يغيب عنا كثيراً أن نكونَ مُنصفين. لا نقبل «بل ونراه عيباً» أن نقول في خصمنا شيئاً حسناً هو فعله. هذا الأمر، جَعَلَنا لا ننظر إلاَّ في الحيِّز الممحوق من الكأس. وعندما نبني مواقفنا على غياب الإنصاف، فإن دائرة الأصدقاء تضيق، ودائرة الأعداء تتسع، كوننا نخالف منطق الحياة في التباين. إنها مشكلة نفسية وفكرية وأخلاقية نعاني منها فعلاً. لقد علمتنا التجارب، وضآلة أحجامنا ونسبيتنا، أنه لا يوجد في هذا الكون، مَنْ لم يعمل عملاً جيدًا بالمطلق، بذات المقدار الذي لا يوجد فيه أحدٌ لم يعمل عملاً سيئاً بالمطلق. وعندما لا ندرك هذه المعادلة البسيطة، فقد نَتِيهُ في مسائل «العصمة» و»الأبلَسَة» و»التنزيه» و»المثاليات» التي لا تنتهي بنا إلاَّ إلى الانفصام النفسي تجاه الأشياء.
عندما نختلف في الدِّين، يُصبح المقابل إلينا كافراً، نجساً، خارجياً، رافضياً، ناصبياً. وعندما نختلف في السياسة، يُصبح المقابل إلينا عميلاً، خائناً، إمَّعةً، مطيَّةً، وصولياً. وعندما نختلف في الفكر، يصبح الآخر منحرفاً، هدَّاماً، نماماً، مُجدِّفاً. هذه هي النعوت السائدة في مجتمعاتنا وكأننا لم نولَد من أبٍ وأم واحدة، حتى ضاعت أخوتنا وقرابتنا.
ليس من المعقول، ألاَّ نجد نسبةً من النِّسَب في أغيارنا في الدِّين والسياسة والفكر ما يمكن أن يُبنَى عليها، فتصير نافذة نشمُّ منها روح الإنسانية التي نتشارك فيها. ولا يمكن أن يكون الباطل والرِّيبة هي أساس علاقاتنا، وإلاَّ أصبحت حياتنا لا تطاق، كونها مهووسة بعدم الاطمئنان والخوف من الآخر، بدون سبب وجيه. أتذكر هنا ما جاء في «تحف العقول» عن الإمام موسى الكاظم من كلام جميل في هذا الشأن عندما قال: «إذا كانَ الجَورُ أغلبُ من الحقِ، لم يُحِلْ لأحدٍ أن يظنَّ بأحدٍ خيراً حتى يعرف ذلك منه».
لقد وَصَلَ بنا الحال، أن نتكاتب بأوزارنا لا بحسناتنا. نستحي أن نقول إن فلاناً الذي لا يؤمن بما نؤمن في الدِّين والسياسة والفكر، كان فِعلُهُ في تلك المِيْلَةِ جيداً. بل إننا نعتقد بنقيصة في نفوسنا عندما نقول إن ذاك كان أفضل منا في هذا الفعل. والحال يقتضي في ذلك، ألاَّ نرى نواقصنا، فنُجَمِّلَ ما يأتي منا وممن هم على مِلتنا حتى ولو كان مُنكَراً!
لقد وصل بنا هذا المرض الكريه، أن نتجاوز عدم إنصافنا للأفراد وبَخسِهِم ما عندهم، لنسير نحو شتم كل شيء حتى التاريخ التي تجاوَزَنا وتجاوَزناه، فنلعن كل ما لا يمتُّ إلى قناعاتنا الحالية بصلة، حتى ولو كان هذا التباين قد مضى عليه ألف سنة وتزيد. نفعل ذلك دون أن ندرك، أن جزءًا من تشكيلنا الحالي، هو من صنع ذلك التاريخ، الذي كان قد عَمَرَه آباؤنا وأجدادنا، وهو ما يعني أننا نكره ما لا نعلم، ونسير بغير هدى.
لماذا عندما نتحدث عن الجاهلية نتحدث عن شرٍّ مطلق، دون أن نشير، إلى أن ذلك المجتمع الجاهلي، كان مجتمعاً متعايشاً مع بعضه دون غضاضة، فكانت فيه اليهودية والمسيحية والمجوسية والحنيفية، فلم يشهد نزاعات عن أساس ديني؟ وأن لفظة الله كانت دارجة عندهم كبقية دينٍ توحيدي نما إليهم عن نبي الله إبراهيم عليه السلام، فكانوا يكتبون عقودهم باسمك اللهم، كما هو حال صحيفة قريش لبني هاشم!
لماذا عندما نتحدث عن الأمويين، لا نرى فيهم خلافة عمر بن عبدالعزيز وعدالته حتى قال عنه الشاعر جرير بعد أن دخل عليه ولم يحصل منه على شيء:
إنه يُقرِّب الفقراء ويُباعد الشعراء؟ لماذا لا نذكر أنه مَنَعَ سبّ علي بن أبي طالب بعد أن كان يُلعَن جهراً؟ لماذا لا نقول أنه كان لا يقبل الهدية، لأنها كانت لرسول الله هدية، وله رشوة كما قال؟
وعندما نتحدث عن العباسيين لماذا لا نشير إلى مَنْ قام منهم بتشجيع العلوم وترجمة إرث اليونان، فزخر العلم، وكثر العلماء، وتحوَّلت بغداد (عاصمة الخلافة) إلى عاصمة للفنون والعلوم، واستقر الحال بأهل العلم فيها، فعَظُمت الدولة، وتمدَّد نفوذها، وقَصَدتها التجارة ورؤوس الأموال، وأقامت التحالفات السياسية مع الجوار؟!
لماذا عندما نتحدث عن الإباضية، لا يسعنا إلاَّ اتهامهم بنعوت طائفية، وكأننا لا نرى ما شيَّدته الدولة الرستمية في بلاد المغرب من حضارة عظيمة، سادها التسامح ما بين الأديان والمذاهب، وفِعلها العظيم في حفظ حدود الدولة الإسلامية؟ لماذا لا نتحدث عما فعلته الدولة الإباضية من عدلٍ وإنصاف في حضرموت، ولا عن سماحة المدرسة الإباضية، ولا عن تطوُّر إمامتهم في عُمان، والتي صارت أجلى نموذج شوروي إسلامي؟
لماذا عندما نتحدث عن الفاطميين، لا نغمز لهم إلاَّ من نعوت التأنيس والتشكيك والتعليق والربط والتدليس والتلبيس والخلع والسلخ، وننسى ما قاموا به من صدّ لغزوات الغرب ضد الدولة الإسلامية؟ لماذا لا نتحدث عن جهودهم الكبيرة في جمع أمهات العلوم التي لا حصر لها، فأنشأوا المدارس والمكتبات، واستقبالهم للطلاب المسلمين الذين قصدوهم من كل مكان، أو عن آثارهم كدار الحكمة والأزهر؟
إننا اليوم مطالبون بأن نقول ما هو صحيح، قبل أن نشير إلى المثالب.
فالصحيح قد يشفع إلى التوحُّد، أما المثالب، فما هي إلاَّ تعزيز للكراهية والدموية والبغضاء ما بين البشر. إن ثقافة الإنصاف سبيلٌ جيد لتجاوز الخلافات والحفر في المثالب.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3841 - الأربعاء 13 مارس 2013م الموافق 01 جمادى الأولى 1434هـ
طبيعة العرب!
في مجتمعنا قليل هم الذين يقولون لك انك ناجح....بينما هم كثير بثير الذين يقولون لك انك مخطئ...انهم اهلنا العرب
خاطري أقرأ لك موضوع عن الشأن المحلي كبقية الكتاب
مواضيعك إما تخص الشأن الخارجي كمواضيع سوريا أو إيران أو كهذا الموضع الذي يعتبر جيد لكن ليس وقته لماذا لا تتطرق للشأن المحلي نهائيا لا هنا في الوسط ولا حتى بتغريدة يتيمة في تويتر. شكرا
نعم مثل الاعمى الدى يتخبط فى ليله ظلماء
الكدب والنفاق وشهاده الزور وتعظيم الطغاه والمستكبرين والفساد والمحسوبيه وقتل النفس الزكيه وعلماء دين منحرفين تكفيرين يتفننون فى فتواهم كلها اكدها القران الكريم ان الاعراب اشد كفرأ ونفاقأ اتخدتم من الاسلام فقط الاسم نحن مسلمون ولكن اين امه الاسلام بئس القوم انتم
كلام جميل الله يجازيك الخير
البركه في الكتاب اللي قاعدين في المكاتب ويكتبون اللي يبينه القراء بس علشان يظمن معاشه ووش له بالناس ولماذا دائماً يريدون ان يعيشونا في التاريخ مع ان الحاضر ابدى لا زلنا تتعايش رغم محاولاتهم للتفريق والقافلة تسير
الانسان يحفظ امرين
1- الشاذ جدا وهو المستقبح والفضيع جدا اذا صدر من اخيه او اي انسان2- الفعل الحسن الطبيعي لا يثيره الا اذا تناهافي حسنه وقد حفظ لعمر بن عبد العزيز حقه فقال الشريف الرضي:يا بن عبدالعزيزلو بكت العين =فتى من امية لبكيتك=غير اني اقول انك قد طبت وان لم يطب ولم يزك بيتك=انت نزهتنا عن السب والشتم=ولو امكن الجزاء جزيتك
تلك كلمات لمن يعقلها
عقول وبصائر لا ترى في الشجرة الا شوكها ولا ترى ثمرها ووردها
فماذا أنت قائل لمن ال على نفسه الا ان يرى القبيح وحرم على نفسه رؤية
الجميل حتى لو كان في نفسه ربما