بغض النظر عن توقعات راي برادبيري المتشائمة في روايته العلمية الخيالية «فهرنهايت 451»، فقد تبين أن بإمكان تعزيز تكنولوجيات الاتصالات أن تمكّن الجماهير بدلا من استعبادهم. ومما لا شك فيه أن تاريخ إيران خلال القرن الماضي، بثوراته وعمليات بناء الديمقراطية، تداخَل وتشابَك مع تطوّر الإعلام الجماهيري، وليست حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة استثناء لهذه القاعدة.
خاضت إيران أثناء الثورة الدستورية بين عامي 1905 و1911 تجربة فترة حوار لم يسبق لها مثيل، اتخذت شكل صحافة مزدهرة. فعلى سبيل المثال، كتب الشاعر الثوري المحرّض نسيمي شومل بنفسه وطبع يدويا نشرة أصدرها باسمه يترجَم عنوانها إلى «نسيم الشمال». وقد عُرف عنه الوقوف قرب البوابة الرئيسية لسوق طهران الكبير، بلحيته السوداء الكبيرة وجلبابه الديني الواسع، يوزع نشرته الدستورية المحرِّضة.
وفي أثناء الثورة الإسلامية العام 1979 تسلّل شريط الكاسيت، الذي أصبح الآن قديم العهد، عبر قضبان القفص الحديدي للإعلام الجماهيري الذي سيطرت عليه الدولة، وحمل خُطَب آية الله الخميني إلى جماهير أتباعه.
وبعد أكثر من 25 سنة، وفي انتخابات العام 2005 الرئاسية، استخدم الإصلاحيون الإيرانيون الرسائل النصيّة القصيرة والمدوّنات لتشجيع التصويت ضد كتلة الأنصار التي اجتاحت الميدان وحملت الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد إلى الرئاسة. ورغم أنها لم تُحقق سوى نجاحا محدودا، إلا أن المدوّنات الإصلاحية التي تابعت الانتخابات بنشاط وجدت نفسها في مصاف صانعي الرأي والمفكرين في إيران.
واليوم، يؤدي انعدام وجود انتخابات رئاسيّة أولية إلى تحديد فترة الانتخابات النشطة إلى أقل من شهر، ولم يتفاقم النشاط المعهود أثناء هذا الشهر إلا نتيجة لتبادل المعلومات والحشد الذي مكّنته تكنولوجيا الإنترنت والاتصالات.
أصبح قرّاء المدونات الإيرانية المبكرة أصحاب مدونات أنفسهم، وأخذوا يستخدمون تطبيقات الإنترنت الرائجة مثل «فيسبوك» لتشجيع مُرشحهم المفضل. وادّعى بهزاد مرتضوي، رئيس لجنة حملة المرشح الرئيسي المعارض مير حسين موسوي في مقابلة مع «الفايننشال تايمز» أن تكنولوجيات جديدة جرى استخدامها في حملة موسوي لأنها «تملك القدرة على التكاثر من قبل الناس أنفسهم، باستخدام البلوتوث والبريد الإلكتروني والرسائل النصيّة ودعوة المزيد من المساندين على «فيسبوك».
وقد استُخدم «فيسبوك» في السابق في إيران بالدرجة الأولى لإرسال هدايا ظاهرية واختبارات شخصية سخيفة للأصدقاء، ومؤخرا بهدف الاتصال بالمهاجرين الإيرانيين. ولكن في الوقت الحالي، تنشغل «فيسبوك» الإيرانية وصور «تويتر» (Twitter) بالحملات السياسية، كما يدل الدعم لهؤلاء المرشحين على وسائل الإنترنت: لدى أحمدي نجاد نحو عشرة آلاف من المعجبين على «فيسبوك»، ويظهر على عدد من صفحات «فيسبوك» مع أنصاره ليس فقط في إيران وإنما في كافة أنحاء العالم الإسلامي كذلك. في الوقت نفسه، لدى رئيس الوزراء السابق موسوي نحو 40,000 معجب على الموقع.
ومن خلال رفع الشعار الانتخابي «التغيير» من قبل مهدي كاروبي، السياسي المخضرم ورجل الدين، ومرشح «الحصان الأسود»، عدة نوادٍ من المعجبين على موقع «فيسبوك» بما فيها صفحة «اسأل ستيفن عن دعم كولبرت لكروبي»، التي تحث الناقد السياسي الفكاهي الأميركي ستيفن كولبرت على دفع شعبية كروبي.
ويوافق الإصلاحيون، الذين يساندون زيادة الحريات السياسية وديمقراطية أكثر نشاطا بأن أربع سنوات أخرى من سياسة أحمدي نجاد الخارجية وتذبذباته الاقتصادية لا يمكن تحملها. وتأخذ هذه المشاعر على «فيسبوك» شكل شعار دائم الوجود: «عدم التصويت هو تصويت لأحمدي نجاد».
يظهر مستخدمو «فيسبوك» هؤلاء بأنهم يشجّعون الناس على التصويت وتفادي حملة مقاطعة محتملة للانتخابات، مثل تلك التي قيل إنها السبب وراء فوز أحمدي نجاد العام 2005.
وليس منبر الحملة هذا خالٍ من المشكلات. ففي 23 مايو/ أيار حجبت الحكومة الإيرانية الوصول إلى «فيسبوك» دون مبرر. أعيد الاتصال بعد مرور أيام قليلة، إلا أن حقيقة أن باستطاعة الحكومة منع الاتصال تثبت أهمية الموقع المنظورة في تشكيل الرأي الشعبي. وفي الفترة التي سبقت الانتخابات الأخيرة، عمل «فيسبوك» بشكل أوسع كوسيلة لحشد الأقرباء والأصدقاء ذوي العقليات المتقاربة دعما للمرشحين، أكثر مما يخدم كمنبر لجذب الآخرين بعيدا عن المرشح الذي يعارضهم.
إلا أن عواطف ملايين الإيرانيين الشباب ومشاركتهم السياسية النشطة، مستخدمين أساليب الاتصال الحديثة لتشجيع التغيير، تضع دون شك ابتسامة على شفاه نسيمي شومل.
*كاتب عمود في صحيفة Etemade Melli الإيرانية، والمقال ينشر بالاتفاق مع خدمة Common Ground الإخبارية.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2475 - الثلثاء 16 يونيو 2009م الموافق 22 جمادى الآخرة 1430هـ