للأسف الشديد لم تتمكن البحرين من تحسين أدائها في تقرير «مدركات الفساد» للعام 2006 التابع لمنظمة الشفافية الدولية. بل على العكس خسرت البحرين جزءاً (وإن كان يسيراً) من حجم النقاط على المؤشر. باختصار، يشير التقرير إلى أن البحرين جمعت 5.7 نقاط من أصل 10 نقاط على مؤشر مدركات الفساد مقارنة بـ5.7 من النقاط في العام 2005. بيد أنه حافظت البحرين على ترتيبها العالمي السابق أي المرتبة رقم 36. يذكر أن تقرير العام 2006 غطى 163 بلداً مقارنة بـ159 بلداً في العام 2005 ما يعني عملياً حصول تحسن طفيف في ترتيب البحرين بسبب إضافة أربع دول أخرى إلى الدراسة. بالعودة الى السنوات القليلة الماضية، نالت البحرين المرتبة رقم 34 في العام 2004 فضلاً عن المرتبة رقم 27 في العام 2003. بمعنى آخر، تمكنت دول أخرى من تحقيق نتائج أفضل وبالتالي تحسين ترتيبها العالمي على حساب البحرين. وهذا بدوره يعني أن الكثير من دول العالم تعمل على محاربة ظواهر الفساد في المعاملات الرسمية باعتباره شرطاً لتحسين بيئتها الاستثمارية.

البحرين الثالثة خليجياً

تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بأفضل سجل في محاربة وعدم تقبل الفساد في المعاملات الرسمية على مستوى دول مجلس التعاون والعالم العربي. فقد حلت الإمارات في المرتبة رقم 31 دولياً في تقرير العام 2006 وذلك بعد أن جمعت الإمارات 6.2 نقاط من مجموع 10 نقاط على المؤشر. كما حلت دولة قطر في المرتبة الثانية خليجياً وعربياً و32 على مستوى العالم بجمعها 6.0 نقاط. وجاء ترتيب مملكة البحرين في المرتبة الثالثة خليجياً وعربياً و36 عالمياً وذلك بعد أن جمعت 5.7 نقاط.

تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد على أنه «سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام من أجل تحقيق مكاسب شخصية» ولا تميز بين الفساد الإداري والفساد السياسي، أو بين الفساد الصغير والفساد الكبير. وترى المنظمة الدولية - التي تتخذ من برلين (ألمانيا) مقراً لها - أن عمليات الفساد يسلب البلدان طاقاتها وتمثل عقبة كأداء في طريق التنمية.

صدقية الدراسة

حقيقة، لا يمكن الشك في صدقية الدراسة لأسباب جوهرية نظراً للسمعة المهنية التي تتمتع بها الجهات التي قامت بعمليات الاستطلاع. فقد اعتمد المؤشر على 12 استطلاعاً ومسحاً من تنفيذ مؤسسات عالمية مرموقة من بينها وحدة المعلومات في مجموعة «الايكونومست» البريطانية والمنتدى الاقتصادي العالمي والمعهد الدولي للتنمية الإدارية وجامعة كولومبيا والبنك الدولي/ البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وبيت الحرية. شملت عمليات الاستطلاع وجهات نظر رجال الأعمال والمقيمين الأجانب بخصوص مدى تقبل السياسيين وموظفي القطاع العام للرشا. تشترط المنظمة توافر ثلاث دراسات حتى يتم شمول الدولة في التقرير. وتبين من التقرير استخدام 5 دراسات لتقييم أداء البحرين في العام 2006 (مقارنة بـ6 دراسات في العام 2005).

بحسب التقرير فإن المطلوب من الدول التي لم تحصل على 7 نقاط من أصل 10 نقاط على مؤشر مدركات الفساد القيام بعمليات إصلاح إدارية. ويلاحظ أن البحرين شأنها شأن جميع دول مجلس التعاون فشلت في جمع 7 نقاط الأمر الذي يؤكد وجود حاجة ماسة الى تعزيز جهود محاربة جميع أشكال الفساد الإداري والمالي في دول المنطقة.

الفساد المالي والإداري

ولا بأس في هذه العجالة من الإشارة إلى المسح الميداني الذي قام بتنفيذه كل من غرفة تجارة وصناعة البحرين ومجلس التنمية الاقتصادية بخصوص المناخ التجاري في البحرين. فقد تبين من المسح - الذي نُفّذ قبل نحو عامين - أن 78 في المئة من أصحاب الأعمال يعتقدون أن التسجيل والتراخيص في الدوائر الرسمية يتركان مجالاً كبيراً للتقدير الشخصي للمسئولين الحكوميين. واعترف 43 في المئة ممن شملتهم الاستبانة بدفع رشاً للحصول على الخدمات الحكومية بالسرعة المطلوبة.

كما كشف تقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2004 انتشار ظاهرة التجاوزات والمخالفات المالية بأنواعها في الوزارات والهيئات والمؤسسات الوطنية. فقد نبه التقرير إلى وجود تصرفات غريبة في وزارة الداخلية مثل اعتمادها على نظام السجلات اليدوية لتدوين الإيرادات ما يفتح المجال أمام وقوع أخطاء. كما أشار إلى عدم احتفاظ الوزارة بقائمة متكاملة ومحدثة فيما يتعلق بالعقود المبرمة مع أطراف خارجية وتاريخ انتهائها.

لا شك أنه لأمر غير مقبول أن نرى حدوث تراجع في حصيلة النقاط التي جمعتها البحرين في تقرير مدركات الفساد من دون أن تحرك الأطراف ذات العلاقة (وخصوصاً ديوان الرقابة المالية) ساكناً. الصواب هو أن يقوم ديوان الرقابة المالية بعقد مؤتمر صحافي لتقييم أداء البحرين وتقديم رؤاها لمحاربة أوجه القصور في أداء الدوائر الحكومية. ربما القصور الحقيقي يكمن في أداء ديوان الرقابة المالية