لا خلاف بين عدد كبير من المراقبين المستقلين والشارع البحريني السياسي وغيره على أن أداء نواب برلمان 2002 كان سلبياً بكل ما في الكلمة من معنى، وأنه حتى لا «يزعل» بعض الزملاء من المغالين في الدفاع عن برلمان 2002 بحكم اعتبارات حزبية فاقعة لا يمكن تغطيتها أو الخروج عليها من ناحيتهم وهم على أعتاب الدخول في الترشح للبرلمان القادم، يمكننا القول إن الإخوة من أعضاء برلمان 2002 وعدوا و»طالبوا» بالكثير والكثير ولكنهم لم ينجزوا واجباتهم وينفذوا من وعودهم سوى أقل القليل، سواء أكانت تلك الإنجازات اقتراحات برغبة أم «تشريعات» من النوع الذي يصعب تحديده ورصده بالعين المجردة! لتبقى الكلمة العامية الدارجة في الشارع البحريني المفتقر لأبسط أنواع الخدمات الأساسية والحيوية بأن النواب «ما سووا شي» هي الأكثر بلاغة وقبولاً!
وهذا الأداء المتدني يمكن إرجاعه إلى عوامل شتى تتعلق بانشغال نواب محسوبين للأسف على تيار إسلامي واسع بتلبية المصالح الفئوية والشخصية، وآخر استمات في «شرعنة» رؤاه المذهبية و»الفكرية» الضيقة عبر بوابة البرلمان، وبالتالي وجد هنالك من دخل البرلمان لــ «يلعب» و الآخر لــ «يخرب» كحال الأطفال العابثين الذين وربما لو كانوا قليلي خبرة وكفاءة ووعي، والتجربة التمهيدية مازالت في بدايتها إلا أن ذلك لم يكن مبرراً أبداً لهؤلاء النواب أن يتخلوا، وفيما هو معروف استجابة لضغوط فوقية عليا عن طرح الكثير من القضايا الرئيسية والمصيرية المؤثرة في الوطن والمواطن وحتى أداء المجلس، بالإضافة إلى التمرير والتغاضي عن تشريع ملفات فساد كبرى!
وحتى لو افترضنا صميم إخلاص ونزاهة عدد كبير من نواب 2002م، إلا أن النتيجة المحسومة سلفاً هي أنهم لا يمكن أن يكونوا أفضل مما هم حقيقة عليه، ولو كلف ذلك استخدام المكياج والتبرج في شتى المحافل الإعلامية، لكونهم أبناء تيارات دخيلة على النضال السياسي المدني وعلى الصعيد المحلي، وبالتالي لا وجود حقيقياً لمشروع واقعي يمس قضايا كبرى ويرتجى تحقيقه بالدخول إلى البرلمان، ومع انقضاء الفترة البرلمانية الماضية تبين أن هنالك من النواب من يجهل وظيفته واختصاصه البرلماني، وأراهن حتى على قلة وعيه بما هو مسموح له من سلطات وصلاحيات، وذلك حينما صرح بأن قضية التعديلات الدستورية هي قضية هامشية، وأنه من الأولى تحسين معيشة المواطنين، وهذا النائب المنتمي إلى إحدى أكبر الكتل إثارة للجدل في الفترة البرلمانية الماضية كالعادة لم يقل لنا كيف سيساهم في تحسين معيشة المواطنين عبر دخوله البرلمان.
هل من خلال مشروع «نظري» و»عملي» واضع المعالم لمعالجة سوء توزيع الثروات الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية، أم عبر سلسلة وقائمة من العلاقات والأدوات الزبائنية كالــ «محسوبية» و»استجداء ولي الأمر» أو أحسنها وأعفها وهو «الدعاء»؟!
إن طرح مثل هذه المحاسبة والتقييم العاجل بات أمراً ضرورياً وملحاً إيماناً بصدقية المثل الشعبي «لا يجرب المجرب إلا مخرب» ومجابهة لاعتزام عدد من «لوردات» البرلمان السابق، من أصحاب السوابق البرلمانية السيئة الصيت إلى الترشح للانتخابات البرلمانية القادمة حتى يكتمل عصرنا الذهبي ويعيش المواطن أزهى أيامه!
نعم، أقول وأجزم بأن فوز عدد من أعضاء البرلمان السابق، وللأسف منهم محسوبين على التيار الإسلامي السياسي «الضحية»، سيدفع بقوة نحو استبدال اسم «المجلس النيابي» بــ «مجلس اللوردات البحريني»، أي مجلس ملاك الأراضي والعقارات والكوبونات، ممن اشترى بالأمس أصوات المواطنين الحبيسة في زنزانة الفقر السياسي والمعيشي المفروض قسراً بثمن بخس، ليبيعها على مدى أربع سنوات أخرى، ويصبح من أصحاب الوجاهة والحظوة من دون أن يرى مواطنيه وأبناء دائرته شيئاً تحقق سوى مراهنة في غير محلها، ولمن لا يستحق على وزن «يا من شرا له من حلاله علة وغلة»!
