العدد 3838 - الأحد 10 مارس 2013م الموافق 27 ربيع الثاني 1434هـ

عوائل على قارعة الفقر

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

بيدٍ تحمل كيساً يحوي فاكهة الموسم، أو قارورة ماء، يطرق باب نافذتك طفلٌ لم يتجاوز الخامسة عشرة، وأنت تنتظر في سيارتك عند إشارةٍ حمراء قرب أحد المجمعات التجارية التي ربما لم يدخلها هذا الطفل مذ وُلِد، إلا في رحلة مدرسية اضطر ذووه لحرمان أنفسهم من شيء مهم؛ كي يوفّروا له قيمتها مرة في حياته، ليضطر هو للتغيّب عن المدرسة مرات متعددة حين يُوْصِلُ لوالديه إشعاراً بموعد رحلات أخرى لأنه على يقين من أنهم لن يتمكنوا من توفير قيمة رحلة يعتبرونها ترفاً على حساب ما هو أهم من الحاجات الأساسية له ولأفراد أسرته.

يباغتك الحزن كمباغتة هذا الطفل لك، وكمباغتة الفقر الذي لم يستأذنه كي يتعرف أكثر على معنى الطفولة بعيداً عن ثقل مسئولية ألقيت على كاهله على غفلة من ضحكته.

وأنت بالقرب من المجمع التجاري تفتح نافذتك، تطلب حاجتك منه وتحاول إعطاءه مبلغاً يفوق ما طلب مقابل ما يبيعه لكنه يرجع لك المتبقي بكل أنفة وشموخ، وحين تقول له دع الباقي لك يرفض بعزة نفس تخجلك مما فعلت!

الطفل القريب من الإشارة الضوئية قد يكون هو نفسه ابن المرأة التي وجدتها قبل أمتار بسيطة على رصيف مهمل لا يتناسب وارتفاع البرج القريب منها، والذي ربما لم تفكر يوماً في دخوله أو الاقتراب من بابه الخارجي. امرأة بلباس بهت لونه، تفصلك عنها مساحات من الوجع وتفصلها عن أصحاب البرج أميال من العوز والفقر، تقف على الرصيف لتبيع علب محارم ورقية ربما تستخدم الكثير منها لمسح دموعها ليلاً كي لا يراها أطفالها الذين يظنون أن أمهم لا تعرف معنى الدمع لشدة قوتها وتحملها. تجلس على الرصيف لتبيع أعواد تنظيف الأذن، التي لم تنفع المسئولين الذين أصمهم لهاثهم وراء كراسيهم عن سماع أنينها وآهات وجعها وهي تحاول جاهدة توفير لقمة لأطفالها ودفتر مدرسي يكتبون فيه مسائل مادة الجبر التي تكسر خواطرهم حين يقرأون فيها: «معك عشرة دنانير، وأعطاك أبوك ثلاثين ديناراً أخرى، اشتريت لعبة بخمسة دنانير، فكم تبقى لك؟».

مسألة تمر على غيرهم باعتبارها أرقاماً، وعلى بعض آخر باعتبارها واقعاً معتاداً، فيما تمر عليهم باعتبارها حلماً يجر مزيداً من الدمع كلما تذكروا أن والدتهم لا تملك إلا قيمة خبز يؤكل حافياً مع شاي لم يختلط بالحليب منذ ارتفاع سعره.

وعلى مقربة من البرج نفسه، البرج الذي كان مقراً للوزارة المسئولة عن التنمية الاجتماعية، والمسئولة عن توفير بعض من احتياجات الفقراء كأمثال صديقنا الطفل وأمنا البائعة، وتدفع له عشرات آلاف الدنانير شهرياً، كان من الممكن أن تدفع لآلاف العوائل الفقيرة لو أنها اختارت مكاناً غيره.

على مقربة من هذا البرج يقف رجل تحوّل بياض ثوبه إلى اللون الرمادي لقدمه ولطول بقائه في الشارع بالقرب من عوادم السيارات، يقف وهو يحمل قناني مياه معدنية وضعها في ثلاجات بلاستيكية حمَّلت ظهره مزيداً من الألم لما احتوته من ثلج كفيل بأن يبقيها باردة لتنعش مشتريها، وهو الذي قلّما يمد يده ليفتح واحدة يطفئ بها عطشه في نهارات الصيف الحارة؛ كي لا يخسر قيمتها. رجلٌ غطى الشيب رأسه، يبيع المياه لأنه لم يجد ما يغنيه عن الوقوف في الشارع ليوفر لأهله احتياجاته الأساسية.

ليست خيالاً هذه المشاهد التي كتبت أعلاه، لكنها واقع في قلب عاصمة السياحة العربية لهذا العام، إنها واقع في العاصمة المنامة!

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3838 - الأحد 10 مارس 2013م الموافق 27 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 8:15 ص

      هالله هالله...

