العدد 1517 - الثلثاء 31 أكتوبر 2006م الموافق 08 شوال 1427هـ

السعودية والإصلاح «الآخر»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في السعودية الآن، هناك حراكٌ اجتماعيٌ مشهود، يمكن تلمّس آثاره بوضوحٍ في ما يجري على الساحتين الإعلامية والثقافية، وهو من شأنه أن يقود إلى مزيد من الانفتاح الداخلي.

خصوصية الساحة السعودية إن المجتمع هناك ظلّ منغلقاً لفترةٍ طويلة، حتى إن محاولات نشر التعليم النظامي بين النساء ظلّت تواجه معارضةً شديدةً حتى الستينات، من جانب القوى الدينية المحافظة ذات النفوذ الكبير.

هذا الانفتاح كان أقرب إلى الحلم لو فكّر فيه المرء قبل سنوات معدودة فقط، فلم يكن بالإمكان تخيّل دخول العنصر النسائي بهذه الكثافة في المؤسسات الإعلامية الرسمية، أو إنتاج «أول فيلم روائي سعودي» (يُعرض حالياً في دور السينما في البحرين) يتناول العلاقات العاطفية بين الجنسين وقضايا التشدد الديني.

قد يُقال انه فيلمٌ سعوديٌ بالإسم فقط، فالمخرج فلسطيني، وكاتب النص لبناني، والسيناريو مصري، والتصوير تمّ في دبي، إلاّ انه يبقى رغبة «سعودية» في اقتحام ميدان محرّم، ويعكس واقع الانفتاح الجديد الذي لن يمرّ من دون «مقاومة» من الداخل من القوى التقليدية. هذه القوى كانت لها الكلمة النافذة في المجتمع السعودي لعقود، على خلفيةٍ فكريةٍ ومذهبيةٍ متشددة، ظلّت تبيح لنفسها أن تصنّف بقية الأفكار والمذاهب الإسلامية الأخرى حسب قاعدة الأبيض والأسود. وهذه النظرة الضيقة، جرّت إلى كثير من المعاناة والعنت لزوّار الديار المقدّسة الآخرين، وهؤلاء «الآخرون» طيفٌ واسعٌ من مختلف تشكيلات العالم الإسلامي وتنوّعاته، من أقصى المغرب العربي إلى أقصى المشرق الإسلامي، فضلاً عن مسلمي القارة الإفريقية. هذه التشكيلة المتنوعة بيئةً وتاريخاً وثقافة... كلها تتعرض للامتحان، لإثبات نقائها العقائدي، أثناء ممارسة الشعائر الدينية، وتظل متّهمةً في عيون هذه «القلة القليلة» حتى تثبت «صفاء» إسلامها واستقامة دينها وخلوها من الشرك والبدع. هل من مأساةٍ أكبر من أن تزور الكعبة فتُطَالبُ بإثبات إسلامك؟

نحن في البحرين مثلاً قد تكلّفنا رحلة الحج 500 دينار، أمّا الإندونيسي مثلاً فإنه يدخر ضعف ذلك لسنوات طويلة ليتمكن من جمع مؤونة الحج. وفي ماليزيا هناك وزارةٌ خاصةٌ للحج، تقوم باقتطاع نسبة معينة من راتب الموظف الحكومي وإيداعه في حساب خاص، بحيث يتوفر له مبلغٌ يمكّنه من الحج بعد سنوات. مسلمو الأطراف هؤلاء عندما ينزلون بلهفةٍ إلى البقاع المقدّسة، ويزورون المواقع التاريخية، تقابلهم نظرات التشكيك والريبة، وسدَنَةٌ يردّدون إن المرور أمام قبر الرسول (ص) والإيماءة إليه بإشارة السلام والتقدير شركٌ بالله.

كثيرون يحرصون على زيارة «غار حراء»، البقعة المباركة التي كان يتهجّد فيها الرسول (ص) قبل سنوات من البعثة، وشهدت نزول القرآن الكريم، هناك يقابلون التحذيرات نفسها من الشرك.

كثيرون يزورون الموقع الذي شهد واحدة من المعارك الحاسمة في التاريخ الإسلامي، تحت أقدام جبل أحد، الذي يقول فيه الرسول (ص): «أحدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه»، هناك أيضاً يجدون اللافتات التي تحذّرهم من الشرك بزيارة حمزة سيد الشهداء وأصحابه البررة. حتى البقيع الذي كان يحرص (ص) على زيارته للترحّم على موتى المسلمين، يقف سدنةٌ آخرون موكلون بتخويف الزائر من أن يصبح مشركاً.

ليس هناك أطهر ولا أعظم من الحرمين الشريفين، ولا أولى بالانفتاح والإصلاح من تلك البقاع، فكلّ حبةِ رملٍ تفوح منها رائحة الصحابة الكبار والمجاهدين الأوائل، وليس أحقّ من الزوّار بأن يلقوا استقبالاً لائقاً بعيداً عن نظرات الشك والاتهام في الدين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1517 - الثلثاء 31 أكتوبر 2006م الموافق 08 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً