العدد 1519 - الخميس 02 نوفمبر 2006م الموافق 10 شوال 1427هـ

يمكن حلحلة مشكلات المنطقة إذا اعترفت أميركا بفشلها

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

إن الوضع في المنطقة شائك ومعقّد، ولكن من الممكن أن يطلّ على مراحل من الحلّ أو الحلحلة إذا تنازلت الإدارة الأميركية عن عنجهيتها واعترفت بأن مشروعها في المنطقة اصطدم بالحائط المسدود وبادرت إلى إجراء تعديلات جوهرية في سياستها الخارجية.

إن المشكلة اللبنانية بتعقيداتها الراهنة لا تنطلق من عناصر داخلية فحسب، بل المسألة مرتبطة بموقع لبنان في الاستراتيجية الدولية في المنطقة، كما أن التدخّل الأميركي يأتي لتحريك الجهات السياسية نحو وضع إقليمي معيّن، ولاسيما ما يتصل بسورية وإيران. فالوضع في المنطقة، وعلى رغم التعقيدات والصعوبات التي تحيط به، يمكن أن يطل على مراحل من الحلحلة أو الهدوء التي لابد من أن تنطلق من اعتراف إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش بأنها أخفقت، وأن مشروعها في المنطقة اصطدم بالحائط المسدود، وبالتالي أن تبادر إلى إجراء تعديلات جوهرية في سياستها الخارجية، وخصوصاً حيال احتلالها العراق ودعمها اللا محدود الاحتلال الإسرائيلي في كل ممارساته الوحشية في فلسطين.

إنّ على الإدارة الأميركية أن تتنازل عن منهجيّتها في الحديث المستمر للرئيس الأميركي عن الانتصار على ما يسميه «الإرهاب»؛ لأن أميركا تعيش في مأزق حقيقي بعدما تورّطت مع شعوب المنطقة وصنّفتها في خانة الإرهاب الذي لم تحرّك مناهجه على أسس عادلة، بل أخضعت تعريفاته إلى مصالحها ومصالح «إسرائيل».

ويخطئ من يعتقد أن تعقيدات هذا الوضع تنطلق من العناصر اللبنانية الداخلية؛ لأن المسألة مرتبطة بموقع لبنان في الاستراتيجية الدولية في المنطقة، ولاسيما الأميركية، التي تحاول أن توجه وتتدخل في الأمور الداخلية، وتحرّك الجهات السياسية في اتجاه وضع إقليمي معيّن، ولاسيما فيما يتعلق بسورية وإيران، إذ نجد أن الحديث السلبي ضدهما ينطلق بمناسبة ومن دون مناسبة، ما يؤكّد أن المطلوب هو إيجاد انطباع مضاد لهما حتى في الأمور العادية.

إنّ المشكلة لا تكمن في أميركا الإدارة فقط، بل في بعض الذهنيات السياسية عندنا، التي يشير البعض من خلالها إلى ما يعتبرونه تدخّلاً سورياً في لبنان، أو ما يتحدّث عنه البعض حتى على الساحة العراقية بطريقة سلبية عن سورية وإيران من دون أن يتحدث هؤلاء وأولئك عن التدخلين الأميركي والبريطاني في المنطقة، ما يوحي بأن ثمّة من يستسيغ العمل وفق التوجّهات الأميركية أو السير في الخط الأميركي ليتقبّل التدخّل الدولي أو الأميركي في شئون المنطقة في القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية حتى في القضايا الداخلية الخاصة المنفتحة على المذاهب والأديان، بينما يرفض أي نوع من أنواع الانفتاح على الواقع العربي والإسلامي، ما يوحي بدوره بوجود حالات تحتضن الاستعمار أو تملك قابلية الخضوع إلى الاستكبار على الطريقة التي يتحدث فيها مالك بن نبي عن فئات تملك قابلية الاستجابة إلى الاستعمار.

إنّ الخطورة تكمن في أن البعض ينشد القوة الداخلية من خلال التكامل مع أميركا أو بعض المواقع الغربية، بدلاً من أن يعمل للاستقلال الحقيقي، وبدلاً من أن يتحرك في خط الانفتاح على المنطقة العربية والإسلامية من دون أن يكون تابعاً إلى هذا المحور أو ذاك، وإلى هذه الدولة أو تلك. ومفهوم الاستقلال بات من المفاهيم التي أخضعتها السياسة اللبنانية إلى التعديلات والتبديلات العجيبة الغربية حتى أصبح العمل وفق التوجهات الأميركية والاستقلال عن قضية الوطن وقضايا الأمة يمثل مفهوماً جديداً للاستقلال عند البعض.

إننا نخشى أن هذه الفوضى في حركة المفاهيم وهذا الاستخدام المفرط للسياسة كلعبة وإبعاد حركة السياسة كرسالة عن نشاط الكثيرين، كل ذلك سيبقي لبنان في دائرة الساحة المهتزّة، والخطورة الكبرى تكمن في أن البعض لا يخشى أميركا الإسرائيلية، بل هو يخشى ألاّ تتدخل في لبنان أو غيره.

إنّ أميركا الإدارة ستظلّ تبحث عن شبح الانتصار الذي لن تحصل عليه في المنطقة؛ لأن شعوبنا باتت تنظر بعين السخط والغضب حيال أميركا الإسرائيلية. ولذلك فإن أميركا الإدارة لن تجد من يتعاون معها على مستوى حركة شعوبنا في المنطقة، وستنتج الحوادث المتعاقبة المزيد من الفرقاء المستعدين لمقاومة الاحتلال والهيمنة الأميركية على المنطقة، ولذلك فإن أميركا إذا لم تقدم على خطوة جريئة لتغيير سياستها في المنطقة، فستصل إلى مرحلة من الاستنزاف المتمادي وستفقد حتى عملاءها بعد أن تصاب بمزيد من النكسات والضربات

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1519 - الخميس 02 نوفمبر 2006م الموافق 10 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً