قيل قديما «المعذرة برهان العقل» و«من اعتذر فقد استقال»، فالاعتذار قيمة أخلاقية يحتاجها المجتمع من أجل استمرار العلاقات بين أفراده بشكل صحيح وسليم، أما على مستوى السلطة والحاكم فإن الاعتذار يكون أثره أكبر وأعظم وأوضح، فعندما يتصف به الحاكم - الذي يرى شعبه بعينيه لا عن طريق التقارير المغلوطة - فإن التراكمات الثقيلة والتجاوزات التي أثقلت كاهل الأمة تزول وتضمحل مع مرور الأيام، بشرط أن تتبعه خطوات عملية ملموسة على الواقع في هذا الإطار.
وخير مثال وأقربه وقوعا هو أقدام رئيس الوزراء التايلندي المؤقت سورايود شولانونت بالاعتذار للغالبية المسلمة «الملايو» في جنوب البلاد عن مصرع عدد كبير من أبنائهم في واقعة «تاك باى» التي حدثت العام 2004 على أيدي قوات الجيش، كما أعتذر عن السياسة الظالمة التي اتبعتها الحكومة السابقة ضدهم.
ولم يكد هذا المسئول ينهي اعتذاره أمام عدد من الزعماء المسلمين حتى رحبوا بهذا الاعتذار ووصفوه بأنه مفتاح مهم يؤدي إلى تسوية المشكلات. ودعوا الله بأن يمنحه القوة لكي ينفذ ما أبداه من عزم على إيجاد حلول سلمية لإحلال الوفاق بين أبناء الأمة.
ما حدا ببعض السياسيين أن يقر بأن شولانونت أستطاع كسب قلوب وعقول «الملايو» المسلمين، وأن يعتبر ذلك نقطة بداية طيبة وخطوة أولى هامة لغلق ملف العنف الذي أوقع أكثر من 4500 قتيل وجريح.
هذا ما لدى الآخرين، أما نحن - أبناء الأمة العربية - فإن المسئولين لدينا يؤمنون بالقول السائد «من أعتذر أتهم نفسه»، ويعتبرونه خطوة تساهم في إسقاط «هيبة الدولة» وتزيد الطرف الآخر تجرأ أكثر، ويؤدي به إلى قلة «الولاء» و الاتجاه نحو «التطرف»... الخ.
فإلى متى يبقى هؤلاء على هذا التفكير، فالشعوب لا تريد إسقاط أحد ولا تطمع بكرسي ولا تهدد نظام، أنما تريد أن تشعر بأن الحاكم عليها جزء منها، يعتز بها ويثق فيها ويسعى دائما لكرامتها وعزتها، فلا يقدم غريبا عليها ولا يؤخر قريبا عنها، فهل هذا مستحيل؟
إقرأ أيضا لـ "احمد شبيب"العدد 1521 - السبت 04 نوفمبر 2006م الموافق 12 شوال 1427هـ