أعجب كثيراً من التناقضات القطرية تجاه الدولة الصهيونية فهي من ناحية تقيم معها علاقات (تجارية) ويهرول مسئولوها تجاه الإسرائيليين سراً وعلانية كل ذلك بهدف (خدمة القضايا العربية!) مثلها مثل باقي الدول العربية التي أقامت علاقاتها مع «إسرائيل» بغية تحقيق الهدف ذاته. ومن ناحية نجد أن المسئولين القطرين انفسهم يسعون جاهدين لحل المشكلات الفلسطينية مع الصهاينة، كذلك حل مشكلات حزب الله معهم ويظهرون تعاطفاً - من خلال إعلامهم - مع القضايا العربية الساخنة مثل قضية العراق وأفغانستان وبعض القضايا الأخرى؛ وهم على أية حال يشكرون مع ذلك مهما كانت نواياهم.
هذا التناقض في التعامل القطري الصهيوني يطرح كثيراً من الأسئلة التي لاتزال تبحث عن إجابة منطقية عن تلك العلاقة التي يبدو التناقض على ظاهرها وشبه التكامل على باطنها، وعن مدى استفادة قطر من هذه العلاقة!
آخر ملامح هذه العلاقة الدعوة التي وجهت إلى وزيرة الخارجية الإسرائيلية بحضور المؤتمر الدولي السادس للديمقراطيات الجديدة والمستعادة الذي عقد في الدوحة يوم الأحد الماضي بهدف مناقشة التجارة البرلمانية والديمقراطية الجديدة أو المستعادة.
وبطيعة الحال دعي الكثير من المسئولين العرب وسواهم لحضور هذا المؤتمر كما دعي إليه بعض ممثلي منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان ويهدف هذا المؤتمر،- كما قيل - إلى مناقشة مدى تطبيق الديمقراطية في العالم العربي، كذلك بحث مشاركة المرأة في الحياة السياسية ودور منظمات المجتمع المدني ومدى تمكينها من القيام بدورها.
إذا المؤتمر في اطاره العام مخصص للحديث عن كل الأشكال التي تحقق الديمقراطية الحقة في العالم ومنه - بطبيعة الحال - العالم العربي ومادام هذا هو الهدف الذي يريد تحقيقه المؤتمر المنعقد في قطر، فما الهدف من وجود وفد إسرائيلي ضمن الوفود المدعوة؟ قيل إن وزيرة الخارجية اليهودية اعتذرت عن الحضور عندما علمت أن هناك وفداً من «حماس»، وهذا الاعتذار - إن كان هو السبب - فهو يؤكد عمق إيمانها بالديمقراطية لاسيما وهي اعلم الناس كيف تم انتخاب حركة حماس، فاعتذارها ينسجم من مبادئها الديمقراطية! وقيل إن هناك تفاهما خاصا بين قطر و»إسرائيل» على عدم حضورها والاستعاضة عنها بوفد صهيوني يحقق الحضور الإسرائيلي ويخفف في الوقت نفسه الضغط على قطر من جهات عدة رفضت الحضور بسبب وجود تلك الوزيرة.
ليس المهم معرفة حقيقة عدم حضورها، ولكن المهم معرفة لماذا هذا التهافت السيئ على الصهاينة - بكل قدراتهم تجاه العرب - سواء أكان هذا التهافت من قطر أم من سواها.
والمهم كذلك أن قطر تدرك - كغيرها - ان الصهاينة ومنهم وزيرة خارجيتهم والوفد الذي حضر لا يؤمنون بالديمقراطية التي يسعى المؤتمر -كما يبدو - للترويج لها في العالم العربي وسواه.
ماذا سيقول هؤلاء عن «حماس»؟ نعرف أنهم يصفون هذه الحركة بأنها «إرهابية» ومع أنهم يعرفون أنها منتخبة ديمقراطيا إلا أنهم لم يعترفوا بهذه الديمقراطية واسروا الكثير من أعضاء «حماس» وحاصروا هذه الحركة بكل الطرق وألبوا عليها كل أعوانهم ابتداء من الأميركان والأوروبيين وبعض العرب، ومع كل هذا فهم سيتحدثون عن الديمقراطية في قطر!
كيف يمكن قبول دعوة أي صهيوني إلى قطر أو سواها مع أن دماء الفلسطينيين لاتزال طرية ومستمرة بسبب القتل والتدمير الإسرائيلي المستمر للمواطن والأرض الفلسطينية... هل هؤلاء يعرفون الحديث عن الديمقراطية؟ صحيح أن الإخوة في قطر يقولون إن هذه الدعوة لم توجه للوزيرة أو لوفدها من قطر لأنها وجهت لهم من الأمم المتحدة باعتبارها راعية هذا المؤتمر والمؤتمرات السابقة له، ولكن هذا التعليل لا يكفي لاقناعنا بأن قطر غير راغبة في حضور الوفد الإسرائيلي؛ كان بإمكانها أن تعتذر عن استضافة المؤتمر على أراضيها ان كان لابد من حضور الصهاينة وهذا أشرف لها بكثير وهذا هو الموقف الذي يفترض أن تفعل كل دولة عربية مهما كانت الظروف.
الصهاينة يحققون في البلاد العربية كل - أو معظم - ما يريدون في الوقت الذي يعجز فيه العرب عن تحقيق الحد الأدنى من طلباتهم ومع هذا كله لايزال بعضهم يدعي أن علاقاته مع الصهاينة تصب في مصلحة العرب.
ماذا فعل العرب ذوو العلاقات الإسرائيلية لإيقاف التدمير الهائل في لبنان؟ وماذا فعلوا إزاء التدمير والقتل الذي وقع في مخيم جنين؟ وماذا فعلوا إزاء القتل شبه اليومي في فلسطين؟! لاشيء على الإطلاق سوى بعض التصريحات التي لا قيمة لها... بل إن بعض هذه الدول يقتل جنودها من الصهاينة وهم يؤدون واجباتهم على أراضيهم ولا نسمع شيئاً وكأن هذا القتل لا يمثل مشكلة لتلك الدولة. إذا الحديث العربي - ومنه القطري - عن فوائد يحققونها من جراء هذه العلاقة حديث يكذبه الواقع وكان الأولى أن يتركوا هذه الاقاويل التي ما عاد يصدقها أحد.
المؤتمر يعقد حالياً في قطر فهل نتوقع من قطر أن تستفيد منه؟ هل سنرى قريباً حرية إعلامية في الصحافة القطرية وأجهزة الإعلام الرسمية؟ هل سيسمح للقطريين - أو سواهم - نقد بعض الأعمال التي يقوم بها الكبار على الأرض القطرية؟ هل سيكون من الممكن الحديث عن التعليم ذي التوجه المشبوه الذي تقوده أميركا حالياً؟ هل سنرى من سيكتب عن قاعدة «العديد» ودورها في إمداد الصهاينة «الديمقراطيين» بالقنابل والصواريخ أثناء الحرب على لبنان؟
أرجو أن تستفيد الدولة المضيفة (قطر) وسيطرح من أبحاث عن الديمقراطية وهيئات المجتمع المدني لتعوض مع الأقل شيئاً من خسائرها على هذا المؤتمر سواء أكانت مادية أم معنوية؟
من الجيد أن يتحدث العالم كله عن الديمقراطية - خصوصاً العالم العربي - وجيد أيضا أن تحضر وفود عربية هذا المؤتمر لكي تستفيد منه، ولكن الأجود - وهي تعرف أنها لن تستفيد بحكم أوضاعها السيئة - فكان المفترض أن تقاطع هذا المؤتمر الذي يحضره الصهاينة.
سنكون سعداء لو أن هؤلاء الديمقراطيين الذين تجمعوا من كل مكان صارحوا الصهاينة الذين يجلسون إلى جوارهم عن مدى انتهاكاتهم البشعة لكل أنواع الديمقراطية لان هذه المصارحة هي الديمقراطية الحقيقية
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1517 - الثلثاء 31 أكتوبر 2006م الموافق 08 شوال 1427هـ