الفن والمال اللذان لا يحركان ويجسدان موقفاً إنسانياً هما محض خدعة ولهو فائض. والفن الذي لا يتوقف أمام المشاهد التي ينخلع لها قلب كل متحرك، لا يتجاوز كونه عزلة وسجناً من نوع آخر. رئيس مجلس ثقافة ورعاية الأطفال في العراق، الموسيقار العراقي العالمي، وعازف العود الأول في العالم، نصير شمّا، يجسد الجانب المضيء والمتحرك والمتفاعل من ذلك الفن، مع صوت الواجب، وشجاعة الموقف، كما يجسد حالاً إنسانية مشرّفة في تسخير وتجسيد ذلك الفن وتبعاته لانتشال عشرات ومئات من أزماتهم وضائقاتهم، في ارتياح ونشوة توجه يكشفان عن أصل المنبت والمعدن، وهو في ذروته من النقاء والشرف. فبعد جهوده لاستقطاب الدعم العربي والإسلامي إنقاذاً للأطفال العراقيين من المصابين والمرضى، وتبني عاهل البلاد علاج عدد منهم، تكرر التتويج بتبني رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، علاج وإعادة تأهيل مئات الأطفال العراقيين، وتضم الدفعة الأولى 70 طفلاً مصابين بأمراض خطيرة ومزمنة، بينهم أولئك الذين يعانون آثاراً جسدية ونفسية واجتماعية نتيجة العنف الذي يشهده العراق، من المفترض أنهم وصلوا بعد إجازة عيد الفطر المبارك. شمّا في المؤتمر الصحافي الذي عقده في العاصمة الإماراتية أبوظبي أخيراً، رد على سؤال عن علاقة إصابات الأطفال في العراق باليورانيوم المخصّب الذي استخدم في الحرب بالقول: «هناك أكثر من مليون طفل في حاجة إلى العلاج، أما عدد الأطفال الذين يعانون من أمراض مختلفة ذات صلة بالمواد الكيماوية والتشوهات، وتقل أعمارهم عن 5 سنوات فيصل إلى 300 ألف طفل وطفلة».

المفجع من الصور في المؤتمر الصحافي، ما ذكره شمّا بشأن طفل عراقي «يحتاج إلى 94 عملية جراحية، إذ تبين أن جميع أعضائه الداخلية غير موجودة في مكانها الطبيعي، كما توجد حال غريبة لطفل ولد بتشوهات خلقية تتمثل في ولادته بأجنحة وعدم اكتمال نمو ذراعيه». وعلى رغم فائض اللصوص، والقتلة، والسماسرة غير الشرعيين، وقنّاصي الفرص الحرام في هذه الأوطان الممتدة من الماء إلى الماء، فإن وجود نماذج مشرّفة - وإن ندرت - تجعل لهذه الحياة مدعاتها الأكيدة، وتدفع بدور الإنسان فيها إلى مزيد من التسامي، وخصوصاً في الوجهات التي تولّي أدوارها شطر الإنسان في الحالك من واقعه، والمدلهمّ من أرزائه ومعاناته.

نصير شمّا: ليت لنا جباهاً لائقة بهذا الدور الذي تضطلع به كي ننحني لك كما يجب