قبل خمسة عشر قرنا كانت نسيبة بنت كعب المازنية الأنصارية (أم عمارة) تسطر وأخواتها أروع البطولات بالدفاع عن خير الخلق الرسول الأعظم محمد (ص) في غزوة أحد والحديبية وخيبر وحنين وعمرة القضاة ويوم اليمامة وبيعة الرضوان. وبالأمس القريب (الجمعة) كان العالم على موعد مع موقعة بطولية لأخوات نسيبة الفلسطينيات اللائي ابتلين بلاء حسنا دفاعا عن الأرض المباركة وبيت المقدس حينما واجهن أشرس عدو (الجيش الإسرائيلي الحاقد). فبعد أن فشلت كل المحاولات لإنقاذ نحو 60 مجاهدا فلسطينيا تحصنوا في مسجد النصر في بيت حانون حيث حاصرتهم قوات الاحتلال،تمكنت هؤلاء النسوة الأشاوس من مساعدتهم على الانسحاب وتجنب كارثة حقيقية.
ومن بين النساء اللائي قدن المسيرة عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة الإصلاح والتغيير التابعة لـ»حماس»، جميلة الشنطي وأخريات لهن أبناء محاصرون في المسجد وأمهات أو أخوات أو زوجات لشهداء أو أسرى لدى الكيان الصهيوني.
لقد انتظرت هؤلاء الفدائيات بزوغ فجر يوم الجمعة المبارك بلهفة وشوق للخروج في التظاهرة وفك الحصار عن الشباب المحاصرين وقد تعرضن لإطلاق نار كثيف من جنود الاحتلال ولكنهن تواصين على المضي قدما حتى إنجاز مهمتهن الشائكة. وعقب سقوط شهيدتين منهم هما رجاء أبوعودة (40 عاماً) وأنغام سالم (40 عاماً) وإصابة 16 أخريات تمكنت المجاهدات من دخول المسجد وتوزيع ملابس نسائية بسرعة فائقة على الشبان الذين خرجوا بعد وقت قصير متنكرين في تلك الأزياء ولم يتمكن الاحتلال من معرفة انسحابهم إلا بعد انتهاء العملية.
إن هذه البادرة تعتبر حقا ملحمة من الملاحم البطولية النادرة للمرأة العربية في أرض فلسطين المغتصبة. ومثلت أيضا نقلة نوعية في تاريخ النضال الفلسطيني وبطريقة سلمية أربكت العدو اللدود.كيف لا؟ وقد تقطعت السبل بالمرأة الفلسطينية بدءا باحتجاز 10 آلاف أسير من أبنائها، ومرورا بالحصار الجائر والتجويع المتعمد لأكثر من ثمان أشهر ،وانتهاء بقتل 350 من شبابها في الثلاثة أشهر الأخيرة.
إن «إسرائيل» استغلت موت الضمير العربي والوهن الإسلامي فاستفردت بالفلسطينيين العزل ذبحا وتدميرا لمنازلهم وتجريفا لمزارعهم في ظل الاقتتال الداخلي على السلطة ،ولكن عزاءنا أنه مادامت حواء الفلسطينية قادرة على إنجاب أمثال المشاركات في مسيرة الجمعة فإن الأمل معقود على بلوغ مستقبل واعد بتحرير الأقصى ومحيطه من براثن الصهاينة اللئام
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 1522 - الأحد 05 نوفمبر 2006م الموافق 13 شوال 1427هـ