العدد 1519 - الخميس 02 نوفمبر 2006م الموافق 10 شوال 1427هـ

أخطاء الخبراء أسهمت في إذكاء العداء الثقافي

تصوير الإسلام في الأخبار (2)

إدوارد سعيد comments [at] alwasatnews.com

باحث وأكاديمي فلسطيني

الخبراء الأكاديميون في مجال الإسلام قبل القرن السابع عشر كانوا يدرسون عالماً ينتمي بصفة أساسية إلى مجال الآثار، وإلى جانب هذا، فإنهم مثل سائر المتخصصين، كانوا يعملون في تخصصات بالغة الانفصال عن بعضها بعضاً، فلم يكونوا يريدون أو يحاولون أن يشغلوا أنفسهم بما ترتب على التاريخ الإسلامي من آثار حاضرة في عالم اليوم. وكان عملهم مرتبطاً إلى حد ما بالأفكار الخاصة بالإسلام «الكلاسيكي» أو ما افترضوا أنه أنساق لا تتغير للحياة الإسلامية، أو بعض المسائل القديمة في فقه اللغة.

ولكنه كان من المحال، على أية حال، الانتفاع بما يدرسونه في تفهم العالم الإسلامي الحديث، وهو الذي يتطور في حقيقة الأمر بصور بالغة الاختلاف عما توقعه الناس في القرون الأولى للإسلام (أي من القرن السابع إلى القرن التاسع) وإن تفاوت هذا التطور من منطقة إلى منطقة فيه.

وكان الخبراء الذين يعملون في مجال «الإسلام» الحديث - أو إن شئنا الدقة، في مجال يضم المجتمعات والأشخاص والمؤسسات القائمة داخل العالم الإسلامي منذ القرن الثامن عشر - يعملون في حدود إطار متفق عليه للبحث العلمي، وهو الإطار الذي تشكل وفقاً لأفكار لا علاقة لها قطعاً بالعالم الإسلامي. ومهما كررنا وفصلنا القول في هذه الحقيقة، على تعقيدها وتنوعها، فلن نكون مبالغين. فلا شك في أن الباحث الذي يمارس بحثه في أوكسفورد أو في بوسطن، يكتب ويجري أبحاثه استناداً بصفة أساسية إلى معايير وأعراف وتوقعات وضعها أقرانه لا المسلمون الذين يدرسهم، وإن لم يقتصر عليها. ربما كانت هذه بدهية، ولكننا لابد أن نؤكدها أية حال. فالدراسات الإسلامية الحديثة في الجامعات تنتمي إلى ما يسمى «برامج المناطق» عموماً، أي أوروبا الغربية، والاتحاد السوفياتي، وجنوب شرقي آسيا، وهلم جرا. ومن ثم فهي ترتبط بالآليات التي ترسم بها السياسة القومية. وهذا أمر مطروح لاختيار الباحثين كل على حدة. فإذا كان باحث في جامعة برنستون يقوم ببحثه في المدارس الإسلامية المعاصرة في أفغانستان، فمن الواضح (وخصوصاً في فترة كالتي نمر بها) أن مثل هذه الدراسة من المحتمل أن تترتب عليها فوائد للسياسات القومية، وسواء شاء الباحث أم أبى فسيجد أنه قد ارتبط بخيوط تشده إلى الحكومة أو إلى الشركات أو السياسة الخارجية، وهو ما تنسحب آثاره على التمويل، ونوع الأشخاص الذين يقابلهم.

وعموماً، يجد أنه يواجه أنماطاً خاصة من الثمار لعمله والتفاعل مع ما حوله. وهكذا يتحول الباحث على رغم أنفه إلى «خبير بالمنطقة».

والباحثون الذين ترتبط اهتماماتهم ارتباطا مباشراً بقضايا السياسات (وهم أساساً المتخصصون في العلوم السياسية، ولكن من بينهم أيضاً المتخصصون في التاريخ الحديث، والاقتصاد وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا) يواجهون مسائل حساسة، إن لم نقل خطيرة. فعلى سبيل المثال كيف يمكن التوفيق بين مكانة الباحث العلمي والمطالب التي تفرضها الحكومة عليه؟ وحال إيران نموذج ينطبق عليه ذلك كل الانطباق. ففي إبان حكم الشاه، كان المتخصصون في إيران يتوافر لهم التمويل من المؤسسة البهلوية، وكذلك أيضاً من المؤسسات الأميركية، بطبيعة الحال. وكانت هذه الأموال مخصصة للإنفاق على الدراسات القائمة على الوضع الراهن (وفي هذه الحال وجود النظام البهلوي المرتبط عسكرياً واقتصادياً بالولايات المتحدة) ومن ثم أصبحت هذه الدراسات من زاوية معينة النموذج البحثي المتاح لمن يدرسون ذلك البلد. وفي مرحلة متأخرة من مراحل الأزمة أصدرت لجنة دائمة مختارة تابعة لمجلس النواب ومختصة بالعاملين في الاستخبارات دراسة جاء فيها أن تقييم الولايات المتحدة للنظام يتأثر في كل مرة بالسياسة القائمة «ليس بصورة مباشرة عن طريق التستر عمداً على الأنباء غير المواتية ولكن بصورة غير مباشرة... فواضعو السياسات لم يتساءلوا عما إذا كان نظام حكم الشاه سيستمر إلى ما لا نهاية، وكانت السياسات توضع على أساس ذلك الافتراض».

وأدى هذا بدوره إلى ضآلة عدد الدراسات التي تتضمن التقييم الجاد لنظام حكم الشاه وتحديد مصادر المعارضة الشعبية له. وفي حدود ما أعلم، لم ينجح إلا باحث واحد هو حامد الجار من بيركلي، في وضع التقدير الصحيح للقوة السياسية المعاصرة للمشاعر الدينية الإيرانية، وكان وحده هو الذي ذهب في تقييمه إلى حد التنبؤ باحتمال قيام آية الله الخميني بإسقاط النظام. وكان هناك باحثون آخرون - من بينهم ريتشارد كوتام وإرفاند إبراهاميان - لم يلتزموا بالوضع الراهن فيما كتبوه، ولكنهم كانوا يمثلون حفنة ضئيلة إلى أبعد حد. ومن الإنصاف أن نذكر أن الباحثين اليساريين الأوروبيين، الذين لم يكونوا يتسمون بالتفاؤل نفسه إزاء بقاء الشاه، لم ينجحوا من جانبهم كذلك في تحديد المصادر الدينية للمعارضة الإيرانية.

وحتى لو نحينا إيران جانباً، فسنجد نماذج كثيرة ومهمة للفشل الفكري في مناطق أخرى، ولقد كانت جميعاً نتيجة الاعتماد من دون تمييز على ما أملته السياسة الحكومية والكليشيهات ولنا أن نتعلم دروساً مهمة من لبنان وفلسطين، إذ ظل لبنان على امتداد سنوات طويلة نموذجاً لما ينبغي أن تكون عليه الثقافة التعددية أو المركبة. ومع ذلك فلقد بلغت النماذج البحثية المستخدمة في دراسة لبنان درجة من الجمود والثبات تعذّر معها توقع ما صاحب الحرب الأهلية من شراسة وعنف (وهي التي استمرت من 1975 حتى 1980 على الأقل). ويبدو أن أعين الخبراء قد أصابها الشلل في الماضي بدرجة غير معهودة أمام سحر صور «استقرار» لبنان، فوجهوا دراستهم إلى الزعماء التقليديين والنخب، والأحزاب والشخصية القومية، ونجاح جهود التحديث في لبنان.

حتى عندما وصف نظام الحكم في لبنان بالتأرجح، وعندما قام الخبراء بتحليل عدم اكتمال «تحضره»، كان الافتراض السائد والموحد هو أن مشكلاته كانت عموماً قابلة للحل، وأنها أبعد ما تكون عن التسبب في فصم عرى الوحدة بصورة جذرية. وكان الخبراء يصورون لبنان في صورة البلد المستقر في الستينات لأن النظام القائم بين البلدان العربية كان مستقراً في نظر أحد الخبراء، وما دامت تلك المعادلة قائمة في رأيه، ظل لبنان في مأمن. ولم يفترض أحد على الإطلاق أن يسود الاستقرار ما بين البلدان العربية وينهدم الاستقرار على رغم ذلك في لبنان.