      هذا فيلم...اتصور ان الكاتبه قد قرات قريبا رواية البؤساء
      لانها غارقة في خيال تلك القصة..ببساطة المقدمة غير معقولة...فالرحلات المدرسية الحكومية لا تكلف الطالب اكثر 500فلس او دبنار...وهي تتصور ان العائلة تحرم نفسها من وجبة او من مهمات او غيره..عشان رحلة..هرار

    • زائر 18 زائر 16 | 10:23 ص

      شكلك مو في البحرين

      هناك عوائل لا تمتلك ثمن خبز وانت تقول رحلة بدينار
      رحلات المجمعات تعطي الجاهل دينار للمواصلات ولازم في ايديده اقل شي 3 دينار للالعاب
      روح عيش في القرى الشيعية وبتعرف ان الكاتبة عايشة في البحرين وان البؤساء واقع هني

    • زائر 15 | 8:03 ص

      سلمت يمناك

      تمتلكين حس يجذب القاراء

    • زائر 14 | 7:49 ص

      بلد العجايب

      صدر في سلطنة عمان الشقيقة مرسوم على أن يكون البائع في السوق المركزي عماني وأن يكون الحمالي أجنبي, في حين نرى خلاف دلك عندنا. إن مثل هدا الطفل وتلك المرأة يجب أن نقبل أيديهم إد أنهم لم يمدوا أيديهم ولم يطرقوا أبواب الناس كما يفعل الأجانب ومن أراد أن يتأكد فليزر المحرق! (محرقي/حايكي)

    • زائر 13 | 4:56 ص

      وهناك الكثير

      اتمنى من الكاتبة القديرة ابنة دهنيم الحرة ان تاتي الى المعامير وبلدان سترة للكتابة عن مستوى الفقر الذي نعيش فيه نحن نشتغل ليل ونهار ولا نستطيع ان نوفر الحياة الكريمة لاسراتنا ونحتاج للاخرين نتدين منهم نهاية الشهر لنكمل بقية الشهر

    • زائر 10 | 2:46 ص

      آآآه

      مقال إقشعر منه بدني من هول ما نعيشه من الظلم

    • زائر 9 | 2:11 ص

      لك الف تحية يا اختي العزيزة

      نعم القلم الذي سطر ابياتا من جراحاتنا ونعم البصيرة التى اولجت سطورها لحنا يغذي آهاتنا ويشطر همومنا وكربنا اللهم لك الحمد ان خلقت فسويت وأمت وأحييت وعلى الملك احتويت وعلى العرش استويت الف حمد وشكر لك ياربي والف تحية لكاتبتنا العزيزة فاتمني المواصلة بهكذا اسلوب فى العسعسة لتضوي على همومنا وكربنا فلك تحية مني

    • زائر 8 | 1:44 ص

      والله سالت دموعي

      لحال هالوطن ياتون بالغريب ووووووالخ
      وأبناءه غريبين

    • زائر 5 | 12:45 ص

      كلمة حق بعيدا عن المزايدات

      عزيزتي الكاتبة لماذا المبالغة لهدرجة بأن هناك فقر في البحرين
      يجب معرفة معنى الفقر أولا قبل كتابة أي مقال عنه
      يجب البحث عن معناه في
      الدول الفقيرة التي تعيش تحت خط الفقر
      الشخص الذي يبيع الماء على قارعة الطريق يملك في جيبه هاتف جالاكسي
      ماهذا التناقض

    • زائر 7 زائر 5 | 1:24 ص

      ما شاء الله

      ما شاء الله طلعت فيلسوف و احنا ما تدري ... ممكن اتعرف لينا احنا الجهال معنى الفقر ... بنكون شاكرين لك

    • زائر 12 زائر 5 | 4:34 ص

      ههههه

      انت شكلك غلطان.الهاتف الي عنده آ فون. واذا مو مصدق روح اسأله.

    • زائر 4 | 12:01 ص

      في الصميم

      المعونات التي تصرفها وزارة التنمية الاجتماعية للفقراء لا تسد حاجاتهم الاولية فهي تعتمد على صرف مبلغ ثابت مهما كانت ظروف العائلة ولا تهتم باختلاف الظروف

    • زائر 3 | 11:55 م

      مقال رائع لواقع مؤلم

      في كل فقرة احتجت للكثير من القوة لكي اكتم بكائي ولكن هذا واقعا حقيقيا في البحرين خصوصا في القرى . الله يسلم هذا القلم الجميل

    • زائر 2 | 11:35 م

      رحمك الله يامولاي يا ابا الحسن

      أهذه الدوله الديمقراطيه التي يتشدقون ؟ بها أهذه دوله العدل والعداله ؟ يالله كم آلمتني سطورك ايتها المخلصه لله والوطن .

    • زائر 1 | 10:37 م

      جميل ماشاءالله بالتوفيق والنجاح يارب العالمين

      جميل ماشاءالله بالتوفيق والنجاح يارب العالمين

اقرأ ايضاً