شدني ما كتبه الكاتب والأكاديمي السعودي محمد علي الهرفي خلال شهر أغسطس/ آب الماضي في مقال له في صحيفة «الوسط» بعد احتدام الحرب المدمرة بين حزب الله و«إسرائيل». وعلى رغم أن الحرب وضعت أوزارها فإن نتائجها وتبعاتها وتداعياتها لاتزال قائمة حتى يومنا هذا.
إن موضوع الهرفي غني بالمعلومات القيمة ذات الأرقام والحقائق، وهذا أمر طبيعي ونابع من أن هذا اللقب الجميل هو اسم على مسمى، إذ يطلق هذا اللقب في البحرين وفي دول الخليج على كل شيء غني مترف. وسأدعو الكاتب الهرفي عندما يزورنا على وليمة هرفية في أحد مطاعم الخمس نجوم الهرفية، ومنها مطعم الهرفي الراقي في مجمع الدانة. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فيحضرني هنا اسم الصحافي المصري رئيس تحرير «الجمهورية» المصرية محمد الحيوان ، الذي اعرفه منذ السبعينات، وقد التقيته آخر مرة في نيويورك في خريف العام 1985، و عانى الأمرين من لقبه الجميل هذا!
على المستوى الشخصي، سأسرد بعض الحقائق التي توفرت لي من خلال عملي الدبلوماسي الذي أعقب عملي الإعلامي والثقافي واستغرق تسع سنوات بين سمان وعجاف في وزارة الإعلام البحرينية، والعواصم الخمسة التي عملت فيها على التوالي: بيروت، طهران، نيويورك (الأمم المتحدة)، الصين وأخيرا تونس الخضراء.
في لبنان لبثت سنوات ثلاث حبلى بالحوادث والقضايا السياسية الساخنة وخصوصاً أن لبنان آنذاك كان قد خرج لتوه من حرب أهلية ضروس بدأت في أبريل/ نيسان 1975 حتى دخول قوات الردع العربية في أكتوبر/ تشرين الأول 1976. ولكي أكون دقيقا بعد عقد مؤتمر القمة العربية في القاهرة، وحضرته ضمن وفد البحرين الإعلامي، و دخلت هذه القوات لبنان بمباركة القادة العرب، مكونة من قوات سورية كان لها نصيب الأسد، وهو أمر طبيعي؛ ثم السعودية بكتيبتين؛ والسودان واليمن السعيد والإمارات. كان السفير السعودي علي الشاعر أكثر سفراء أو رؤساء بعثات الدول العربية خبرة ودراية وفهما وإحاطة بعمله، وما ساعده في ذلك أن خلفيته تكمن في كونه رجلا عسكريا، إذ كان قبل أن يشغل منصبه ذلك ملحقا عسكريا لبلاده في لبنان لعشر سنوات، وقبلها في باكستان. وهكذا عرف الرجل لبنان عن كثب انها ساحة واسعة للصراعات السياسية والمذهبية بين اللبنانيين، ثم انه ساحة واسعة أخرى لألعاب الأمم. وهي ساحة ذات رمال سياسية متحركة، من الصعب على المرء من أهل السياسة والكياسة ومهما أوتي من خبرة أن يتنبأ بما تخبئ له الأقدار.
وفي لبنان الاختلاف لا الائتلاف هو السائد بين رجال السياسة وأصحاب القرار، وهذا ما يردده دائما الكثير من الصحافيين العرب والأجانب، وعلى رأسهم الصحافي اللبناني الكبير جهاد الخازن، والمرحوم الصحافي ميشال أبو جودة، ولو كان العكس لما وصل إليه اليوم لبنان من تمزق وتشعب.
وعندما جاء «حزب الله» وحرّك المياه الآسنة والحياة السياسية العربية المائعة والراكدة وأيقظ روح المقاومة اختلف على ذلك اللبنانيون قبل العرب، وذلك بعد ستين عاما من اغتصاب فلسطين على يد الصهيونية العالمية وضياع الحقوق الفلسطينية التاريخية. ولايزال العرب حتى يومنا هذا ينتظرون السلام الموعود أو المعسول ومبادراته، والتي لن تأتي أبدا طالما أنه ليس لدى العرب إرادة سياسية واضحة، على رغم مبادراتهم السياسية الكثيرة، وأولها مبادرة الملك فهد في مؤتمر فاس 1981، بشأن النزاع الطويل المنهك والذي يحتاج إلى صبر أيوب، وخصوصاً أنها تتحاور مع قوم بني «إسرائيل»، الذين قارعهم القرآن الكريم بحججه وبراهينه الساطعة في سورة «البقرة» وغيرها من سور القرآن الكريم.
وكان سفير الكويت عبد الحميد البعيجان لعب دورا مهما في اجتماعات اللجنة الرباعية العربية المتعلقة بلبنان. وهذا الرجل بطيبة قلبه وحسن نواياه وتطلعه للعب دور كبير للكويت في لبنان لكي تخرجه من عنق الزجاجة، انطلاقا من جهود ورؤى رئيس البعثة الدبلوماسية الكويتية النشط الشيخ صباح الأحمد الصباح (أمير الكويت اليوم). وكان يتطلع أن تلعب الكويت دوراً عربياً في حل الصراعات والخلافات العربية والدولية التي تطفو على السطح في لبنان. وقد سلمه الله وحفظه من خطف فلسطيني بطائرته المتجهة إلى الكويت، وأذكر أن الشخصية الفلسطينية السياسية خلال فترة السبعينات باسل عقل كان له اليد الطولى والمساعي الحميدة في إعادة السفير البعيجان إلى أسرته سالماً. وكان سفير الإمارات الحالي في البحرين عبدالعزيز الشامسي رئيساً متوجاً لبعثة الإمارات الدبلوماسية آنذاك، وكان زميلا لي، إلا أنه آثر السلامة والعافية، وابتعد عن وجع الدماغ والصداع الذي عشته سنوات ثلاث إلى حين انتقالي إلى بؤرة سياسية متفجرة هي طهران، وكان أصدقائي دائما يرددون أنني لا أحل في بلد إلا واشتعلت فيه الحروب والقلاقل!
انتقلت إلى وضع سياسي آخر إلا أنه ممتع وأكثر عافية وتشويقاً، ففصوله الدرامية المثيرة التي بدأت في نوفمبر 1979 بعد احتجاز الرهائن الأميركان في سفارة الشيطان الأكبر (أميركا). وقد عانى الأميركان إذلالاً وهواناً ما بعده هوان، إذ رد الإيرانيون أبناء الثورة الإسلامية التي انتصرت في فبراير 1979 على يد قائدها ومفجرها الإمام الخميني الصاع صاعين للعم سام، التي سبق أن أطاحت بحكومة الزعيم الإيراني الوطني محمد مصدق في انقلاب أبيض قاده الجنرال الإيراني زاهدي بمساعدة المخابرات الأميركية (سي آي ايه)، وأعادت محمد رضا شاه إيران المخلوع من منفاه في إيطاليا في بداية الخمسينات. وما فعلته أميركا لا يعدو أن يكون عقاباً للزعيم مصدق على تأميمه النفط الإيراني عبرة لأمثاله من أحرار العالم
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1521 - السبت 04 نوفمبر 2006م الموافق 12 شوال 1427هـ