والسبب الرئيسي هو - كما هو الحال في هذا المجال الذي يعاني من آفة «اتفاق الآراء» - أن الحكمة التقليدية قررت بقاء «التعددية» واستمرار التوافق إلى الأبد في لبنان، على رغم انقساماته الداخلية وانتفاء تأثير جيرانه العرب فيه، كما قالت تلك الحكمة إن أي مشكلة للبنان لابد أن يكون مصدرها المناخ العربي المحيط بلبنان، ولا يمكن أبداً أن يكون مصدرها «إسرائيل» أو الولايات المتحدة، ولكل منهما أطماعه المحددة، وإن لم يتناولها أحد بالتحليل في لبنان. إلى جانب ذلك فقد كان الخبراء مغرمين بصورة لبنان التي تجسد أسطورة التحديث، وعندما نقرأ اليوم دراسة راسخة من هذا اللون الذي يتميز بحكمة النعامة، يروعنا كيف استمرت الأسطورة مطروحة حتى العام 1973، وهو العام الذي بدأت فيه الحرب الأهلية فعلياً. قيل لنا إن لبنان يمكن أن يتعرض لتغيير ثوري، ولكن ذلك احتمال «بعيد» الوقوع.

أما الأرجح فهو «التحديث في المستقبل الذي تشارك الجماهير فيه (وهذه كناية ساخرة محزنة عن الحرب الأهلية التي سال فيها من الدماء أكثر مما سال في التاريخ العربي الحديث كله) في إطار الهيكل السياسي السائد» أو كما قال عالم أنثروبولوجي مبرز «لاتزال (لوحة الفسيفساء الجميلة) في لبنان قائمة لم يمسسها سوء. بل إن لبنان لايزال أنجح بلد تمكن من التحكم في انقساماته الأزلية العميقة».

وكان من نتائج هذا الاتجاه أن عجز الخبراء، بدليل حوادث لبنان وغيرها، عن أن يدركوا أن جانباً من الظواهر المهمة حقا في البلدان التي تحررت من الاستعمار لا يمكن بسهولة أن يجمع تحت عنوان: «الاستقرار». أما في لبنان فإن الذي مزق البلد هذا التمزيق الوحشي كان على وجه الدقة تلك القوى غير الثابتة، وذات الحراك المدمر، والتي أغفل الخبراء تسجيلها أو هونوا من شأنها بانتظام، ألا وهي قوى الانفصام الاجتماعي، والانتقالات الديموغرافية، والانتماءات الدينية، والتيارات الأيديولوجية.

وعلى غرار ذلك كانت الحكمة التقليدية على امتداد سنوات تقول إن الفلسطينيين لايزيدون عن كونهم لاجئين من الممكن إعادة توطينهم، لا اعتبارهم قوة سياسية ذات عواقب لا مناص من تقدير أبعادها في أي تقييم يتميز بدرجة معقولة من الدقة للحال في الشرق الأدنى. ومع ذلك فلقد أصبح الفلسطينيون، في نحو منتصف السبعينات إحدى المشكلات الكبرى المعترف بها في سياسات الولايات المتحدة، ومازال العالم ينتظر منها الاهتمام العلمي والفكري الذي تقتضيه أهميتهم، ولكن الاتجاه الذي لايزال قائماً هو معاملتهم باعتبارهم يمثلون بعض الملحقات المرفقة بسياسة الولايات المتحدة تجاه مصر و»إسرائيل»، بل وتجاهلهم تماماً في الحوادث التي تفجرت في لبنان. ولم تواجه هذه السياسة ثقلا موازناً مهماً في دراسات الباحثين أو الخبراء، ومن المحتمل إذاً أن تواجه المصالح القومية الأميركية عواقب وخيمة نتيجة لذلك، خصوصا لأن الحرب الإيرانية العراقية فيما يبدو قد فاجأت رجال المخابرات أو أخذتهم على غرة للمرة الثانية، وأثبتت خطأهم الفادح في التقديرات التي وضعوها للقدرات الحربية للدولتين.

