطيس، ففي الوقت الذي كان الفريق الأول يخرج من هذا المنزل، كان الفريق الآخر يقسم نفسه قسمين: قسم يدخل المنزل ذاته الذي خرجت منه المنافسات للتو، وقسم آخر يختار المنزل الذي ستدخل فيه المجموعة المنافسة فعلياً... وحدث أن دخل الفريقان المنزل ذاته، وهو منزل أسرة بحرينية فقيرة لا يسع هذا الفريق الذي ضم نحو ثمانية رؤوس من الفريقين... لكن الذكاء كان من الفريق الأول، الذي ما إن غادر الفريق الثاني حتى ذهبت إحدى الفتيات الى بقالة قريبة واشترت كمية من الفواكه والبسكويت و«قواطي العرانص والخوخ» وقدمتها إلى ربة المنزل قائلة: «نحن الذين يجب أن نقدم إليكم (القدوع)... صحيح أننا في بيتكم لكنكم ضيوف مترشحنا»... ولا ندري إلى أي مترشح صوتت السيدة وأهل بيتها، لكنها ستتذكر «القدوع» قبل أي شيء آخر.
كتيباتنا أحلى ومرشحنا وسيم!
في المجالس النسائية من الغرابة ما قد يكون مضحكاً بالنسبة للرجال، فالشابة «ياسمين» كانت تروج لمترشح شاب ومتحمس، وفي الوقت ذاته، كان معروفاً بطيب أخلاقه ومحبة أهل الدائرة له، لكن المفاجأة بالنسبة لياسمين هي ما قالته إحدى السيدات في مجلس زارته لتلتقي بالناخبات حيث أعلنت معيارها بالقول :« بصراحة هو زين ويستاهل يفوز.. لكن عن نفسي ما برشح الا واحد حليو صراحة».. وكأنما جاءت هذه العبارة لتضيف الى ياسمين معياراً مهماً بالنسبة للمترشح، لكنه ليس بيده ولا بيدها.. اللهم الا أن يجري عملية تجميل اذا لم يكن وسيماً.
وتشير ياسمين الى أنها تستمتع كثيراً بالعمل مع الناخبات.. لكنها تقول أن الوضع يضيع كثيراً في الحديث مع الصديقات والمعارف القدامى لا سيما صديقات الدراسة اللواتي نقضي معهن الوقت الأطول في استعادة ذكريات الدراسة والمواقف التي عشناها وتبادل مجلات ماجد وروايات عبير، ويتبقى القليل من الوقت لتقديم المترشح أو المترشحة.. إنما بشكل موجز، يمكن القول أنك اذا دخلت منزلاً فيه معارفك وأصدقاؤك الذين يوجبونك، فإنهم سيوجبون مرشحك أيضاً.
انتخبوه فهو «فقير»!
كان الفريق الإنتخابي النسائي الذي يضم ثلاث سيدات بحرينيات يدخل منزلاً من المنازل المعروفة في المحافظة الوسطى، فهو منزل عائلة بحرينية شهيرة وثرية، لذلك، لم تجد عضوة الفريق الإنتخابي التي زل لسانها من تقديم المرشح والتعريف به والحديث عنه و.. و.. و.. لتختم بالقول :«كما أنه فقير مسكين.. طرد من عمله وتعرض لمشقة في حياته كما أنه كان مهجراً وعاد ليساهم في بناء وطنه وهو مؤمن صادق يحب الناس..»، وعلى أن مثل هذه العبارات قد تثير سخرية البعض، إلا أن تعابير الوجه التي تقترب من اللحظات التراجيدية المؤثرة، قد تسهم في انزال الدموع «أربع أربع» في حال الحديث عن مترشح يريد أن يعيش والسلام!!
الطرق على ذكريات الماضي
كان له من الحظوظ الانتخابية الكثير ورغم ذلك لم يأل مترشح ( مدعوم من قبل جمعية سياسية) في المحافظة الشمالية جهدا من تشكيل فريق نسائي اختاره بدقة ابتداء من الشخصيات والبطاقات التعريفية وإنتهاء بمضمون الخطاب الانتخابي وكأنه شريط مسجل يعيد نفسه ويدق على وتر ألفه الشارع البحريني ألا وهو « ذكريات أيام السفر»، ليبدأ الحديث باستعراض أيام قد يعود عمرها لسنوات أيام في سوريا وأخرى في العراق تتحدث عن مدى شهامة ذلك الرجل في خدمة المسافرين ( المترشح حاليا) وماله من باع طويل في هذا الميدان فالتجربة خير برهان وأصدق دليل على مدى كفاءة ذلك المترشح أداؤه في أيام السفر والانطباع العام السائد عنه.
الرزق يحب «الخفية»
وفقا لمبدأ « الرزق يحب الخفية » كون المترشح في إحدى دوائر المحافظة الوسطي فريق نسائي يتألف من أربع سيدات مشهود لهن بالنشاط الاجتماعي والمكانة المتميزة في « الفريج» عملن وفق إستراتيجية ذكية وهي التواجد في كل الفعاليات من المجالس النسائية للمآتم والمساجد فضلا عن زيارة مرضى «الفريج» في المستشفيات لضرب عصفورين بحجر فتحت مظلة تأدية الواجب حاولن دس خطاباتهن الانتخابية لدعم مترشحهن ليزدن حظوظه الانتخابية فضلا عن تسجيل حضورهن في المحافل الاجتماعية.
إبداعات الفريق النسائي ليس لها حدود لتلجأ في آخر رمق لها لإقناع الناخبات بأن ( مترشحهم) هو أفضل الأسوأ وأن قرار الانتخاب هو شر لا بد منه! وعدم الترشيح أو ترشيح من هو أسوأ من السيء سيرمي بثقله على تركيبة البرلمان والمجالس البلدية.. لذا فترشيح أفضل الموجود هو الخيار الوحيد.
الطبقة الأكثر ثقافةً هي الأخرى لم تسلم من حبكات الفريق النسائي في ذات الدائرة ولكن هذه المرة مع منافسة الذي جند هو الآخر فريقا من أقربائه ولكن وفق آلية عمل أخرى بعد أن استعان بنساء لديهن القدرة على الحديث حديث مسترسل أشبه بحديث الندوات والخطابات السياسية، وآليتهن الدق على وتر «العمل السياسي وظلم التسعينات»، «مناضل ضحى بأهله وعمله ومستقبله في سبيل كلمة حق، سافر وتغرب وضاع من عمره الكثير منفيا ومبعدا وعندما عاد لم يجد بدا من خدمة من ضحى لأجلهم أفلا يستحق الدعم والتصويت»، حديث لا يمكن إنكار كونه يدق أبواب القلوب الموصدة لا سيما في مجتمع يقدس النضال السياسي.
مديرات الحملات الانتخابية لهن رؤية في هذا الصدد تعبر عنها احداهن بالدائرة السادسة في محافظة المحرق والتي ترى أن الفريق النسائي يجب أن يتألف من أهل المترشح، زوجته أخته وقريباته لكونهم أقرب له وأعلم بنقاط القوة والضعف به فضلا عن كونهن الوحيدات المتمنيات بصدق نجاحه لذا سيعملن بضمير وإخلاص لا سيما وأن العمل في ذلك الفريق يتطلب كثيرا من الجهد وكثيرا من الصبر والتحمل، لذا كان اختيارها للفريق وفق تلك المعايير.
لعبة الانتخابات لا تخلو من الحيل وحبك المؤامرات وإن كان لاعبوها نساء فالمصيبة أكبر فالزمان يعيد نفسه ففئة الأمس هي نفسها فئة اليوم على الرغم من مضي أربع سنوات تخللها أخد ورد وكانت تجربة الكثير إستفاذ من زلاتها والأكثر أعتبرها مرجعا ونسخة مكررة لتحركات اليوم فما كان يدور في مجالس النساء قبل أربع سنوات يتجدد الآن وسلاح الشائعات ما زال يتصدر بطولة حيل النساء بعضهن يبعد كثيرا ويمتلك خيالا خصبا فضلا عن أسلوب قصصي يضاهي روايات عبير والبعض الآخر « يصطاد في المية العكرة» ليخلق من مواقف أو زلات مترشح منافس حديثا تبنى عليه المؤامرات والاتهامات بالانتماء والولاء لجهات منبوذة اجتماعيا وأحيانا دوليا.
فتح الملفات كان الشغل الشاغل لفريق انتخابي ذي توجهات معينة والوقوف عند عثرات المترشح المنافس للتقليل من مصداقيته وخفض التصويت له حتى وإن كانت تلك الزلات شخصية بحتة وبعيدة كل البعد عن الجانب العملي والحياة النيابية.
تصفية الحسابات
إحدى مديرات الفرق النسائية بالمحافظة الشمالية تتبع أسلوب تصفية الحسابات وشن حرب باردة قد تدفع بالمترشح المنافس أحيانا للانسحاب من معترك الموسم الانتخابي، فبشن حملة مضادة للمترشح والاستفادة من أعداء الأمس تلجأن لكسب مزيد من التأييد لمرشحهن وما زالت اللعبة مستمرة.
لغة النساء... خاصة
وتحتاج الناخبات الى مهارات فائقة للإقناع، وينجح المترشح أو المترشحة اللواتي يخترن فريقاً للحملة من الفتيات والنساء ذوات الشخصية القوية والجرأة والبشاشة والقدرة على التصرف في أقسى المواقف، بالإضافة الى أن تكون ذات (وجه بليته) مثلما نقول بالعامية أي أن صاحب ذلك الوجه لا تؤثر فيه المواقف الطارئة المصحوبة بالكلام غير اللائق أو الإجابات المباغتة أو حتى حركات الصد والهجران!
وتقول الاستشارية النفسية زهرة ابراهيم أن الحملات الإنتخابية تكون من أصعب المراحل التي يمر بها الإنسان سواء كان مترشحاً أو عضواً في فريق انتخابي، فهذا الوضع مثير للقلق والشد، لذلك، فإن اختيار الفريق من شخوص يتمتعون بقدرات ذاتية ومهارات شخصية عالية للغاية أولها أن يكونوا من الذين لهم علاقات وتأثير على الناس في مجتمعهم، وهذا الأمر انتشر اليوم من خلال دورات البرمجة العصبية لتنمية قدرات الأشخاص في التعامل مع الآخرين، كما أن فهم دور العلاقات العامة هنا أمر في غاية الأهمية، لكنها تحذر من اختيار أعضاء في الفريق الإنتخابي لديهم ميول عنيفة أو من سريعي الغضب، لأن المشاكل هنا لن تتوقف وربما خسر المترشح أو المترشحة وخسر أعضاء الفريق الشئ الكثير.
وتوصي الأعضاء من الذكور والإناث ممن يعملن في الحملات الإنتخابية بضرورة الإلتفات الى أننا نتعامل مع مجتمع صعب ومتأثر بالكثير من المستجدات، ولا بد من وضع الإعتبار لمفهوم المشاركة والمقاطعة والحياد، وبالتالي وضع خطة العمل ببنود واضحة للجميع.
أما بالنسبة للنساء، فهي تؤكد على أن الناخبات يتطلبن لغة خاصة، تقوم على أساس الإقناع باستخدام المهارات العاطفية، فكلما كان المفتاح الإنتخابي قادراً على ارجاع صواب قرار الإختيار الى المرأة نفسها وأنها التي ستشرف المرشح - على سبيل المثال - كان ذلك أبلغ في كسب الأصوات
العدد 1526 - الخميس 09 نوفمبر 2006م الموافق 17 شوال 1427هـ