لقد سقط الكثير من «النواب» و«البرلمانيين»، لينهض عدد لا بأس به من «اللوردات» و«الأباطرة الجدد» و«أمراء الطبقة الكالحة» و»مرشدي الجماعات الوظيفية المتسترة بعباءة الدين»، ولكن للأسف يرفض أصحابنا «بالاسم» أن يعتذروا للوطن والمواطن، أو على الأقل يسلموا بسقوطهم برلمانياً وتمثيلياً وفشلهم في أداء الأمانة والنهوض بالمسئولية بشكل كامل، فألسنتهم وأعضاؤهم قد شلت عن الاعتذار بتاتاً، ولا يمكن لها أن تؤدي وظائفها إلا من خلال مزاحمة «الفجار» و«الفساق» و«الكفرة» في البرلمان القادم للدخول في حلقة مأساوية مفرغة أخرى سيدفع الوطن والمواطن ثمنها غالياً!
جربنا سيرك العمل البرلماني لــ «تيارات الإسلام السياسي غير المعتدل»، فهل من داعي لتجربته مرة أخرى؟!
وهم، أي «لوردات» البرلمان السابق، يأبوا وأن يكون سقوطهم وفشلهم وإفلاسهم ذاك حضارياً وراقياً ومحترماً، أو حصرياً في زاوية العمل البرلماني والتمثيلي والفشل في حمل الأمانة وتأدية المسئولية، ولكنهم يصروا بشكل غريب وعجيب على ممارسة أدنى وأحقر الأساليب السياسية المعدومة أخلاقياً وقيمياً في سبيل «جنة الوصول» إلى الفردوس البرلماني!
سواء أكان ذلك على صعيد حرب التصريحات، أم حرب اللافتات والشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع كافر يدفع لانتخاب تاجر فاجر، إلى معركة إشاعات مغرضة طال أذاها للأسف عدد كبير من قامات ورموز النضال السياسي الوطني، كما أنها لم تتردد أيضاً عن المساس والإضرار حتى برموز «الموالاة» أنفسهم ، فبات لا يمكن حصرها في نطاق واحد فلم يسلم من أذاها أحد!
ولنأخذ على سبيل المثال عدداً من «المسجات» المنتشرة حالياً، والتي أرسل إلي أحد الإخوة الأفاضل نسخة من دناءتها وهي الأجود، وأحد هذه المسجات المنتشرة على سبيل المثال هو «بعد نفي الأصالة دعمها له. جمعية أصحاب الفنادق تعلن دعمها لصاحب فندق الريلاكس» في الانتخابات البرلمانية.
أما بخصوص الحرفة التقليدية التي لطالما أجادتها تيارات «الإسلام السياسي»، والتي تعد رصيدها القوي الأوحد إلى جانب «المساعدات الخيرية العاجلة» ألا وهي استغلال عباءة الدين وتفصيلها على مقاسات محددة لـلورد (البرلماني)، وفي كل الحالات نسيبه أو صهره.
ونذكر على سبيل المثال أحد هذه المسجات ذي النبرة الإيجابية لكونه يترك مقادير التسوية في يد الله عز وجل بدلاً من «محاكاتها» واستعارتها من أصحاب التيار أنفسهم، كعهدنا بهم، وهذا المسج هو: «لمصلحة منطقتنا ومستقبل أبنائنا... توجهوا بالدعاء إلى الله تعالى بأن يوفق الصالحين في الانتخابات القادمة ويخزي المفسدين ولا يجعل لهم من الفوز نصيباً».
ومثل هذا «المسج» وإن دل على رغبة صادقة بالصلاح والتوفيق إلا أنه يفوح برائحة الانتهازية والاستغلال لكونه لا يخرج عن إطار المنافسة الانتخابية غير الشريفة في دائرة انتخابية يترشح فيها شخصان أحدهما مستقل عن أية جمعية سياسية والآخر محسوب على «مدرعات ومبكسات الوزن الثقيل» في هذه الجمعية!
أما بخصوص الشعارات واللافتات الانتخابية فحدث ولا حرج فالشوارع والميادين والجدران «المفترى عليها» خير دليل على ذلك، فأحد «لوردات» البرلمان السابق من المرشحين الجدد، من «آخوندية» ومحافظي هذا التيار، لم يتردد للأسف في دعوة جماهير دائرته لانتخاب «مناصر الرسول الكريم»!
أعتقد أنه كان من الأفضل لأخينا «هداه الله» لو أطلق على برنامجه الانتخابي شعار «لكم دينكم ولي دين» عسى أن لا يتهم بالاستغلال والمتاجرة بمناصرة الرسول الكريم (ص) كورقة انتخابية «شفت بعيني محد قالي»!
أحد أبرز «لوردات» و «ملوك خواتم» البرلمان السابق أطلق شعاراً جميلاً له يدعو إلى نبذ المصالح الفئوية والطائفية، في حين أن الجميع يعلم أن أبرز الإنجازات التشغيلية للنائب المحترم كانت الزج بتوظيف أخيه المتردي الكفاءة في إحدى مؤسسات الدولة، فاختلط علينا «القطاع» و«القطيع» و«القطعة»!
ومن شاء أن يطلع على إنجازات «لوردات» البرلمان السابق فيلاحق ملفات مؤسسات الدولة! وحتى ذلك الحين ليهدي الله الجماعة، ويكون السقوط حضارياً وحصرياً على الأقل
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1521 - السبت 04 نوفمبر 2006م الموافق 12 شوال 1427هـ