جهل عام

تضاف إلى هذا التوافق بين الدراسات المطيعة التي تسير بخطى السلحفاة وبين عدم الإدراك الحق لمصلحة الحكومة، الحقيقية المؤسفة التي تقول إن عدداً أكبر مما ينبغي من الخبراء الذين كتبوا عن العالم الإسلامي لم يكونوا يحيطون بلغات البلدان التي تناولوها فاضطروا إلى الاعتماد على الصحافة أو غيرهم من الكتاب الغربيين في الحصول على معلوماتهم. وهكذا ازداد اعتمادهم على الصورة الرسمية أو التقليدية للأمور، بحيث أصبحت الفخ الذي وقعت فيه أجهزة الإعلام في مجمل تغطيتها لأخبار إيران قبل اندلاع الثورة. فلقد ساد الاتجاه إلى دراسة الشيء نفسه وإعادة دراسته، والتركيز عليه المرة بعد مرة، مثل دراسة النخب الاجتماعية وبرامج التحديث، والدور المناط بالعسكريين، والزعماء الذين يتمتعون ببروز خاص، والاستراتيجية الجغرافية السياسية (من وجهة النظر الأميركية) والتدخلات الشيوعية. وربما كانت هذه المسائل تبدو في ذلك الوقت مهمة للولايات المتحدة على المستوى القومي، ولكن الواقع يقول إن الثورة قد اكتسحتها جميعاً في أيام معدودة في إيران، إذ انهار البلاط الإمبراطوري برمته، وتشتت الجيش الذي أغدقت عليه مليارات الدولارات وتوارت النخب المزعومة وتكيفت مع النظام الجديد، ولا يمكن القول في أي من الحالين، على نحو ما كان يقال قديماً إنها هي التي تحدد السلوك السياسي الإيراني. لو نسمع ما قاله أحد الخبراء، الذي يرجع إليه الفضل في التنبؤ بما يمكن أن تؤدي إليه «أزمة 1978»، وهو جيمس بل من جامعة تكساس الذي كان يقدم المشورة إلى واضعي السياسات الأميركية فأشار عليهم في ديسمبر/ كانون الأول 1978 (وقد تأخر الوقت) بأنه ينبغي على إدارة الولايات المتحدة أن تشجع «الشاه... على أن يبدأ في الأخذ بالانفتاح في نظام الحكم». وبعبارة أخرى كان صوت الخبير المذكور الذي يفترض فيه الانشقاق مازال ملتزما بالحفاظ على نظام كانت الملايين، من دون مبالغة، قد هبت لمعارضته وخرجت تهتف ضده في حركة تمرد من أكبر الحركات التي شهدها التاريخ الحديث، حتى في اللحظة التي كان يسدي تلك المشورة فيها.

ومع ذلك فإن بل أبدى ملاحظات مهمة بشأن الجهل العام بإيران في الولايات المتحدة، فلقد أصاب حين قال إن تغطية أجهزة الإعلام كانت سطحية، وإن السياسة الإعلامية الرسمية كانت مسخرة لتحقيق ما يريده الشاه، وإن الولايات المتحدة لم تبذل الجهد اللازم سواء لاكتساب معرفة عميقة بالبلد أو للاتصال بالمعارضة. كانت مظاهر الإخفاء المذكورة من أعراض الموقف العام الذي اتخذته الولايات المتحدة وأوروبا إزاء العالم الإسلامي، وأيضاً، وعلى نحو ما سنرى، إزاء معظم بلدان العالم الثالث، وإن لم يصرح بذلك جيمس بل، بل إن عدم ربطه بين ما كان يقوله محقاً عن إيران بسائر العالم الإسلامي يدخل في إطار ذلك الموقف نفسه. فلم يتعرض أحد، أولاً، لإجابة الأسئلة المنهجية الرئيسية وهي: ما قيمة الحديث عن «الإسلام» و»النهضة والإسلامية» (إن كانت للحديث قيمة)؟ وثانياً: ما هي، أو كيف ينبغي أن تكون، العلاقة بين سياسات الحكومة والبحث العلمي؟ هل من المفترض أن يسمو الخبير على مستوى السياسة أو يصبح ملحقا متصلا بالحكومات؟ وقال بل المذكور، ووليم بيمان، من جامعة براون، في مناسبتين منفصلتين، إن أحد الأسباب الرئيسية للأزمة الناشبة بين الولايات المتحدة وإيران في 1979 هو عدم استشارة الخبراء الأكاديميين الذين أنفقت على تعليمهم مبالغ طائلة لهدف محدد وهو اكتساب المزيد من المعرفة بالعالم الإسلامي. أما الذي فات بل وبيمان أن ينظرا فيه فهو الآتي: ربما كان سعي الباحثين نفسه إلى النهوض بهذا الدور، حتى وهم يطلقون على أنفسهم لقب الباحثين، سبباً في أن يظهروا بمظهر من يفتقر إلى الوضوح والحسم فيفقدوا صدقيتهم في عيون الحكومة وفئة المثقفين جميعاً.

