عزيز العظمة، يرى فيما تبقى من ابن خلدون «الاستيحاء الجمالي، وشيء من الاستيحاء المعنوي. انه مدعاة للفخر». من دون أن ينسى الإشارة إلى كلاسيكيته ومحافظته في تناوله التاريخ! على رغم إلماعاته التي بهر بها الغرب قبل أن ينتبه إليها العرب.
محمد جابر الأنصاري في كتابه الأخير، «العودة إلى ابن خلدون» يعيد اكتشافه، ويعمل هذه المرة على تأكيد جوانب من تأصيلاته.
محمد عابد الجابري، تعاطى مع ابن خلدون باعتباره يجمع بين (المحافظثورية) في تناوله وقراءاته واستقصائه التاريخي والاجتماعي. فيما زميلنا وليد نويهض يقرأه بشكل آخر يتجاوز كونه مؤسساً ورائداً لعلم الاجتماع، من خلال تفكيك مشروعه الفكري والفلسفي والتاريخي، وتتبّعه ضمن محيطه وإطاره الزماني والمكاني.
البعض قرأه باعتباره متخرّصاً ومدّعياً ومتقوّلاً، ولم ينس أن يصمه بما يجب كي يجرده من جهده المعرفي، إما لاعتبارات طائفية/ مذهبية، وإما لاعتبارات مناطقية أيضاً فـ «كلُّ حزب بما لديهم فرحون».
ما الذي يكشف عنه ذلك؟ لاشك انه يكشف عن تباينات تحترم بعضها، ولن تتردد في الإعلان عن غثيانك من بعضها الآخر، خصوصاً تلك التي تتكئ على عدم توافقها مع ما طرحه في فصول من مقدمته والمتصل بالعمران وما يرتبط به من تراكم فكري وأثر كل ذلك على نتيجة أي منجز.
يظل التعاطي مع الجهد المعرفي في آخر أولويات المعنيين بالمعرفة في مواقعهم الرسمية، ولن يترددوا في إسباغ نعوت خارقة على التافه والسطحي من القائم والمُكرّس والمُروّج له.
لا تعميم هنا للوجوه التي تتعاطى مع ذلك الجهد، إذ ثمة وجوه هي في الذروة من الضمير والرصانة والحرفنة والهضم في تعاطيها ذاك، وتكشف في الوقت نفسه عن أفق أمل آخر يجد فيه الكثير منا العزاء الخالص في ظل تعتيم وتشويه وتجيير لذلك الفكر وتوجهاته.
أمر آخر عليّ أن أشير إليه، وإن جاء التعليق عليه متأخراً يرتبط بالمؤتمر الذي نظمته جامعة البحرين بمناسبة المئوية السادسة لرحيل ابن خلدون. المؤتمر المذكور لم يخل من أوراق وبحوث غاية في الرصانة والإضافة، في الوقت الذي لم يخل من «العك» أيضاً وإعادة إنتاج وصوغ ما سبق من بحوث وقراءات، في محاولة أعتقد أنها كانت يائسة لمجاراة ما تم تنظيمه من مؤتمرات وورش عمل في المغرب العربي، والتي استطاعت أن تقترب من جهد هذا العالم الكبير، وجهده الرائد
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1524 - الثلثاء 07 نوفمبر 2006م الموافق 15 شوال 1427هـ