ان سعادتي بمشاركة مملكة البحرين في «المؤتمر الدولي السادس للديمقراطيات الجديدة والمستعادة» مضاعفة لعدة أسباب أولها أنه ينعقد في رحاب الدوحة عاصمة دولة قطر الشقيقة التي تحتضن يوماً بعد آخر مؤتمرات دولية تبحث في قضايا الأمن والسلام والتجارة والثقافة وثانيها أنها اليوم تدشن من جديد حواراً عالمياً متواصلاً بشأن الديمقراطية وتطبيقاتها ومسيرتها وانطلاقتها ومستويات تحقيقها وضمانات الحفاظ عليها وممارساتها من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، ومن أجل تحقيق السلام والتعايش والتوافق بين مختلف الدول والشعوب على اختلاف مصالحها واهتماماتها، أما ثالثها فلأن الدوحة العاصمة الخليجية الشقيقة، أحسنت كما تفعل كل مرة، الإعداد، والتنظيم، وهيأت جواً يفيض بتقاليد الضيافة العربية الكريمة لهذا المؤتمر العالمي المهم.
انطلق المجتمع الدولي في أعقاب حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 بحوارات عالمية على مستوى منظومة الأمم المتحدة كلها، وفي دوائر صنع القرار في الدول وبين كبار علماء السياسة والاجتماع بشأن قضايا حاسمة من حياتنا ومسيرة شعوبنا، تتصل بقضيتي الحرب والسلام وتتصل بظواهر العنف والصراع وتتصل بمتطلبات الأمن والاستقرار، وعلاقة ذلك كله بالتطور الديمقراطي، وبتحقيق السلام، والعلاقة الثلاثية بين السلام والتنمية والديمقراطية، بحقوق الإنسان والحكم الرشيد، بالديمقراطية على الصعيدين الوطني والإقليمي وكذلك في العلاقات الدولية من أجل مواجهة التحديات الجديدة التي تواجه مجتمعاتنا في ظل تطور العلاقات الدولية والعولمة وثورة المعلومات والاتصالات. إن القضايا المطروحة اليوم هي قضايا الديمقراطية والسلام والتي قد أثارت من قبل، وتثير اليوم جدلاً واسعاً وربما خلافات عميقة بشأن مناهج الإصلاح السياسي ومدارس التطبيق الديمقراطي وأولويات التنمية ومجالاتها في ظل تيار العولمة الذي قرب بين المصائر وتجاوز المسافات وطغى على حواجز الزمان والمكان. واقتناعاً بأهمية وترابط تلك القضايا وتأثيراتها فقد شارك عاهل البلاد صاحب الجلالة المفدى الملك حمد بن عيسى آل خليفة في قمة مجموعة الثماني المعقودة في سي آيلند (Sea Island) بولاية جورجيا بالولايات المتحدة الأميريكية في 9 يونيو/ حزيران 2004، إذ أكد جلالته ضرورة الإصلاح والتحديث بما في ذلك التطوير السياسي والاقتصادي والتنمية الاجتماعية وتنمية المجتمع المدني وحماية حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب والفقر، الأمر الذي يتطلب آليات متعددة الأطراف، مؤكداً أهمية التعاون الدولي في هذا المجال الحيوي. لم يكن عالمنا العربي، أو محيطنا الخليجي، بل والشرق الأوسط كله بمنأى عن هذه التحولات، فقد طالته هذه التطورات التي طغت على العلاقات الدولية بما في ذلك مسألة الترابط الوثيق بين السلام وبين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وحقوق الإنسان ومسيرة التطور والتحديث السياسي، وفي هذا السياق فقد استضافت عواصم عربية في المشرق والمغرب، مثل الرباط وعمان، والمنامة، منتديات للمستقبل من أجل الشراكة بين القوى الديمقراطية الناشئة والقوى المستقرة في مجموعة الدول الثماني الكبرى.
وفي هذا المنحى جاءت تقارير التنمية البشرية العربية لتدعم الديمقراطية والمعرفة وتمكين المرأة، والحكم الرشيد، وما انطوت عليه من منظور عصري لعالم عربي ديمقراطي يستأنف مسيرته التاريخية عبر مبادرات جديدة للإصلاح السياسي بخطى واثقة لا تقودها الحكومات والقيادات المسئولة فحسب، بل تشارك فيها بانفتاح وفعالية منظمات المجتمع المدني، كما نرى في قمة المنظمات غير الحكومية في بيروت العام 2004، وفي إعلان الدوحة للديمقراطية والإصلاح في يونيو من العام نفسه وما أعقبهما من منتديات ومنابر تفاعل فيها المجتمع المدني مع مبادرات التحديث والإصلاح في معظم أرجاء الوطن العربي.
إن تحرير إرادة الشعوب وتحرير الأوطان من وطأة الاحتلال وتمكينها من تقرير المصير، هو خير سبيل لإقرار السلام العادل وفتح الأبواب أمام الديمقراطية والتطور السياسي في ظل الشرعية ومبادئ القانون والمواثيق الدولية، وعليه ستظل المحنة التاريخية للشعب الفلسطيني خير نموذج على أن غياب السلام العادل والدائم والشامل يعوق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وإن تطوير الديمقراطية الحقة مرهون بتلبية الحقوق المشروعة في الحرية والاستقلال وتقرير المصير، كما ستظل هذه المحنة دليلاً على الارتباط بين السلام والديمقراطية والتنمية.
أما على الصعيد الوطني فتشهد مملكة البحرين اليوم زخماً سياسياً واجتماعياً ومناخاً ديمقراطياً عظيم الدلالات والآثار تطلعاً لانتخابات نيابية وبلدية حرة وشفافة هي الثانية في مسيرة الانطلاق الديمقراطي وخطة الإصلاح التي هي من المبادرات الرائدة التي تجسدت في ميثاق العمل الوطني الذي طرحه عاهل البلاد المفدى في كل المجالات منذ تولي جلالته مقاليد الحكم في مملكة البحرين. إن الديمقراطية في مملكة البحرين هي ممارسة وطنية رائدة نبعت من المعطيات والقناعات المحلية الداخلية ممزوجة بالمعايير الدولية ذات الصلة ومتأثرة بالموروثات الحضارية والدينية، بالإضافة إلى الطبيعة الجغرافية للبحرين كجزيرة صغيرة في منطقة مهمة وتجارية من العالم القديم، والتي تبلورت في ميثاق العمل الوطني والدستور. فالبحرين بلد عربي مسلم تتعايش فيه طوائف وملل متعددة، وكانت طبيعة الحكم تتصف بالديمقراطية أساساً، إذ كان الحاكم يفتح مجلسه ويتعامل مع التظلمات والمقترحات بروح العائلة الواحدة وهو منها في موقع الأب. وأما جغرافية البحرين التي تعاملت مع التجارة على مر العصور فقد وسمت أهل البحرين بالطيب والتسامح والكرم ولطف التعامل. وكما هو الحال في النظم الديمقراطية فإنه قد يحصل اختلاف بشأن بعض المسارات السياسية أو الاقتصادية أو غيرها إلا أن الحقيقة تبقى أن الجميع ملتزم بعدة قواسم مشتركة أهمها وأقواها على الإطلاق الإخلاص للوطن والعمل على ورفعته وعزته. وبـــما أن هدفنا واحد ووطننا واحد فلا مناص من تبادل الآراء والتعاون وهذا ما يجـعل الديمقراطيـــة خياراً استراتيجياً وطنياً فاعلاً. وما نجاح الانتخابات البلدية والنيابية في العام 2002 بمشاركة المرأة انتخاباً وترشيحاً، إلا تحفيزاً مضاعفاً لزيادة توطيد هذه المسيرة الوطنية الرائدة في الانتخابات البلدية والنيابية المقبلة في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري وزيادة المكتسبات الوطنية في المجالات كافة والحفاظ عليها وديمومتها وديمومة استمرارها. وفي إطار هذه الديمقراطية البحرينية نرى التفاعل والتكامل بين القيادة الرشيدة وعلى رأسها جلالة الملك ورئيس الوزراء الموقر صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة وولي العهد القائد العام لقوة دفاع البحرين صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، والحكومة ومجلس الشورى ومجلس النواب والمجالس البلدية وحرية الكلمة الممارسة من قبل المواطنين والصحافة والدور الفاعل والنشط لمؤسسات المجتمع المدني التي بلغت قرابة ثلاثمائة جمعية غير حكومية نشطة في مختلف المجالات.
إن ارتباط وتفاعل التنمية المستدامة والتطور في المجالات كافة يشجعه وينفذه شعب نبيل وقيادة رشيدة في ظل تأطير قانوني لكيفية التعاون وتطويره في بيئة آمنة ومستقرة تحترم فيها حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها في المجالات كافة، فلا ديمقراطية سياسية من دون ديمقراطية اجتماعية واقتصادية ترافقها وتلازمها تكون أهدافها الأساسية معالجة المشكلات والتطلع إلى مستقبل مزدهر للوطن والمواطنين. وهذه هي الديمقراطية التي نشأت في مملكة البحرين لاتزال تتفاعل تطوراً ونماء.
إننا نتطلع إلى المناقشات الثرية التي ستجري في هذا الحوار الجاد حول الديمقراطية الناشئة والمستعادة، كما نترقب التوصيات التي سيتمخض عنها هذا المؤتمر المهم من خلال إعلان الدوحة لأجل توطيد ركائز الديمقراطية وتعزيز التنمية المستدامة لمجتمعاتنا ولاسيما منع النزاعات ومكافحة آفة الفقر والإرهاب والعنف والتعصب والتطرف.
كلمة وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، ألقاها بالنيابة سفير مملكة البحرين لدى الصين، أمام مؤتمر الديمقراطيات الجديدة والمستعادة الذي عقد في العاصمة القطرية الاسبوع الماضي
إقرأ أيضا لـ "الشيخ خالد بن احمد"العدد 1520 - الجمعة 03 نوفمبر 2006م الموافق 11 شوال 1427هـ