«إسرائيل» تتحرّك في هجوم تدريجي واسع على غزّة بالطائرات والدبابات والصواريخ والاغتيالات في اجتياح وحشي لا يستثني طفلاً ولا امرأةً ولا عجوزاً ويستهدف المدنيين من العمال والمواطنين العاديين ليحصد في كل يوم مزيداً من الشهداء والجرحى والمنازل المدمرة والمزارع المجروفة. وإلى جانب ذلك تزداد المستوطنات ويمتد الجدار العنصري الفاصل الذي يصادر الأراضي الفلسطينية السكنية والزراعية في خطة وحشية تخنق الشعب الفلسطيني في تخطيط أميركي إسرائيلي ودعم عربي لإسقاط الحكومة الفلسطينية المنتخبة في نطاق سياسة أميركية بعيدة المدى تضع فلسطين في داخل مشروع واسع للمنطقة كلها وخصوصاً أن المبرّر للهجوم الإسرائيلي هو الخشية من تحول الفصائل الفلسطينية وفي مقدّمها «حماس» إلى ما يشبه وضع حزب الله في لبنان مع إثارات إعلامية وسياسية إسرائيلية تتحدث عن وضع تتمكن فيه «حماس» من إنشاء وحدات كوماندوس وأخرى لإطلاق قذائف مضادة للدبابات وتتزوّد منظومة أسلحة متطورة من ضمنها أجهزة للرؤية الليلية، وذلك من خلال زعمهم بوجود عمليات تهريب أسلحة بين مصر وغزة.
إنهم يثيرون ذلك كله لتبرير هذا الهجوم الشامل الذي حصل على ضوء أخضر أميركي لهذه الحرب الاستباقية على طريقة حروب أميركا في المنطقة بعنوان الدفاع عن النفس. ومن اللافت أن أميركا لا تجد دفاع الفلسطينيين عن أرضهم وعن شعبهم ضد الاحتلال الإسرائيلي دفاعاً عن النفس. لأنّ الإدارة الأميركية لا ترى أي حقّ للشعب الفلسطيني في الحياة الحرة الكريمة، ولأنّ اليهود الأميركيين الموالين لإسرائيل والمحافظين الجدد يزداد تأثيرهم على الإدارة الأميركية ولاسيما في هذه الأيام التي تفصلنا عن الانتخابات الأميركية النصفية.
إننا ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى رفع الصوت عالياً ضد العدوان الإسرائيلي الجديد على الشعب الفلسطيني وإلى التظاهر الشامل الصارخ على الطريقة التي خرجت بها الشعوب الرافضة للاحتلال في أثناء العدوان على لبنان، ونريد للشعب الفلسطيني أن ينطلق من قاعدة مواجهة هذا العدوان إلى وحدة شاملة في حكومة وحدة وطنية، لأن إسرائيل ليست مع فريق ضد آخر، بل هي ضد الجميع، ولأن أميركا لا تزال تعمل على إضاعة الوقت عبر دعوة اللجنة الرباعية الدولية إلى الاجتماع من دون نتيجة إيجابية لإعطاء الفلسطينيين - ولاسيما السلطة - أحلاماً خيالية ووعوداً كاذبة في الخطة المرسومة لتحقيق إسرائيل استراتيجيتها في السيطرة على فلسطين كلها، ولاسيما في الأوضاع الجديدة للحكومة الصهيونية في إدخال بعض المتطرفين الذين يخططون لتدمير الشعب الفلسطيني بما فيه الفلسطينيون الذين يسكنون في أراضي الـ48. وعلى الدول العربية أن تعرف أنها إذا استمرت في هذا الصمت الذليل واللامبالاة السياسية، فسوف ينقلب الهيكل على رأسها ورؤوس الجميع... وتبقى الإدارة الأميركية التي سقطت داخلياً وخارجياً في مأزقها السياسي والأمني في العراق وأفغانستان وفي أكثر من منطقة بالرغم من قوتها الضاربة في احتلالها لبلاد الرافدين إلى جانب القوات المتعددة الجنسية في سيطرتها على أفغانستان إلى جانب قوات الحلف الأطلسي من دون أن تحقق نصراً هنا وهناك، الأمر الذي سوف يضطرها تحت تأثير الهزيمة إلى العودة إلى إيران وسورية في خطة لإيجاد حال من التوازن في سياستها في المنطقة أملاً بأن تحصل على نوع من الاستقرار في مناطق احتلالها. لقد عاش الشعب العراقي المجازر اليومية الوحشية ضد المدنيين، ولاسيما العمال، بغطاء من قوات الاحتلال التي لم تمنح الناس أيّ دفاع عن عدوان التكفيريين الحاقدين على الإنسان والحياة، والذين شوّهوا وجه المقاومة الشريفة التي تبلي بلاءً حسناً في مواجهة قوات الاحتلال والتي سوف تضطره عاجلاً أو آجلاً إلى الانسحاب من العراق، إن الشعوب بدأت تمقت أميركا من خلال إدارتها الحالية، وسوف تسقط السياسة الأميركية تحت تأثير الرفض القوي لكل ما تمثله أميركا في استراتيجيتها الاستكبارية على صعيد مصالحها في المنطقة.
أما لبنان، فإنه يعيش في داخل المأزق الذي تتحرك فيه النخب السياسية بعيون مغلقة وبذهنية طائفية عمياء، تمنح خطوطها اسم الوطنية، وبخطط ضائعة بين ضغوط الخارج وتعقيدات الداخل وبهروب إلى الساحات الدولية التي تستقبل البعض لتوجههم إلى المزيد من الإرباك السياسي الذي يمنع أية واقعية للحوار وأيّ روحية للتشاور، لأن المطلوب هو بقاء لبنان في هذه الحال من الانقسام الداخلي على عناوين معقدة في مسألة حكومة الوحدة الوطنية أو المحكمة الدولية وغيرها، في داخل التجاذب الذي يراد له أن يحوّل الحوار إلى ما يشبه حوار الطرشان. إن خروج لبنان من الحرب الإسرائيلية العدوانية يفترض أن يقود إلى حلّ لا إلى مأزق، فالأولويات الوطنية في مثل هذه الحال واضحة لجهة تطبيق القرار 1701 بما يوقف الخروق الجوية الإسرائيلية ويعيد مزارع شبعا والأسرى وينهي دور الساحة المفتوحة على كل الصراعات في لبنان، ويفسح في المجال لإطلاق البرنامج الإصلاحي المالي والاقتصادي والسياسي الذي يضمن النجاح لمؤتمر باريس3، وبالتالي الالتفات إلى إعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد والحوار للتفاهم لإيجاد حلول لما بقي من بنوده، أية أزمة الحكم والاستراتيجية الدفاعية والعمل على تطبيق ما جرى الاتفاق عليه بالإجماع
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1520 - الجمعة 03 نوفمبر 2006م الموافق 11 شوال 1427هـ