العدد 1522 - الأحد 05 نوفمبر 2006م الموافق 13 شوال 1427هـ

وداعاً صدام حسين!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سيدخل يوم أمس، الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2006، التاريخ لارتباطه بصدور الحكم على طاغية العراق صدام حسين.

صدام هو أعرف الناس بما فعله بالشعب العراقي، وما ارتكبه من جرائم وفظاعات ضد العراقيين، فلم يكن لمشرّدٍ مثله أن يصل إلى السلطة إلاّ على أجساد الآخرين، حتى زميله البكر أنهى حياته بحقنة... فعرش العراق من الضيق بحيث لا يتسع لرأسين!

استهل عهده بتصفية الرفاق الحزبيين في نهاية السبعينات فذبحهم كما تذبح النعاج، ولم يوفّر علماء الدين سنةً (البدري) وشيعةً (الكعبي)، وشرع في قمع الحريات العامة حتى انتهى بضرب المواكب الدينية بالدبابات والطائرات السمتية. مسلسلٌ طويلٌ وحزينٌ من الإذلال للشعب العراقي، تكشّفت آخر فصوله عن المقابر الجماعية المهولة التي أخرجت مخبوءها بعد سقوط الصنم.

البحرينيون من أكثر شعوب المنطقة ارتباطاً بالعراق ومعرفةً بأوضاعه السياسية، وتعاطفاً مع شعبه، فمنذ سيطرة البعثيين على الحكم، كان الزوّار البحرينيون يقرأون الشعارات الحزبية التي تعلق على المشاهد الدينية «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، ويعودون ليتحدّثوا في مجالسهم عما يجري من محاربة الأنشطة الفكرية والتضييق على الناس وملاحقة المراجع وعلماء الدين، حتى انتهى الأمر إلى التصفية الجسدية. من هنا كانت الكراهية قديمةً وعميقةً لهذا النظام المستبد في نفوس البحرينيين، ولم تلتبس عليهم الأمور كما حدث لشعوبٍ عربيةٍ أخرى في اعتباره بطلاً قومياً وحامياً للبوابة الشرقية، حتى توهّم بعض الأردنيين رؤية صورته على وجه القمر، بفضل ما ضخّه من أموال النفط لخلق هالةٍ أسطوريةٍ حول ذاته، بينما «تطوّع» فعلياً للقتال نيابةً عن المصالح الغربية والأميركية في الخليج مدة ثماني سنوات!

في مطلع الثمانينات، كان يدفع للإعلام الخارجي بسخاء، حتى وصلت بركاته إلينا في البحرين، فصدرت مجلةٌ أسبوعيةٌ تحكي عن «مسيرته» وإنجازاته، ولم تعمّر هذه (الخايبة) أكثر من عامين حتى أقفلت؛ لأنها لم تجد من يصدّقها! بل إن إحدى مجلات المهجر توّجته بطلاً للثمانينات دفعةً واحدةً، ولا ندري كم قبضت مقابل هذا التتويج!

صدّام نجح في توجيه قدرات العراق المالية الضخمة نحو إخضاع وإذلال شعبه، وتوريطه في حروبٍ عبثيةٍ ضد جيرانه، فما إن انتهى من حرب إيران حتى تحوّل إلى دول الخليج، فاحتل الكويت وشرّد شعبها وقتل المئات منهم، وضرب الخفجي السعودية بالصواريخ. وحاول أن يجيّر «مجلس التعاون العربي» لقيادته، ولما عارضه مبارك اتهمه بأنه هاتف عملة. في كل حروبه يخرج منتصراً مثل طرزان، إذ تمتّع بقدرةٍ كبيرةٍ على خداع الذات، يرى الثور فيقول إنه بقرة، وهناك من كان يصدّقه دائماً من بقايا الصدّاميين المحنطين والمحنّطات.

بعد 30 عاماً من الحكم المطلق، والمقابر الجماعية وتصفيات الخصوم السياسيين من مختلف الأطياف، والمغامرات العسكرية الحمقاء... انتهى إلى حفرةٍ تحت الأرض، ادخرها ولاشك قبل وقتٍ طويلٍ ليوم الهروب؛ لأنه يعرف في قرارة نفسه كمّ الجرائم التي ارتكبها ضد الشعب. تسعة أشهر قضاها هارباً بجلده في تلك الحفرة التاريخية، حتى وشى به أحد أقاربه لقاء حفنةٍ من المال، فمن تشتريه بالمال... فسيبيعك بالمال.

أمس (الأحد)، وقف للمرة الأخيرة في قفص الاتهام، وكانت تنتظر سماع الحكم صفوفٌ طويلةٌ طويلةٌ من المظلومين والأرامل والأيتام والشهداء الذين سقطوا على مذبح الدكتاتورية السوداء. كنت أرقبه وأتذكّر قول الصادق الأمين (ص): «إن يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم»

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1522 - الأحد 05 نوفمبر 2006م الموافق 13 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً