العلاقات الخارجية
الأهمية التي يوليها الاتحاد الأوروبي لعلاقاته الدولية يتم التعبير عنها من خلال الابتكارات التي شهدتها المفوضية الأوروبية ومجلس الوزراء. على سبيل المثال كانت العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي تدار قبل 15 عاما، من قبل دائرتين فقط، من دوائر المفوضية، بينما تقوم بذلك، حالياً، ست دوائر. وفي سبيل ضمان توجه واضح وهوية واضحة، تم ضمان التنسيق الشامل من قبل مفوض العلاقات الخارجية، كريس باتن. فهو يعمل من خلال التعاون المطلق مع زملائه المسئولين عن الدوائر السياسية وهم ـ بول نيلسون Paul Nielson (التطوير والمساعدة الإنسانية)، جونتر فيرهيوجن Gunter Verheugen (التوسع)، وباسكال لامي Pascal Lamy (تجارة). كما أنه على اتصال وثيق مع خافيير سولانا، الأمين العام لمجلس الوزراء والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن المشترك CFSP). Security Policy Common Foreign and) يمتلك الاتحاد الأوروبي شبكة متكاملة حول العالم، تساعده على صياغة وتطبيق سياساته. فبالإضافة إلى السفارات الأجنبية في بروكسل التي حظيت باعتماد الاتحاد الأوروبي، تدير المفوضية أكثر من 120 ممثلية في الدول الأجنبية. وتتولى هذه الممثليات مهمة تطوير العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والدول ذات الأحجام والثروات المختلفة، وتحقيق سياسات وقيم الاتحاد الأوروبي وإطلاع بروكسل على التطورات الميدانية. وإلى جانب الاتصالات المتتابعة بين الموظفين الكبار والوزراء والبرلمانيين، يعقد الاتحاد الأوروبي لقاءات قمة منتظمة، مرة أو مرتين كل عام، مع شركائه الرئيسيين كالولايات المتحدة واليابان وروسيا وكندا. في البداية كانت اللقاءات تكرس لمسائل تجارية، أما اليوم فتتناول شتى القضايا السياسية، بما فيها طرق حماية البيئة، مكافحة الجريمة الدولية وتهريب المخدرات بالإضافة إلى دفع مبادئ حقوق الإنسان قدماً. ويطرح الاتحاد مواقفه في المنتديات الدولية المتعددة الأطراف، كالأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة التعاون والأمن في أوروبا، ويعمل مع هذه الجهات على تطوير ضمان تحقيق اهداف السلام والأمن المشتركة.
وعلى رغم أن رئاسة الاتحاد الأوروبي تنتقل بين الدول الأعضاء، كل ستة أشهر، فإنه يتم ضمان إستمرارية السياسة الخارجية وتطبيقها على أيدي الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن المشترك (CFSP)، والأمانة العامة للمجلس والمفوضية. وتحظى الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، والتي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد، بمساعدة من قبل الدولة التي ستليها في تولي رئاسة الاتحاد.
السيا سة الخارجية والأمن المشترك
في العام 1993 تم عرض سياسة الخارجية والأمن المشترك للاتحاد الأوروبي (CFSP)، في إطار معاهدة الاتحاد الأوروبي (معاهدة ماستريخت)، التي جاءت بعد 20 عاماً من التعاون السياسي بين دول الاتحاد الأوروبي.
لقد تبنى مجلس الوزراء، منذ العام 1993، ما يقارب 70 موقفا مشتركا في قضايا سياسية خارجية امتدت من دول البلقان وحتى تيمور الشرقية، ومن منع انتشار الأسلحة النووية إلى مكافحة الإرهاب. بعد تبني موقف معين يُطلب إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الالتزام بالمواقف المشتركة التي تدافع عنها رئاسة الاتحاد في الأمم المتحدة وفي المؤسسات الدولية الأخرى. لقد وافق المجلس، في الفترة ذاتها، أيضاً، على ما يقارب 50 عملاً مشتركاً، شملت عمليات نزع الألغام في أفريقيا وفي أماكن أخرى من العالم، وايفاد مبعوثين خاصين للاتحاد إلى المناطق التي تشهد أزمات، كدول البلقان والشرق الأوسط.
