على رغم التحسن النسبي في مسيرة التعاون الاقتصادي العربي خلال السنوات الماضية، إلا أنه تاريخيا - أي خلال العقود الخمسة الماضية على الأقل - عانت هذه المسيرة من مشكلات ومعوقات جمة لم تقتصر مصادرها على الخلافات السياسية المزمنة بين الدول العربية، وإنما شملت أيضاً المعوقات القانونية والضريبية والبيروقراطية، علاوة على عدم استقرار وجاذبية بيئة الاستثمار في الكثير من هذه الدول. و الحديث نفسه ينطبق - إلى حد ما - حتى على المجموعات الإقليمية مثل دول مجلس التعاون الخليجي.
إلا أنه عند الحديث عن دول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً، فإن مشكلة محدودية التكامل الاقتصادي بين هذه الدول حتى الآن تعود بشكل كبير إلى تشابه الهياكل الاقتصادية فيما بينها كونها جميعا تعتمد على تصدير النفط. وهذا بدوره يفرض إعادة النظر في استراتيجيات التكامل الاقتصادي فيما بينها بحيث تعتمد بصورة أكبر على أفق التكامل الاقتصادي الخليجي - العربي بدلا من الخليجي - الخليجي.
من جهة أخرى، فإن الحاجة لإقامة السوق العربية المشتركة باتت تكتسب اليوم أهمية اكبر من أي وقت مضى كونها تمثل في جوهرا استجابة صحيحة لجملة الأخطار والتحديات الجسيمة التي تواجهها الأقطار العربية سواء السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية أو الدولية. وعلى رغم أن هذه الأهمية تشمل جميع هذه الأقطار دون استثناء، إلا أن اللافت للنظر، وعلى غير ما يبدو في الظاهر هذه المرة، إن هذه الأهمية تزداد وتتضاعف عند الحديث عن الدول الخليجية العربية وذلك يعود إلى جملة من المعطيات والحقائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن الحديث عن الدور المناط بدول المنطقة بظل النظام الاقتصادي الدولي الجديد غالبا ما يتم ربطه - بصورة أو بأخرى - يتدفق التمويلات الخليجية التي تسهم في إقامة مختلف المشروعات المطروحة في إطار ما أطلق على تسميته بالنظام الشرق الأوسطي الجديد. إننا نستذكر هنا مواقف الكثير من المسئولين والاقتصاديين العرب والخليجيين الذين حذروا بكل وضوح من هذه المسألة وعدم جدواها ، بل وخطورتها الاقتصادية. فلا يوجد هناك ما يبرر قيام رؤوس الأموال الخليجية بتمويل مشروعات تنافس وتهدد الكثير من الصناعات التي أقامتها بنفسها في بلدانها.
وعوضاً عن ذلك فانه بإمكان دول المنطقة أن تتبنى استراتيجية ناجحة تهدف إلى ربط تدفق تمويلاتها ومعوناتها التنموية في الأقطار العربية بموضوع تشجيع تصدير الكثير من السلع والخدمات المصنعة في بلدانها إلى هذه الاقطار. فمن المعروف أن دول الخليج العربية ونظراً إلى تشابه هياكلها الاقتصادية أنتج الكثير منها الصناعات القائمة نفسها على النفط والغاز ومشتقاتهما.
إن الأموال الخليجية يجب أن توجه بالدرجة الأولى إلى هذه الأشكال لتخدم بصورة أكبر التوجهات التنموية الخليجية والعربية ومن ثم هدف إقامة سوق عربية مشتركة.
وبالمعنى الذي تحدثنا عنه بشأن أهمية التكامل الاقتصادي الخليجي العربي، فإن التكامل الاقتصادي العربي وإقامة السوق العربية المشتركة يصبح عنصرا رئيسيا في استراتيجية التنويع الاقتصادية والتنمية في دول الخليج العربية، وبالتالي أساسا حيويا لأمنها الاجتماعي على المدى البعيد
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1518 - الأربعاء 01 نوفمبر 2006م الموافق 09 شوال 1427هـ