نواصل في هذه الحلقة النقاش الذي بدأناه في مقال يوم أمس بخصوص التحديات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد البحريني. أشرنا في مقال أمس إلى أربعة تحديات وهي: الاعتماد الكبير على القطاع النفطي، تراجع التوظيف في المؤسسات الحكومية، انتشار الفساد المالي والإداري في القطاع العام وظاهرة استئثار البعض للثروة. ويركز مقال اليوم على التحديات الأخرى وهي مشكلة الأجور في القطاع الخاص، فضلاً عن المنافسة الإقليمية المتنامية والتزامات البحرين بالمعاهدات الثنائية والإقليمية والدولية.
الأجور المتدنية
يحصل أكثر من 33 ألف بحريني يعملون في القطاع الخاص على أجور تقل عن 200 دينار شهرياً. يعتقد أن أحد أسباب هذه الحقيقة المرة هو الوجود الكثيف للأجانب في القطاع الخاص، إذ يشكلون نحو 75 في المئة من العمالة في مؤسسات القطاع الخاص ويرضى غالبيتهم بأجور متدنية نسبياً (إلا أن هذه الأجور غير متدنية مقارنة بالأوضاع في بلدانهم الأصلية).
لاشك في أنه ليس من المناسب إلزام مؤسسات القطاع الخاص بدفع حد أدنى من الأجور لأسباب مختلفة منها تدخل أطراف أخرى في قرارات المؤسسات. كما أن ليس من الممكن فرض نوع من التمييز في الأجور بين المواطنين والأجانب بسبب ارتباط البحرين بقوانين دولية تحرم ذلك. بل أن الحد الأدنى للأجور سيخدم العمال الأجانب أكثر من المواطنين لسبب بسيط وهو تشكيلهم للغالبية في مؤسسات القطاع الخاص. يشار إلى أن الحكومة ألزمت نفسها بدفع راتب شهري لا يقل عن 200 دينار. وتبين حديثاً أن هناك توجهاً من قبل بعض المؤسسات الخاصة بدفع مبلغ مماثل. ونأمل أن تساهم الحكومة بشكل إيجابي في حل معضلة المعاشات في القطاع الخاص عن طريق دفع الفارق للراتب (50 ديناراً إذا كان الراتب 150 ديناراً شهرياً).
المنافسة الإقليمية
لوحظ حديثاً تنامي ظاهرة المنافسة الإقليمية للبحرين فيما يخص قطاع الخدمات المالية الذي يعد بدوره أحد أهم أركان اقتصادنا الوطني. على سبيل المثال من المنتظر أن يتم العمل قريباً في السعودية على إنشاء مركز الملك عبدالله المالي في العاصمة (الرياض). وتأمل السلطات السعودية في افتتاح أكاديمية مالية في قلب المشروع لتدريب الشباب السعودي على فنون قطاع الخدمات المالية. كما سيحتضن المركز مختلف المؤسسات الرسمية المرتبطة بالخدمات المالية منها هيئة السوق المالية والبورصة وبيوتات الخبرة المالية.
إضافة إلى ذلك، هناك منافسة حادة من مركز دبي المالي العالمي، إذ تبلغ كلفة المشروع أكثر من ملياري دولار أميركي. أيضا أطلقت السلطات في دولة قطر مشروع مركز قطر المالي، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين قررت تأسيس بورصة دولية للمتاجرة في منتجات النفط والغاز في إطار مشروع مدينة الطاقة في قطر. بالمقابل هناك مشروع المرفأ المالي في البحرين بكلفة قدرها مليار وثلاثمئة مليون دولار يجرى تشييده في الميناء القديم وسط المنامة. ومن المنتظر أن تقوم الكثير من المؤسسات المالية الرسمية والأهلية مثل البنك المركزي والبورصة بالانتقال إلى هذا المشروع العملاق بعد الانتهاء من المرحلة الأولى منه في العام 2007 كخطوة أولى لتشجيع المصارف الأخرى للانتقال للمرفأ.
الالتزامات الدولية
ويتمثل التحدي الآخر في تطبيق الالتزامات فيما يخص المعاهدات الثنائية والمتعددة الأطراف. فهناك اتفاق إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين أميركا والبحرين والذي دخل حيز التنفيذ في مطلع شهر أغسطس/ آب. ومن بين الأمور الأخرى يتطلب الأمر السماح للشركات الأميركية العملاقة المنافسة في الاقتصاد البحريني الصغير نسبياً. وعلى سبيل المثال فاق صافي أرباح شركة أكسون موبايل العاملة في مجال النفط عن 10 مليارات دولار في الربع الثاني من العام الجاري، ويزيد هذا قليلاً على حجم الناتج المحلي الإجمالي للبحرين بالأسعار الثابتة، أي المعدلة لعامل التضخم في العام 2005.
كما أن البحرين ملزمة بتطبيق التزاماتها فيما يخص تحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي. ومن المتوقع أن يتم تدشين المرحلة الثالثة من مسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي في نهاية العام 2007، وتحديداً «مبدأ السوق المشتركة» الذي يجب بموجبه منح عوامل الإنتاج (ومنها الثروة البشرية) حرية الحركة بين الدول الست الأعضاء. وهذا بدوره يتطلب السماح للشركات الخليجية بالعمل في البحرين من دون عراقيل، الأمر الذي سيشكل تحدياً لبعض المؤسسات البحرينية الصغيرة نسبياً.
أيضا هناك التزام يتعلق بعضوية البحرين في بعض المؤسسات والمعاهدات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية ومنظمة العمل الدولية، إذ يضيق بنا المقام للخوض في التفاصيل.
ما يهم في نهاية حديثنا هو أن يولي المرشحون للانتخابات النيابية والبلدية اهتماماً خاصاً بالتحديات الاقتصادية التي تواجه البحرين والابتعاد عن العنتريات وهم يتحدثون إلى الناخبين
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1518 - الأربعاء 01 نوفمبر 2006م الموافق 09 شوال 1427هـ