في تعليقنا على نصوص قانون العمل الجديد الصادر بالمرسوم بقانون رقم (36) لسنة 2012، وقفنا في الحلقات الماضية على بعض نصوصه ورأينا كيف أن هذا القانون مجحف وغير منصف بحق العمال.
وفي هذه الحلقة (التاسعة) سنقف على نصوص أخرى من القانون في الجانب المتعلق بتشغيل العمال في يوم الجمعة، لنُظهر من خلالها عيوب هذا القانون من حيث غموضه وسوء صياغة نصوصه وإجحافه، تكملةًً لما لمسناه وأظهرناه في الحلقات السابقة، ولنثبت مجدداً صحة مآخذنا على هذا القانون وعلى القائمين على إعداد مسودته.
أولاً: جاء في الفقرة (أ) من المادة رقم (57) من قانون العمل الجديد لسنة 2012 النص الآتي: «يجب تنظيم العمل بالمنشأة بحيث يحصل كل عامل على راحة أسبوعية لا تقل عن أربع وعشرين ساعة كاملة. ويعتبر يوم الجمعة راحة أسبوعية، ومع مراعاة وقت صلاة الجمعة للمسلمين يجوز لصاحب العمل أن يستبدل هذا اليوم لبعض عماله بأي يوم آخر من أيام الأسبوع».
«ولصاحب العمل منح العامل راحة أسبوعية مدفوعة الأجر لمدة تزيد على أربع وعشرين ساعة متتالية على ألاّ تزيد ساعات العمل في الأسبوع على ثمان وأربعين ساعة».
هذا النص يكفي لوحده لأن ينهض دليلاً على إثبات أن من صاغ نصوص قانون العمل الجديد لا يتقن صناعة القاعدة القانونية وغير ملمّ بشروطها، بل لا يحسن الصياغة والدقة في بنائها، أو بالأحرى لا يتقن لغة القانون، بدليل أن نرى هذا النص يجمع في طياته جملة عيوب، نوضحها باختصار شديد فيما يلي:
(1) بدأ النص بعبارة «يجب تنظيم العمل بالمنشأة بحيث يحصل كل عامل
على راحة أسبوعية...»؛ فهذه العبارة لا تتفق مع لغة القانون، أي لا تتفق مع النصوص القانونية، إنما يمكن استخدامها كمفردة من مفردات قرار إداري تنظيمي أو ضمن لائحة صادرة من هيئة تنظيمية، لأن لغة القانون تختلف عن لغة القرارات واللوائح، نظراً إلى أن النصوص القانونية هي على الوجه الأغلب قواعد عامة ومجردة، فيكفي أن تُصاغ لحمل مضمونها السابق بعبارة «يُمنح العامل راحة أسبوعية...»، دونما حاجة لأن يُضاف إليها «يجب تنظيم العمل بالمنشأة بحيث يُمنح (أو يحصل) العامل على ...»، وحيث أن القاعدة القانونية هي في الأغلب عامة ومجردة، أي أنها تتصف بالتجريد والتعميم، فمن المعيب أن تُصاغ بعبارة «يحصل كل عامل...»، إلاّ إذا كان المقصود هنا عمالاً معينين، كأن يكونوا من فئة معينة، فحينئذ يصح أن تكتب بـ «كل عامل»، بينما المقصود في النص «العمال بشكل عام»، فليزم إذاً أن يكون النص عاماً ومجرداً بأن يكون «يحصل العامل على راحة أسبوعية». وهكذا بالنسبة لصاحب العمل يجب أن يأتي النص بعبارة «يجوز لصاحب العمل» لا بعبارة «يجوز لكل صاحب عمل». مع الإشارة إلى أن هذا العيب متكرر في القانون للأسف الشديد في أكثر من موقع.
(2) جاء في النص عبارة «يحصل العامل على راحة أسبوعية لا تقل عن
أربعة وعشرين ساعة كاملة»، وفي عبارة أخرى «يمنح العامل راحة أسبوعية لمدة تزيد على أربعة وعشرين ساعة متتالية». فمن ظاهر النص نلحظ أنه مشوب بعيبين هما «التكرار» و»التناقض»، ويظهر التناقض بين النصين التاليين:
«لا تقل عن أربعة وعشرين ساعة»، و»لمدة تزيد على أربعة وعشرين ساعة».
وهذا التكرار والتناقض يُعدان عيباً تشريعياً غير مقبول سواء من جهة الصياغة أم جهة التشريع، مما يخلق جدلاً؛ حيث يترتب على هذه الصياغة المعيبة نتائج خطيرة، أهمها وقوع الالتباس في التطبيق، فضلاً عن الاختلاف في التفسير.
(3) بالعودة إلى النص السابق، نقرأ فيه «يعتبر يوم الجمعة راحة
أسبوعية، ومع مراعاة وقت صلاة الجمعة للمسلمين، يجوز لصاحب العمل أن يستبدل هذا اليوم لبعض عماله بأي يوم آخر من أيام الأسبوع». هذا النص ليس فقط حمّال أوجه وحسب، إنما هو بحق «هَرْطٌ في الكلام»، فظاهره يُعلن أن المُشرِّع من حيث الأصل وبشكل عام قد حدد يوم الجمعة راحة أسبوعية، لكنه أجاز لصاحب العمل «استثناءً» أن يستبدله بيوم آخر في الأسبوع لمن يشاء من عماله، أي بمعنى أنه يجوز لصاحب العمل تشغيل العامل في يوم الجمعة.
فإذا كان الأمر ذلك؛ فكيف إذن يعود المُشرِّع ليطلب من صاحب العمل مراعاة وقت صلاة الجمعة للمسلمين طبقاً لما جاء في النص؟
فإذا ما علمنا أن صلاة الجمعة هي غير صلاة الجماعة لا تُقام إلاّ في الجوامع، فهل يقصد المُشرِّع من النص السابق أنه لا يجوز لصاحب العمل تشغيل العمال المسلمين وحدهم في يوم الجمعة «كافتراض أول»، أم أنه يلزم عليه فقط أن يجيز لهم بالخروج من العمل لأداء صلاة الجمعة في أحد الجوامع «كافتراض آخر»، أم أنه يستوجب على صاحب العمل توقيف العمل خلال فترة الصلاة «كافتراض ثالث»؟.
فأي افتراض من الافتراضات الثلاثة لا يحمله النص ولا يدل عليه بوضوح، وبالتالي يصدق على النص السابق القول إنه «هَرْط في الكلام».
ثانياً: جاء في الفقرة (ب) من المادة رقم (57) من قانون العمل الجديد لسنة 2012 أنه «لا يجوز تشغيل العامل يوم الراحة الأسبوعية أكثر من مرتين متتاليتين إلاّ بموافقته الكتابية». وهذا النص يقابله النص الوارد في المادة رقم (80) من قانون العمل القديم لسنة 1976، وهو «لا يجوز تشغيل العامل يوم الراحة الأسبوعية أكثر من مرتين متتاليتين».
وبمقارنة النصين نلحظ أن الفارق بينهما يكمن في عبارة «إلاّ بموافقته الكتابية»، أي بموافقة العامل، التي أضافها قانون العمل الجديد. وبهذا الفارق يتبيّن لنا أن قانون العمل القديم كان يمنع بشكل مطلق تشغيل العامل في يوم راحته الأسبوعية لأكثر من أسبوعين متتاليين بموجب قاعدة قانونية آمرة لا يجوز مخالفتها وإنْ كانت بموافقة العامل؛ وذلك حفاظاً على صحته وضمان سلامته نظراً لحاجته الفسيولوجية، ولكي لا يخضع العامل لابتزاز وهيمنة صاحب العمل بإرهاقه بالعمل دون راحة أسبوعية لفترات طويلة متذرعاً بموافقة العامل على ذلك. بيد أن قانون العمل الجديد -طبقاً للنص السابق- قلب هذه القاعدة بجعلها قاعدة غير مطلقة يجوز مخالفتها بموافقة العامل.
وخطورة هذا الانقلاب يتمثل في الخشية من رضوخ العامل لطلب صاحب العمل بإجباره، إما تعسفاً أو لدواعي الحاجة، على أن يعمل بشكل متواصل دون راحة أسبوعية لمدد طويلة جداً على حساب صحته وسلامته، طالما أنه لا توجد هناك قاعدة قانونية آمرة مطلقة لا يجوز مخالفتها تمنع صاحب العمل من ذلك، أو تقف أمامه حجر عثرة من الاحتجاج بموافقة العامل على ذلك.
وهذا النمط من القواعد التي قلبها قانون العمل الجديد وجدناه في النصوص التي سبق لنا تناولها في الحلقات السابقة، وفي النصوص التي سنتناولها في الحلقات المقبلة، الأمر الذي يجعلنا نتيقن من أن المُشرعين الجدد خطوا منهجاً فريداً لديهم بتغليب مصالح أصحاب الأعمال بشكل مجحف على مصالح العمال.
ولنا لقاءات أخرى في الحلقات المقبلة لنكتشف المزيد من الاعوجاج في التنظيم والصياغة والتعبير الظاهر في متن قانون العمل الجديد، والمزيد من الإجحاف الذي وقع على العمال من خلال نصوصه، ولنثبت مجدداً أن هذا القانون هو أسوأ قانون عصري تشهده البحرين.
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 3838 - الأحد 10 مارس 2013م الموافق 27 ربيع الثاني 1434هـ
حسبنا الله ونعم الوكيل
لايرحمون ولا يخلون رحمة الله تنزل والمعنى في قلب الشاعر والفهيم مايحتاج يشرحون لية
قانون العمل الجديد
أريد الحصول على الحلقات السابقة للسيد علي محسن الورقاء
تحياتي لك أيها المحامي
تقدر تروح على يسار الشاشة في نفس صفحة المقال مربع مكتوب فيه (اقرأ أيضاً للكاتب: علي محسن الورقاء) ، بتشوف جميع مقالاته السابقة سواء كانت عن قانون العمل او غيره من التشريعات والقوانين الأخرى،،، في حالتي جمعت جميع مقالاته المتعلقة في قانون العمل وأقرأهم حرف حرف ، وطبعاً بجانبي كتاب قانون العمل للتعرف على القانون بقرب... كل الشكر والتقدير للمحامي على هذه المقالات القيمة وتوضيحه كم إننا مظلومون في هذا القانون الغير واضح والغير عادل وعلى قولته أسوأ قانون تشهده البحرين.. تحياتي لك
موظفة HR
الظلم ظلمات يوم القيامة
لنتأمل هذه القصة التي حدّث بها النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"عُذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعاً، فدخلت فيها النار" قال: فقال والله أعلم: "لا أنتِ أطعمتِها ولا سقيتِها حين حبستيها، ولا أنتِ أرسلتِها، فأكلتْ من خشاش الأرض".