كنا نقرأ نتفاً من قصص الغابرين في كتب التراث، عن تقلّبات الدول وصروف الدهر، وأصبحنا نقرأ التفاصيل في الصحف المعاصرة ونشاهدها على الفضائيات.
واستباقاً للذكرى الثانية لسقوط حسني مبارك؛ نشرت صحيفة «الحياة» لقاءً مطولاً في أربع حلقات، مع مساعد رئيس قطاع السجون المصري السابق اللواء محمد حمدون حيث فتح لها خزائن أسرار «سجن طرة» الشهير.
سقوط مبارك سيظلّ حدثاً مدويّاً لفترة طويلة، حيث انتهى بأقطاب نظامه إلى السجن، وقد سرت الشائعات بما يعيشونه من حياة ترف ونعيم، يفندها شهادة مأمور السجن، الذي عمل تحت قيادة وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، وهو الذي قاده بنفسه إلى زنزانته بعدما دارت عليه الدوائر.
يبدأ حمدون باحتفال الداخلية بعيد الشرطة، حيث ظهر العادلي منتشياً، وبدا مبارك مزهوّاً بقواته المسلحة، بينما كان الشارع يغلي بمجموعات شبابية احتجاجاً على البطالة واتساع دائرة الفقر والاعتقالات والانتخابات المزورة. كان الاحتجاج هذه المرة مختلفاً عن أساليب المعارضة التقليدية القديمة، لكن الشرطة التي طوّقت الجموع تعاملت معها كأعمال شغب كالمعتاد، وظلت المواجهات حتى أُنهِكت الشرطة وتدخل الجيش وانتهى الأمر بسقوط النظام.
بدأت قرارات القبض بأحمد عز، صاحب سيناريو تزوير الانتخابات وأحد أهم أسباب الحنق الشعبي على النظام، ووزيري الإسكان (أحمد المغربي)، والسياحة (زهير جرانة). وحين وصل الثلاثة بملابسهم المهندمة، كانت تبدو عليهم علامات الإرهاق والصدمة والذهول. توجهوا إلى مكتب مأمور السجن، ينظر بعضهم إلى بعض حيارى، يسترقون النظر إلى زوايا الغرفة وهم يحاولون إخفاء توترهم الداخلي، وبسرعة تم تجهيز زنزاناتهم الانفرادية بأسِرّةٍ عادية، بعدما كانوا ينامون على الحرير وريش النعام، وتم تسليمهم ملابس السجناء فأخذوا يتبادلون النظرات في اندهاش. كانوا في حال من الاستسلام التام، بعدما كانوا حكام مصر وأسيادها، فإذا هم لا يملكون حتى اختيار ملابسهم.
رافقهم مأمور السجن إلى باب الزنزانة، وطلب منهم تسليم هواتفهم النقالة، فلم يبدوا اعتراضاً، وتوجّه كلٌّ منهم إلى زنزانته حيث تنتظره حياة مختلفة تماماً عن حياة العز والنعيم. وفي مساء (19 فبراير/ شباط 2011)، وصل وزير الداخلية (العادلي) مخفوراً مع عدد من مساعديه، ليتوقف الركب أمام سجن المزرعة، ونزل الوزير المهيب من السيارة مرتدياً بدلة كاملة بربطة عنق، وتوجه بسرعة مكتب المأمور، ليجلس إلى أقرب مقعد. كان لايزال واثقاً بنفسه، مبتسماً، ووضع رجلاً على أخرى وأخذ يتكلم في هاتفه النقال مع محاميه يلومه على ضعف الدفاع عنه، ثم اتصل بابنه وخاطبه مخفّفاً من وقع المصاب: «بابا في مأمورية بعيدة وربما تطول... خليك راجل...». وظلّ العادلي يظهر تماسكه وتعاليه أمام الضباط، وأشاد بنظام السجن باعتباره أحد إنجازاته! لم يدرك بعدُ وضعه الجديد كسجين، وأنه لم يعد وزيراً. كان أكبر ما حظِي به زنزانة تتمتع بدورة مياه مستقلة، وبدا حارسه الشخصي (وهو برتبة عميد) غبيّاً حين سأل مأمور السجن عن «جاكوزي لسيادة الوزير»، فاعتقد أنه يمزح، ولما تبين انه جادٌّ رد عليه: «هذا سجن وليس نادياً يا سيادة العميد».
كان أول طلبٍ للعادلي في محبسه نسخة من المصحف الشريف، فسلمه المأمور بعد دقائق، وعلّق قائلاً: «سبحان الله، لقد أصبح القرآن هو أنيسه وكلمات الله هي رفيقه»، وتذكّرت وأنا أقرأ هذه الكلمات قوله تعالى: «ضلّ من تدعون إلا إياه»، سبحانه مقلّب القلوب والعروش.
مساعدوه كانوا أكثر إعياءً حين نزولهم من السيارات، عيونهم زائغة، تسيطر عليهم أمارات الحسرة والحزن، طالما أمروا ونَهَوا وتحكّموا، فـ «أصبحوا بعد طول الأكلِ قد أُكِلوا».
حين صدر قرار توقيف مبارك (13 أبريل/ نيسان 2011)، كان ولداه علاء وجمال سبقاه إلى سجن طرة الذي امتلأ بالمسئولين السابقين ولم تعد ثمة أسرّة إضافية، فتم تجهيز زنزانتهما بسريرين متهالكين من مخازن المستشفى، يكسوهما الصدأ والغبار. كان الحزن الشديد يسيطر عليهما، فبعدما كانا موعودَين بمُلكِ مصر، إذا بهما حبيسَيْ زنزانة، شاءت الأقدار أنها كانت سجناً للمهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد والمرشح الأول لرئاسة الجمهورية قبل أن يستبدله «الإخوان المسلمين» بالرئيس الحالي مرسي.
حين مرّ المأمور بالعنبر صباحاً، شاهد سجيناً يحمل صينية شاي، فناداه أنس الفقي (وزير الإعلام السابق): «هات اثنين شاي هنا لعلاء بيه وجمال بيه»، كان كوب الشاي وملعقة السكر في حال يرثى لها، وكان هذا أقصى ما يمكن أن يقدّمه الفقي لسيديه احتفاءً بهما في أول يومٍ لهما في السجن.
كان الشابان المدللان قليلَي الكلام والاختلاط بالآخرين، فارقت الابتسامة وجهيهما وارتسمت علامات الحزن، وأخذا يتركان ذقنيهما بلا حلاقة. وعلى رغم موقفي المناوئ للنظام السابق وممارسات رجاله الفاسدين؛ كنت أشعر بالأسى وأنا أقرأ تفاصيل ما آلت إليه حالهما، وكانت تتردد في أعماقي أبياتُ تلك القصيدة الخالدة:
واستُنزِلوا بعد عزٍّ من معاقلهم...
أين الأسِرَةُ والتيجانُ والحللُ
أين الوجوهُ التي كانت منعمةً...
من دونها تُضرب الأستارُ والكللُ.
أين الكماة أما حاموا؟ أما اغتضبوا؟
أين الجيوشُ التي تُحمى بها الدولُ؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3841 - الأربعاء 13 مارس 2013م الموافق 01 جمادى الأولى 1434هـ
الله لهم بالمرصاد
مصير كل ظالم أسرف في قتل الناس ويحكم فيهم بغير ما أنزل الله سيكون سقوطه مدويا كهلاك فرعون وجنوده إن شاءالله...
الملك لله
قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير وانك على كل شئ قدير
فن
كتابة تاريخية بعد المقال الساخر. تفنن.
يرفع من يشاء ويذل من يشاء
سبحان الله كان حسني مبارك يعد ولده لحكم مصر ليصبح رئيس مدى الحياة. هكذا هي تقلبات الدهر. يرفع من يشاء. ويذل من يشاء
تلك الأيام نداولها بين الناس
هذا هو مصير الظلمة في النهاية لكن هل من متعظ؟
الايام
الايام تتغير يوم لك ويوم عليك. الله سبحانه وتعالي يقول بسم الله الرحمن الرحيم ( وتلك الايام نداولها بين الناس ) لا تستبعد اي شيء الدنيا دواره والظالم اذا ما حصل عقاب في الدنيا اكيد بيحصله في الاخره وشكرا.
ثقتنا بالله لا حد لها
كونوا على ثقه ان الله يمهل ولا يهمل
يمهل و لا يهمل
يا رب تراوينا فيهم مثل ما راويتنا في غيرهم
اللهم أرنا يوماً مشابهاً نشهده
في الذين ظلمونا وما زالوا لم يستوعبو الدروس.
الحق يعلوا ولا يعلى عليه
وتلك الأيام نداولها بين الناس