من الحب ما قتل... من الجنون ما قتل... والآن ونحن نعيش في أيام الانتخابات الساخنة، فإن بعض المقار الانتخابية قد رفعت شعارا آخر يضاف إلى القائمة وهو « ومن العيش ما قلب» أو «من العيش ما قتل»، فإذا ما رأيت أشخاصا يحملون «صفاري» ويقفون في طوابير طويلة، لا تستغرب وإذا كنت لا تنوي أن تشتري للعيال عشاء في ليالي الانتخابات فما عليك إلا أن تجلب الصفرية وتأخذ دورك في الطابور وتعود إلى المنزل بغنيمة فاخرة من الأرز واللحم، إضافة إلى المقبلات مما لذ وطاب، ولكن عليك أولا أن تسمع إلى كلمة المرشح ولا مانع من التصفيق ويفضل أن يكون حارا والصفير لكي يحسبك المنظمون نصيرا بارا!
يا للغرابة، نسمع عن افتتاح مقار انتخابية يحضرها الألوف وتغص بالصفوف، وهو ما لم نشهده في الانتخابات الماضية، وقد يسأل سائل: هل ارتفع معدل الوعي بأهمية الانتخابات النيابية والبلدية؟ هل أضحى الناس يعون مدى أهمية المؤازرة لمن يرونه كفؤا وأهلا لهذا المنصب؟ لا هذا ولا ذاك، وكل ما في الأمر أن الناس وجدوا في الخيم الانتخابية فرصة إلى «البطنة» بلا حسيب ولا رقيب، وأغلب الظن أن من يقصد المقار يصطحب معه أبناءه وبناته وزوجته ليحظوا بعشاء فاخر وهو ما يجعل من أعداد الحضور تتجاوز الألوف! حتى أن بعض الأشخاص نقل لنا بأنه بدأ زيارات مكثفة إلى المقار الانتخابية في مختلف الدوائر في محاولة جادة لحصر الخيم التي تقدم أفخر أنواع الطعام، ولكنه وجد صعوبة في التمييز لأن كل مرشح يقدم ما هو أفضل وألذ، وفي الأخير قرر أن يدور ويدور على المقار لكي لا يضع عليه الناس العين ويمنعونه من الأكل ببلاش!
وللبرامج الانتخابية لبعض المرشحين حكاية، وقصص غريبة، فأحدهم تخير أن تكون مطوياته عبارة عن أفلام كوميدية تارة وأكشن تارة أخرى، فاختار أن يصور مع شباب يربتون على كتفيه وهم يمجدونه ويحمدونه وأضاف إلى برنامجه الانتخابي أمورا غريبة مثل: متخصص في «هواش الزرانيق»! الأمر الغريب الآخر هو أن من أبسط أساسيات أخلاقيات الحملات الانتخابية اختيار مواقع لا تؤثر على صور أو شعارات الناخبين، إلا أن بعض الناخبين لم يتخيروا مواقع تؤثر على منافسيهم فقط بل أخذوا يروجون وينشرون الفتن والإشاعات ضد المنافسين وهو أدنى ما يمكن أن تصل إليه الحملات الانتخابية لأنها تعتمد اعتمادا مباشرا على اختيار المرشح بقناعة تامة من دون التأثير على الناخبين سواء بالأموال أو تسميم أفكارهم بمعلومات مغلوطة تهدف إلى ترجيح كفة مرشح على مرشح آخر.
إن ما يدور في الساحة الانتخابية اليوم عبارة عن صراع بين المترشحين أنفسهم لإثبات أنفسهم ، خصوصا أننا نعيش في فترة قصيرة تسبق فترة الانتخابات بأيام قليلة وهي أهم مرحلة حيث سيبقى الأثر قويا لدى الناس وستكون ردة فعلهم محكومة بهذا الأثر، أما الناخبون فلديهم معركة أخرى، لا سيما بين أولئك الذين لم يحسموا أمورهم بعد فهل تترجح كفة المتدينين أم تترجح كفة المناضلين والسياسيين أم أنهم سيفضلون من يفتح كفه ومحفظته أكثر ويجتذب المحتاجين. إن من يقول بأن الأمور حسمت مبكرا في الانتخابات مخطئ إذ ستحمل المرحلة المقبلة مفاجآت لم يضعها بعض المرشحين في الحسبان ودعونا ننتظر ونراقب ما يجري. وحتى ذلك الحين، ستظل تلك الخيام الفاخرة فنادق من خمس أو أربع نجوم يلوذ بها كل من يبحث عن الأكل المجاني الذي لن يتذوقه إلا بعد أربعة أعوام أخرى..
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1519 - الخميس 02 نوفمبر 2006م الموافق 10 شوال 1427هـ