مع إعلان نتائج الانتخابات النصفية في أميركا، بدأت التيارات السياسية في العراق تنحى منحى مصيريا يؤشر إلى خوف زعاماتها من الخطط الأميركية في العراق، خصوصا وان الرئيس الأميركي جورج بوش لم يعد مدعوما من المجلسين (النواب والشيوخ)، واحتمالات خروج القوات الأميركية صارت اكبر من أي وقت آخر ولاسيما بعد التطور الأهم المتمثل باعلان استقالة أحد أبرز أضلع الإدارة الأميركية المحافظة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد.
أحد أهم المؤشرات لقلق التيارات العراقية هو تصعيد اللهجة السياسية ومحاولة اظهار التشدد يرافقه بشكل طبيعي تزايد العنف والعنف المقابل للسيطرة على اكبر عدد من الاحياء في بغداد والمدن والقرى في المحافظات التي تميزت أمس وأمس الأول بتطور نوعي تمثل بالهجمات المتبادلة بقذائف الهوان وارتفاع معدل التطهير العرقي والتهجير، في محاولة مفضوحة من الجميع للاستعداد لمرحلة الحرب الاهلية المحتملة التي تعقب أي انسحاب أميركي سريع.
في مقدمة هذه المؤشرات من التيارات السياسية العراقية تصاعدت حدة المطالبة من قائمة الائتلاف العراقي الموحد (شيعية) بإنهاء سيطرة القوات الأميركية على الملف الأمني، في اشارة يمكن ان تعد خطوة تجاه السيطرة على الموقف السياسي والعسكري في العراق، استعدادا لمرحلة اعلان جدولة انسحاب القوات الأميركية من العراق او بدء الانسحاب الفعلي.
موقف قائمة الائتلاف قد يبدو مبررا مع تزايد الضغط الداخلي والخارجي على الرئيس الأميركي لإنهاء عنف الميليشيات قبل أي انسحاب أميركي مرتقب، بالإضافة الى الميل الواضح الذي بدأت تبديه واشنطن تجاه المجاميع السنية في العراق واستعدادها للتفاوض معها على حساب التيار الشيعي الذي بدأت واشنطن تحاول اضعاف سيطرته على الحكم تقليلا لنفوذ ايران في العراق لحساب اطراف سنية ستكون مدعومة من دول عربية واسلامية عدة ترى أميركا الآن هي في امس الحاجة اليها لإخراجها من المأزق العراقي، وهو موقف جديد قد يمهد لفتح طريق يمكن البيت الابيض اصدار اوامره للجيش الأميركي بالانسحاب.
في مقابل موقف التيارات الشيعية المتخوفة من المستقبل، بدأت المجاميع السنية المسلحة في العراق تفهم جيدا ان واشنطن مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة للخروج من المأزق العراقي، وهي تعمل الآن (أي المجاميع السنية) على فرض «شروط المنتصر» على «الخاسر» أميركا - التي تاكد من تجربة العراق - انها غير قادرة على شن حروب طويلة، وان خروجها من العراق بوضعها الحالي لن يسمح لها بالعودة اليه مجددا.
وبين قائمة الائتلاف والجماعات السنية المسلحة يستشعر الاكراد ربما اكثر من الاخرين خطورة الانسحاب الأميركي على مستقبلهم في العراق والمنطقة، وهم يشعرون ان فرصتهم الآن مناسبة لبناء كيانهم بعد السيطرة على مدينة كركوك النفطية قبل خروج القوات الأميركية من العراق. واذا اخذنا في نظر الاعتبار ان الاكراد يعملون وفق اجندة سياسية خاصة لتحقيق هدفهم في بناء كيان شبه مستقل قابل للبقاء، يبقى العرب (سنة وشيعة) يتملكهم فقدان الثقة الذي قد يؤدي الانسحاب الأميركي الى نتائج لن ترضي ايا من الاطراف العراقية، وخصوصا الشيعة منهم اذا لم يحاول الجميع ان ينهي خلافاتهم فيما بينها من دون استقواء طرف على طرف اخر
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 1525 - الأربعاء 08 نوفمبر 2006م الموافق 16 شوال 1427هـ