نتفهم من أي جهة تقول انها تشتغل في السياسة في البحرين، أن تطالب بزيادة الرواتب في القطاع العام والمتقاعدين، وتعتبره مطلباً ملحاً، لأن هذا المطلب وبسبب محدودية الدخل للمواطنين من جهة، وزيادة الأعباء والالتزامات من جهة أخرى، يجعل مسعى من يدعو له مشكوراً من الجميع.

لكن، المستغرب انه بعد عامين من استمرار أزمةٍ عصفت في البلاد والعباد، وضربت تداعياتها عميقاً في المجتمع البحريني، وبعد سقوط عشرات الضحايا ومئات المصابين، ودخول الآلاف للمعتقلات خلال هذه المدة، واستفحال الفساد المالي والإداري، وتضاعف حملات الكراهية واستشرائها، وتفاقم التمييز، أن يطرح أحد موضوع زيادة رواتب موظفي القطاع الحكومي والمتقاعدين كمطلبٍ محوري يرى فيه مخرجاً لما آلت إليه الأوضاع في البلاد.

البحرينيون يحتاجون إلى زيادة رواتبهم فعلاً، وزيادتها حق لهم سواءً كانوا في أزمة سياسية أم لا، لكنهم يحتاجون أولاً للحرية والكرامة والعدالة والمواطنة المتساوية، التي لا يوجد فيها مواطن من الفئة الأولى وآخرون من الطبقة العاشرة.

البحرينيون يحتاجون إلى أن يكون الأمن للجميع، ويحتاجون إلى أن تتوقف حملات التمييز الممنهج ضدهم، ويتطلعون إلى مستقبل يرون فيه بصيص أمل لأبنائهم. يحتاجون إلى وطنٍ لا يشعرون فيه بأنهم غرباء، أو منتقصو الحقوق، أو أنهم مستهدَفون في حياتهم وأرزاقهم لمجرد انتماءاتهم السياسية أو الأيديولوجية.

هذا الحراك السلمي لم يقدّم ما قدّم على مدى عقود من الزمن، من أجل أن تزاد رواتبهم 15 أو حتى 30 في المئة. هذا الحراك ليس حراك خبز، مع احترامنا لأي حراك وطني لأي شعب سببه ذلك، هذا الحراك السلمي حراك حرية وكرامة ومطالب عادلة، طالب بها الأجداد جيلاً إثر جيل، وسيستمر أبناؤهم وأحفادهم حتى يعمّ الخير والمساواة على كل البحرينيين.

الرواتب زيدت في أغسطس/ آب 2011، لكن واقعنا السياسي لم يتغيّر، وأجزم بأن الأمور لن تتغيّر كثيراً حتى لو تمت زيادة الرواتب مجدّداً اليوم وغداً، بل ولو زِيدت في كل شهر.

نحترم جميع الآراء، وليس من شيمنا تسفيه أي مطلب لأي جهة، لكننا نعتقد أن زيادة الرواتب، إن حدثت فهي خير، لكنها ليست المخرج لأزمة البلاد، لذلك نرى أن هذا المطلب في هذا الوقت هو مطلبُ من لا مطلب له، وقضية من لا قضية حقيقية له.

ورغم كل ذلك نقول، إن كان مطلبكم الملح هو زيادة الرواتب، فما أنتم فاعلون في الصدّ الحكومي عنه، فالسلطة التنفيذية أوصلت رسالتها إليكم بأن الموازنة تعاني من العجز، وأنها لا قِبل لها بزيادة الرواتب مجدّداً، وهي إن لم تقل ذلك صراحة، ولكن لسان حالها يؤكد ذلك، فماذا ستقولون لشارعكم العريض بعد هذه الممانعة الرسمية؟ هل ستكتفون بالقول لهم (مشوا بوزكم؟).