منذ معاهدة أمستردام التي صودق عليها في العام 1999، بات مجلس الاتحاد الأوروبي (الذي يضم رؤساء دول أو حكومات) مخولاً بتبني إستراتيجيات مشتركة طويلة الأمد بشأن بعض البلدان أو مناطق معينة. ففي العام 1999 تم تبني الإستراتيجيات المشتركة تجاه روسيا وأوكرانيا، وفي العام 2000، تجاه دول حوض البحر الأبيض المتوسط.
في إطار سياسة الخارجية والأمن المشترك، تتبلور، بشكل عاجل، سياسة أوروبية مشتركة للدفاع والأمن (CESDP)، وذلك في سبيل تعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي على معالجة الأزمات في المناطق المجاورة أو البعيدة، حسب مخططات أعدت مسبقاً، من خلال التنسيق الوثيق مع حلف شمال الأطلسي، وكذلك بهدف الاسراع بتشكيل قوة عسكرية للتدخل السريع والقيام بمهام حفظ السلام وبمهمات أخرى غير حربية. ويعتبر تشكيل هذه القوة مكملاً للقدرات الحالية للاتحاد الأوروبي والتي تشمل القيام بمهام الشرطة، ومراقبة الحدود وتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين.
برامج المساعدة الخارجية
لا تقتصر السياسة الخارجية على تقديم المساعدات. إلا أنّ حجم المساعدات المالية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي يعتبر مسألة تستحق الاشارة إليها. فالاتحاد الأوروبي يعد في الوقت الحاضر أكبر متبرع للمساعدات الإنسانية، والخامس من حيث حجمه، في مجال تقديم الدعم المالي، بعد الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا وفرنسا.
يقدم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه ما يساوي 55 في المئة من مجموع المساعدات الدولية الرسمية المخصصة للتطوير (ODA)، وأكثر من ثلثي المساعدات المقدمة كهبات. لقد ارتفعت حصة المساعدات الأوروبية التي تدار من قبل المفوضية وبنك الاستثمار الأوروبي(EIB) من 7 في المئة قبل 30 عاماً، إلى 17 في المئة في الوقت الراهن. وفي المجموع العام يصل حجم المساعدات الخارجية التي تقدمها المفوضية إلى 9.6 مليارات يورو سنويا .
لقد ركز الاتحاد الأوروبي، في البداية، على مساعدة المستعمرات السابقة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في أفريقيا وجزر الكاريبي والمحيط الهادي. أما اليوم، فقد أصبحت هذه المساعدات عالمية بشكل مطلق. ويتم تكريس ثلثي الدعم لوسط وشرق أوروبا، ولدول الاتحاد السوفيتي سابقاً، ودول البلقان والشرق الأوسط وآسيا وأميركا اللاتينية. وإضافة إلى المساعدات المقدمة لاهداف التطوير، هناك مساعدات لإعادة الإعمار وبناء المؤسسات وللبرامج الاقتصادية ولتدعيم تطبيق حقوق الإنسان.
في ضوء حجم المساعدات الخارجية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي والعدد الضخم من المشروعات التي تحظى بالتمويل ـ في العام 1999 فقط، تم تمويل نحو 44,500 مشروع كهذا ـ لا يعتبر مفاجئاً ذلك التحدي اللوجستي الضخم المنوط بإدارة هذه المساعدات. وتثقل على ذلك كله حقيقة ازدياد حجم المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي بثلاثة أضعاف بين الأعوام 1990 و2000، فيما لم يصل حجم الزيادة في الموظفين ولو إلى ضعفي ما كان عليه العام 1990. وفي سبيل مواجهة هذا الوضع، تقوم المفوضية بإعادة تنظيم أولوياتها الإدارية بهدف تحسين سرعة وجودة وطابع المساعدات الخارجية.
الشرق الأوسط
تعتبر المساهمة في الجهود الرامية لتوقيع اتفاق سلام شامل في الشرق الأوسط، ومنذ فترة طويلة، من الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية المنتهجة في الاتحاد الأوروبي. وقام الاتحاد الأوروبي بتعيين موفد خاص للمنطقة بهدف المساعدة في تحقيق هذه المهمة ومحاولة تحقيق هذا الهدف من خلال التعاون الوثيق والشراكة المتساوية مع الولايات المتحدة وروسيا. ويؤمن الاتحاد الأوروبي بضرورة صوغ اتفاق سياسي عادل وقابل للتنفيذ، يعتمد على أسس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، من خلال التعاون والتطور الاقتصادي لكل بلدان المنطقة. ونبه الاتحاد الأوروبي إلى أنّ التوصل إلى صفقة شاملة سيحتم توفير مساعدات مالية كبيرة، كما سيتحتم توفير النمو الاقتصادي المتواصل بهدف تجنب انتشار الشعور بعدم الرضى وعدم الاستقرار.
وفي هذا المجال، أخذ الاتحاد الأوروبي على عاتقه مسئولية ترؤس »مجموعة العمل لتحقيق التنمية الاقتصادية الإقليمية (REDWG)« في محادثات السلام المتعددة الأطراف. يمكن لاقامة الأمانة العامة لمجموعة التنمية الاقتصادية الإقليمية في العاصمة الأردنية عمان، كمؤسسة اقتصادية اقليمية دائمة للشرق الأوسط، أن تساعد على تحقيق النمو من خلال دعم التعاون الإقليمي، وتنسيق القضايا المرتبطة بالتجارة والاستثمار وتطوير البنية التحتية للمواصلات والاتصالات والطاقة في المنطقة. بل يمكن لهذه المؤسسة أن تضع، في المستقبل، حجر الأساس لاقليم اقتصادي في الشرق الأوسط يتضمن حرية نقل البضائع والخدمات ورأس المال والقوى العاملة.
يتمتع الاتحاد الأوروبي بسجل حافل من التدخل. فهو المتبرع الأكبر للفلسطينيين، وقد بلغ حجم الهبات والقروض التي قدمها لهم أكثر من 1.6 مليار يورو بين الأعوام 1994 و1999 (الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء مجتمعين) وهو ما يشكل أكثر من 60 في المئة من مجمل المساعدات الدولية. لقد ساهم دعم الاتحاد الأوروبي هذا في تعزيز وتنجيع بنية السلطة الوطنية الفلسطينية وساهم بشكل كبير في ترميم البنى التحتية المتدهورة في الضفة الغربية وقطاع غزة. إضافة إلى ذلك يقوم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه بتحويل أكثر من 100 مليون يورو، سنوياً، للمنظمة الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA) ـ علماً أن هذه المجموعة تعتبر أكبر مجموعة من اللاجئين في العالم ويصل تعدادها إلى أكثر من ثلاثة ملايين نسمة.
كما يقوم الاتحاد الأوروبي بتقديم دعم كبير للأردن وسورية ولبنان ومصر. ويتم تدعيم التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط، من خلال مساعدة مالية سنوية تبلغ نحو 20 مليون يورو، يتم رصدها لمشروعات معينة تجمع بين الإسرائيليين والعرب في نشاطات ولقاءات مشتركة (كالحلقات الدراسية، والمهرجانات، الخ)، وكذلك لدعم التعاون الذي يتجاوز الحدود، بين البلديات والخبراء والتنظيمات غير الحكومية.
يتم التحكم بالعلاقات مع »إسرائيل«، إلى حد كبير، من خلال سلسلة من الاتفاقات التجارية الموقعة بين الطرفين، ومن خلال اتفاق الاتحاد الثنائي التي دخلت حيز التنفيذ في يونيو/ حزيران من العام 2000. وهو ما أطلق حواراً سياسياً وثيقاً بين الشريكين وأتاح الكثير من مجالات التعاون المستقبلي.
وفي منطقة الخليج يرتبط الاتحاد الأوروبي باتفاق تعاون مع »مجلس التعاون الخليجي« (يضم المملكة العربية السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات العربية المتحدة وُعمان). ومنذ العام 1998 يجري حوار مع إيران في قضايا سياسية وقضايا التعاون المشترك. أما بخصوص العراق فلم يرتبط الاتحاد بعلاقات معه بسبب العقوبات التي كانت مفروضة عليه من قبل الأمم المتحدة. وفي العام 1997 جدد الاتحاد الأوروبي اتفاق التعاون مع اليمن
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1520 - الجمعة 03 نوفمبر 2006م الموافق 11 شوال 1427هـ