انعقد في الدوحة المؤتمر السادس للديمقراطيات الجديدة أو المستعادة في الفترة بين 28 أكتوبر/ تشرين الأول و1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2006. ويشارك في المؤتمر ممثلون عن 142 دولة و69 برلماناً و97 منظمة مدنية. كُتِبَ الكثير عن مشاركة الدول والبرلمانات ولكن لم يكتب سوى القليل عن مساهمة ممثلي منظمات المجتمع المدني وهو ما سأعرضه في هذا المقال. الحقيقة أن ممثلي منظمات المجتمع القادمين من عدد كبير من البلدان المشاركة في المؤتمر، التي تسمح أوضاعها بنشاط منظمات المجتمع المدني قد عقدوا المنتدى السادس للمجتمع المدني عن الديمقراطية مسار ثالث من أعمال المؤتمر. لقد جرى التحضير لهذا المنتدى على امتداد العامين الماضيين أي بعد عام من انتهاء المؤتمر الخامس في أولان باتور بمنغوليا.
وكانت إحدى نتائج مؤتمر أولان باتور هي تطوير صيغة التحالف الدولي للمنتدى الدولي (ICSF) إلى التحالف الدولي للمنتدى الدولي من أجل الديمقراطية (ICSFD). ودخلت شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية (ANND) كطرف فاعل فيه. وهذا التحالف إضافة إلى اللجنة القطرية لحقوق الإنسان هو الذي قام بالتحضير للمنتدى الدولي السادس للمجتمع المدني بديمقراطية وشفافية واستقلالية. وهو الذي وجه الدعوات إلى المشاركين في المنتدى الدولي من دون تدخل من الحكومة القطرية التي مولت مشاركة ممثلي المجتمع المدني، ودفعت نحو مساهمة ممثلي المجتمع المدني في مداولات المؤتمر الرسمي، لكن دولا عدة في مقدمتها الولايات المتحدة عارضت ذلك بشدة، ولذلك اقتصر الأمر على مشاركتها في الجلستين الافتتاحية والختامية للمؤتمر، ورفع رؤية ممثلي المجتمع المدني إلى لجنة الصوغ. لكن ذلك لا يقلل من أهمية المنتدى الدولي المدني، فقد كان إطارا للتداول في الكثير من القضايا التي تعنى بالتحول نحو الديمقراطية وصيانتها وتعزيزها ومشكلاتها. كما أن المنتدى اتخذ مواقف واضحة تجاه عدد من القضايا الدولية في مقدمتها القضية الفلسطينية والعولمة المتوحشة وقضية الديمقراطية، في تباين شديد مع مواقف الدول والبرلمانات التي يحكمها السقف الرسمي.
ومن أهم ما تمخض عنه المنتدى الدولي تشكيل لجن تسيير من 11 منظمة تمثل البلد المضيف واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان والمجموعات الدولية الخمس (1- أوروبا وأميركا الشمالية 2- أميركا اللاتينية 3- الوطن العرب 4- إفريقيا. 5- آسيا والمحيط الهادي). وتمثل العرب بزياد عبدالصمد عن الشبكة العربية وخديجة محسن عن اتحاد النساء الديمقراطيات في تونس.
على امتداد ثلاثة أيام عقد ممثلو المجتمع المدني جلسة افتتاحية عامة ثم توزعوا على ست ورش ثم التأموا في اليوم الأخير في جلسة عامة، إذ قدمت نتائج الورش الست وكذلك مناقشة البيان الختامي وانتخاب ممثلي منظمات المجتمع اللجنة التسيير.
الاجتماع التحضيري العربي
لقد سبق أن عقد ممثلو منظمات المجتمع المدني العربي اجتماعا في الدوحة خلال يومي 17 و18 يوليو/ تموز 2006 وحضره ما يقارب 70 مندوبا. وتداول المشاركون بشأن إشكال الإصلاح والتحول الديمقراطي في البلدان العربية، وقدمت فيه أوراق تتناول المفاهيم وتجارب التحول الديمقراطي والإصلاحات في عدد من البلدان العربية.
وصدر بيان ختامي واستخلاصات الاجتماع الذي عمم على أوسع نطاق للمنظمات الأهلية العربية، وشكل أساسا للأوراق المقدمة في المنتدى الدولي السادس في الدوحة.
اجتماعات تحضيرية إقليمية
وعلى المنوال ذاته عقدت اجتماعات تحضيرية للمجموعات الدولية الأربع الأخرى (1- أوروبا وأميركا الشمالية 2- أميركا اللاتينية 3- إفريقيا 4- آسيا والمحيط الهادي)، التي ناقشت بدورها اشكالات التحول الديمقراطي وتعزيز الديمقراطية، والنظام العالمي والعولمة وغيرها.
دور منظمات المجتمع المدني
لاشك في أن دور ممثلي منظمات المجتمع المدني في مؤتمر الدوحة يعتبر متقدما قياسا على دورها في المؤتمرات الخمسة السابقة. ذلك يرجع الى عدة اسباب وفي مقدمتها تنامي دور منظمات المجتمع على المستوى العالمي وتحسن وسائل الاتصال فيما بينها، وترقي العلاقات فيما بين منظمات المجتمع المدني على النطاق العالمي. وبالنسبة إلى منظمات المجتمع المدني العربي فقد لعبت شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية دورا حاسما في تفعيل هذا الدور من خلال مشاركتها في التحالف الدولي للمجتمع الدولي من أجل الديمقراطية (ICSFD) الذي عقد عدة اجتماعات وأجرى اتصالات واسعة للتحضير لهذا المؤتمر وتحملت الشبكة العربية واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان - قطر، مسئولية التحضير للاجتماع العربي التحضيري للمؤتمر، وكذلك تنسيق الجهد العربي المدني في هذا المؤتمر.
وقامت اللجنة المسيرة للتحالف بوضع جدول أعمال المنتدى المدني الموازي للمؤتمر الرسمي في الدوحة، وتابعت عن كثب التحضيرات له وكلفت المختصين وضع أوراق العمل للورش الست، وأرسلت الجاهز منها إلى المشاركين في المؤتمر بالبريد الالكتروني قبل انعقاد المنتدى. من الواضح من خلال أعمال الجلسات العامة وورش العمل أن هناك تحديات كثيرة ومهمات كبيرة لمنظمات المجتمع المدني في ظل موجة الديمقراطية التي يشهدها العالم الآن، ولكن في ظل ممانعة قوية من قبل الكثير من أنظمة الحكم في العالم الثالث وفي مقدمتها الأنظمة العربية التي لم تسلم طوعا بضرورة التحول الديمقراطي والإصلاح الجذري الشامل.
في الوقت ذاته، إن الوضع العالمي الناشئ عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 اتسم بالتضحية بالحريات العامة والحقوق الديمقراطية في الولايات المتحدة ذاتها وبالتأكيد في الكثير من البلدان العربية والإسلامية لصالح ما يسمى الحرب العالمية ضد الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة. ولاشك في أن الحرب التي يقودها التحالف العربي بقيادة الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان تحت شعار مكافحة الإرهاب وبناء الديمقراطية قد أدت إلى نتائج عكسية بل إلى نتائج مدمرة للديمقراطية في البلدين وتصاعد الإرهاب محلياً وإقليمياً وعالمياً، وتراجع مسيرة الديمقراطية والإصلاح في المنطقة العربية خصوصاً. لقد جرى تقديم الكثير من الأوراق المهمة التي تناولت إشكالات التحول الديمقراطي والإصلاح في الجانبين النظري والعملي وأسهمت هذه الأوراق والمناقشات التي دارت حولها في بلورة أفكار وتوصيات مهمة تضمنها البيان الختامي وخطة العمل.
من أهم هذه الاستخلاصات الآتي:
1- ضرورة وجود معايير عملية للتحول الديمقراطي في أي بلد، وعدم الركون إلى إعلان نظام ما أنه ديمقراطي.
2- ضرورة وجود مرصد عالمي مستقل وموضوعي لقياس التحولات الديمقراطية لمختلف بلدان العالم، يصدر تقريراً سنوياً بذلك.
3- إصدار تقرير سنوي مستقل عن العلاقات الدولية ومدى ديمقراطية هذه العلاقات ومدى إسهامها في تقديم أو إعاقة التحولات الديمقراطية.
4- إن من منظمات المجتمع الدولي هي شريك أصيل في عملية التحول الديمقراطي في أي بلد، ولذلك فإنها ترفض وصاية الأنظمة، وجعلها مجرد ديكور ديمقراطي أو تابع للأنظمة.
5- من المهم أن تؤسس منظمات المجتمع المدني علاقات ديمقراطية داخلها وفيما بينها لتكون نموذجاً للمجتمع الديمقراطي والدولة الديمقراطية التي تسعى إليها.
6- ضرورة تعزيز الشبكة الدولية لمنظمات المجتمع المدني على مستوى العالم وأن يكون لها دور فاعل في منظمات الأمم المتحدة ومؤتمراتها وخططها لتعزيز الديمقراطية في العالم.
7- إن منظمة الأمم المتحدة هي المعنية أساساً بتعزيز الديمقراطية والإصلاح والحكم الصالح بموجب وثيقة الأمم المتحدة (أجندة القرن الحادي والعشرين)، والذي أقرته قمة الأمم المتحدة، وليس من حق دولة عظمى لوحدها فرض معاييرها واستراتيجيتها على العالم باسم الديمقراطية.
8- إن الحروب العدوانية للولايات المتحدة و»إسرائيل» واحتلال «إسرائيل» الأراضي الفلسطينية والعربية ومشاركة دول غربية في هذه الحروب التي تقودها الولايات المتحدة، وكذلك فيما يدعى الحرب ضد الإرهاب، تخرق سيادة بلدان وتنتهك حقوق شعوب بكاملها وتقوض التنمية المستدامة والتحولات الديمقراطية والإصلاحات الشاملة.
أما الخطوة العملية التي اتخذها ممثلو منظمات المجتمع المدني المشاركون في المؤتمر فهي تشكيل لجنة التسيير (steering Court) للتحالف الدولي للمجتمع المدني من أجل الديمقراطية (ICSFD) من 11 شخصاً والذي سيتخذ من الدوحة مقراً له للسنوات الثلاث المقبلة. وستكرس لجنة التسيير جهودها لتنسيق جهود منظمات المجتمع المدني على امتداد العالم للنضال من أجل التحول الديمقراطي والإصلاح الحقيقي في مختلف بلدان العالم وخصوصاً النامية منها
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 1522 - الأحد 05 نوفمبر 2006م الموافق 13 شوال 1427هـ