ولنسأل أيضاً، إلى جانب ذلك، عما إذا كان المفكر المستقل (وهو الذي لابد أن يكونه كل باحث أكاديمي على أية حال) يستطيع أن يحافظ على استقلاله وهو يعمل في الوقت نفسه لحساب الدولة؟ وما الصلة بين المشاركة السياسية الصريحة وبين البصيرة الصائبة؟ هل تنفي إحداهما الأخرى، أم أن ذلك لا يصدق إلا في بعض الحالات؟ لماذا حرم الباحثون في الإسلام جميعا في أميركا (على قلة عددهم) من مخاطبة جمهور أوسع؟ لماذا حدث ذلك في الوقت الذي بدت فيه الولايات المتحدة في مسيس الحاجة إلى المشورة؟ ومن المحال إجابة هذه الأسئلة جميعاً، بطبيعة الحال، إلا بالرجوع إلى الإطار الفعلي، الذي يغلب عليه الطابع السياسي، ويحكم العلاقات تاريخياً بين الغرب والعالم الإسلامي. فلننظر إذاً إلى ذلك الإطار حتى نرى الدور المناط بالخبير فيه.

لم أستطع أن أكتشف فترة في التاريخ الأوروبي أو التاريخ الأميركي منذ العصور الوسطى ناقش أحد فيها الإسلام أو فكر فيه خارج إطار صوغه العاطفة المشبوبة والتعصب والمصالح السياسية. وقد لا يبدو ذلك اكتشافا يدعو إلى الدهشة، ولكنه يضم في ثناياه جميع ألوان المباحث العلمية والأكاديمية التي كانت منذ مطلع القرن الثامن عشر تطلق على نفسها اسماً كلياً هو مبحث الاستشراق أو كانت تحاول، بانتظام، دراسة الشرق. ولن يختلف أحد مع القول إن أوائل الذين علقوا على الإسلام، مثل بطرس المبجل، وبارتليمي دربيلو، قد اتخذوا موقف المجادلة المسيحية المشبوبة فيما قالوه... ولكن أمامنا افتراضاً لم ينظر أحد في صحته يقول إنه حين تقدمت أوروبا والغرب فاتخذت خطواتها في العصر العلمي الحديث، وحررت نفسها من الخرافة والجهل، كانت مسيرتها بالضرورة تتضمن الاستشراق. أليس صحيحاً أن سيلفستر دي ساسي، وإدوارد لين، وإرنست رينان، وهاملتون نجب، ولويس ماسينيون، كانوا من الباحثين والعلماء الموضوعيين؟ وأليس صحيحاً أن من آثار التقدم الذي شهده القرن العشرون بشتى ألوانه في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا واللغويات والتاريخ أن أصبح الباحثون الأميركيون الذين يقومون بتدريس «الشرق الأوسط» والإسلام في جامعات كبرى مثل برنستون وهارفارد وشيكاغو، بالضرورة، غير منحازين ولا يمارسون الدعوة إلى شيء فيما يفعلونه؟ أما الإجابة عندي فهي بالنفي.

وليس ذلك لأن الاستشراق أكثر تحيزاً من العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى، لكنه وحسب، مثل غيره من المباحث المذكورة، له سماته الأيديولوجية ويتأثر مثلها بالعالم من حوله. أما الفارق الأوحد فهو أن باحثي الاستشراق يبادرون باستخدام مواقعهم، باعتبارهم خبراء، في إنكار (وأحياناً حتى في إخفاء) مشاعرهم العميقة تجاه الإسلام بلغة الثقاة التي تهدف إلى الشهادة «بموضوعيتهم» وكذلك «بحيادهم العلمي»

إقرأ أيضا لـ "إدوارد سعيد"

العدد 1519 - الخميس 02 نوفمبر 2006م الموافق 10 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً