العدد 3839 - الإثنين 11 مارس 2013م الموافق 28 ربيع الثاني 1434هـ

في العيد العالمي للمرأة... إلى مَنْ لم يرَ المرأة التونسية جيداً!

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

تأتي المناسبات الجميلة في العالم لنبهج ونسعد، لكن فينا من يريد تعكير صفو هذه الاحتفالات عن قصد أو عن حسن نية: فحين يتمنّى بعضهم، اليوم، وفي العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، أن يرى المرأة التونسية عالمة وطبيبة ومعلمة و... إلخ. فإننا نستغرب جهله بتاريخ المرأة التونسية المشرّف. ومثل هؤلاء لا يجدي معهم نفعاً أن ننصحهم بالتعلّم الذاتي فنكتفي بتوجيههم إلى بعض الكتب والأسماء لكي يطلعوا عليها عن كثب وبمفردهم لأنهم لا يريدون أن يقرأوا من التاريخ والواقع إلا ما تلهج به نفوسهم وتلذّ له أعينهم. إذن، ولمّا كان الأمر كذلك، لا نرى حرجاً من العودة إلى غابر الأزمان مروراً بالفتح الإسلامي فالعصر الوسيط فالتاريخ الحديث والمعاصر، لنقتفي آثار ملامح المسيرة المشوقة للمرأة التونسية وفي ذلك اللذّة الحقيقية: لذة البحث عن الجذور التي أكسبت المرأة التونسية تفرُّدها، ولذة إعادة اكتشاف النساء الشهيرات، اللائي لاتزال أصداء أسمائهن محفورة في الذاكرة واللائي تمثل سِيَرُهن علامات مضيئة في تاريخ تونس والوطن العربي عموماً.

ما أكثرهن وما أروعهن، ربّين ومازلن أجيالاً وأجيالاً مِن خِيرة ما أنجبت الأم الكبيرة: تونس.

وكم هو حافل تَارِيخ المَرأة التُّونسية، لكن لن أحدّثكم عن العهد القرطاجني وعليسة (814 ق م) التي اقتَرنَ ذكرها بالبِنَاء والتَّأسِيس (مؤسسة قرطاج) ولا عن صفنيبة غادة قرطاج (221ق م) ولا عن العهد الروماني والقديستين بربيتو وفيليسيتاي... وإنما سأكتفي بمنارات التاريخ الإسلامي ولن أبخل على القارئ الحصيف بالعودة إلى كتاب العلامة والمؤرخ حسن حسني عبدالوهاب (1884-1968) بعنوان «شهيرات التونسيات» الذي يورد فيه المؤلف عينات من إبداعات نساء أنجبتهن تونس. يقول في مقدمة هذا الكتاب: «ومن يُباكِر الشوارع صباحاً يندهش من تضخّم سبيل البنات المقبلات على المدارس مثقلات بالكتب والدفاتر وقد نزعن الأزياء القديمة وعوضنها بما يساعد على النشاط وبذلك يدرك عابر الطريق مدى تسابقهن إلى موارد التثقيف وازدحامهن على مناهل العرفان...».

ولمّا كان المقام والمقال لا يسمحان بالجمع والاستقصاء فإننا سنكتفي بخمس حالات هي:

* أروى والصداق القيرواني: تحت عنوان المصاهرات بين إفريقية والعراق يورد المؤلف قصة زواج أبي جعفر المنصور بأروى وقد اشترطت في عقد زواجها ألا يتزوّج أبوجعفر المنصور غيرها، وألا يتخذ السراري معها فإن تسرّى عليها، كان طلاقها بيدها كما جرت بذلك عادة أهل القيروان من عهد قديم حتّى سميت تلك الطريقة بالصداق القيرواني. (شهيرات التونسيات ص 29).

* فقيهتا القيروان: أسماء وخديجة: الأولى أسماء بنت أسد بن الفرات: نشأت أسماء بين يدي أبيها، فأحسن تهذيبها وثقّف ذهنها علما وحكمة وكانت تحضر مجالسه العلمية في داره وتشارك في السؤال والمناظرة حتى اشتهرت بالفضيلة ورواية الحديث والفقه. والثانية خديجة بنت الإمام سحنون: كانت عاقلة عالمة ذات صيانة ودين وكان أبوها يحبها حباً شديداً ويستشيرها في مهمات أموره حتى إنه لما عُرِض عليه القضاء لم يقبله إلا بعد أن أخذ رأيها وكذا كان يفعل أخوها محمد بعد وفاة أبيهما (ص47).

* السيدة المنوبيّة: واسمها عائشة بنت الشيخ المرابط أبي موسى عمران بن الحاج سليمان المنوبي. ولدت سنة 595 هـ/ 1197م وتوفيت سنة 665 هـ / 1297م. تتلمذت على يد سيدي أبي سعيد الباجي وخاصة الشيخ أبي حسن الشاذلي صاحبت أولياء الحكم والسلطة وأثرت فيهم وكانت لسان دفاع عن الفقراء والمساكين.

*السيدة عزيزة عثمانة: الأميرة عزيرة ابنة أبوالعباس أحمد بن محمد بن عثمان داي وحفيدة حاكم تونس الشهير عثمان داي وزوجة حمودة باشا المرادي. توفيت سنة 1080هـ/ 1660 م. كانت تشتري الأسرى والمخطوفين وتُخلي سبيلهم وتقتني العبيد ثم تعتقهم، وقد أنشأت عزيزة «مارستنا» تعالج فيه جميع الأمراض في نهج العزّافين صار يسمى فيما بعد «المستشفي الصادقي».

ومن أهم مآثرها وصيّتها الشهيرة التي حبّست بموجبها جميع ممتلكاتها على عدد من المشاريع الخيرية من بينها عتق العبيد وإعالة العجّز وقراءة القرآن الكريم، وختن أبناء الفقراء وتجهيز الفتيات الفقيرات للزواج...

* توحيدة بالشيخ: هي امرأة ليست ككل النساء، هي امرأة نادرة من نوعها، عميدة الأطباء التونسيين وأوّل امرأة عربية طبيبة في العالم العربي.

تحصلت على شهادتها الابتدائية عام 1922 وواصلت تعليمها الثانوي بمعهد فرنسي (معهد أرمان فاليار) متحدية بذلك شبح الاستعمار. تمكنت من الحصول على شهادة البكالوريا سنة 1928 فكانت أول تلميذة مسلمة تتحصل على مثل هذه الشهادة، ذهبت للتعلم في بلد المستعمر وقد سجلت آنذاك لتتحصل على دبلوم الفيزياء والكيمياء الأمر الذي سمح لها بالالتحاق بكلية الطب بباريس. وتواصل لمعان نجمها كامرأة تونسية مناضلة في سماء المستعمر الفرنسي لتتحصل على تخرجها سنة 1936 ثمّ مناقشة رسالة الدكتوراه وتخصصت بعد تخرجها سنة

1936 من جامعة الطب بباريس فى طب النساء والتوليد. ولم يقف نضالها عند حدود النضال الفكري والمعرفي بل كانت مشاركة في النضال السياسي عن طريق نشاطها الجمعياتي في عدد من الجمعيات التي نذكر من بينها جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا، ونشطت توحيدة بالشيخ في الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي وتمكنت من تأسيس جمعية الإسعاف الاجتماعي ورئاستها إثر الحرب العالمية الثانية.

كما شاركت عموم النساء التونسيات في الأنشطة النضالية ضدّ المستعمر من مواقع قاعدية ميدانية في الحركة الوطنية بنشر الدعاية الوطنية ونقل الأسلحة والمراسلات وإحضار المؤونة وتوفير حاجيات المقاومين والمساجين.

وشاركن كذلك في المظاهرات وتعرضن أحياناً للإيقاف وقد كلفهن ذلك أحياناً كثيرة السجن. وفي عهد الرئيسين بورقيبة والمخلوع زين العابدين بن علي لمعت المرأة بنضالها الحقوقي ودفاعها عن حقوق الإنسان والمرأة منهن على سبيل الذكر لا الحصر سامية عبو وراضية النصراوي وسهام بن سدرين وأم زياد السيدة نزيهة رجيبة وغيرهن.

وأخيراً يقال والله أعلم أنّ أول امرأة عربية تقود الطائرة تونسية سنة 1962، وأوّل طبيبة عربية تونسية 1936، وأوّل سائقة قطار عربية تونسية 1958, وأوّل قائدة باخرة عربية تونسية 1960، وأوّل وزيرة عربية تونسية 1983... ولكن كل هذه الإنجازات لم تكن سوى دافع لهن ولنظيراتهن العربيات للمضيّ قُدُماً نحو آفاق رحبة من العلم والإبداع والابتكار، فهل بعد هذا إصرار على الإنكار؟

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3839 - الإثنين 11 مارس 2013م الموافق 28 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 6:36 م

      رائعة هذه العبارة

      ما أكثرهن وما أروعهن، ربّين ومازلن أجيالاً وأجيالاً مِن خِيرة ما أنجبت الأم الكبيرة: تونس.

    • زائر 4 | 4:08 م

      عظيمة

      أول امرأة عربية تقود الطائرة تونسية سنة 1962، وأوّل طبيبة عربية تونسية 1936، وأوّل سائقة قطار عربية تونسية 1958, وأوّل قائدة باخرة عربية تونسية 1960، وأوّل وزيرة عربية تونسية 1983...

    • زائر 3 | 3:55 م

      excuse me in french

      Au nom de la femme Tunisienne je te remercie beaucoup Slim. Un tres bel article bien que nous savons tous que le Monsieur ne represente en aucun cas le peuple Bahraini ouvert , noble et gentil.

    • زائر 2 | 1:40 ص

      عليه أن يزور أماكن العلم في تونس حتى

      يرى المرأة التونسية عالمة وطبيبة ومعلمة

    • زائر 1 | 11:39 م

      عظيمة المرأة في تونس

      حقا تحية إعجاب لها ولإنجازاتها

اقرأ ايضاً