تحمّلوا سذاجتي وتفكيري البسيط حين أطرح أسئلة أصبح من البدائي طرحها في واقع ملغّم وقابل إلى التشطير والتفتيت بمباركة جهات يسرُّها ذلك، ويسرّها جداً أن تتعهّد تشحيم الآلة الجهنمية التي تنفث سمومها في المحيط الذي عشنا فيه منذ مئات السنين؛ على رغم الأنواء والكوارث والتحوّلات والتبدّلات التي مرّت بهذه البلاد.
لا أفهم، كيف يُراد لحوار أن يؤتي نتائجه ومحصّلاته، والآلة الإعلامية الموجّهة مازالت تلقي ما اكتظ في نفوس كتّابها المرضى من حقد وغلّ وكراهية ودعوات صريحة لمزيد من القمع والتهميش والإلغاء والإبعاد، من دون أن ننسى اللازمة الممّلة والكريهة التي «عطنت» أفواه أصحابها لكثرة ترديدها وكأنها أجهزة تسجيل مبرمجة على مدار الساعة: خونة، أتباع إيران، صفويون، وقائمة طويلة لها ابتداء وليس لها انتهاء؟ لا أفهم كيف يُراد للحوار أن يؤتي أُكُله ونتائجه ومحصّلاته، فيما أطراف مشاركة في الحوار بعد أن تنهي جلسات الشاي والمناكفة في الإعداد للحوار تتفرّغ مساء إما بشكل مباشر أو عن طريق الوكالة، استفزازاً وتخويناً وإمعاناً في البذيء من الكلام الذي يكشف عن مستوى انحطاط لم تعرفه هذه الجزيرة في تاريخها؟ لا أفهم كيف يُراد للحوار أن يُؤتي أُكُله فيما القبضة الأمنية مستمرة في استفزاز الناس. يكفي الرجوع إلى أشرطة الفيديو على «يوتيوب» لضابط يأمر فصيله التفرق يميناً وشمالاً في أدوار القيام بتوزيع مؤونة «مسيّل الدموع»، في شارع لا أثر لنملة فيه، ويتم تفريغ الذخيرة على البيوت والنوافذ والناس من المفترض أن تكون آمنة في بيوتها.
لا أفهم كيف يمكن للحوار أن ينهي ما حدث من تجاوزات وكوارث وقتل وتعذيب واختطاف وفصل وفرز طائفي وتطاول مسّ المقدسات لمكوّن رئيس - شاء من شاء وأبى من أبى - في ظل أصوات هي تعلم ونحن نعلم أن أي تعقّل واعتراف بما حدث وتوصّل إلى اتفاق للخروج من هذا النفق سيضعها في مهبّ الانكشاف.
انكشاف قبح الذين حرّضوا - ولايزالون - والذين من مصلحتهم أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه؛ لأن في ذلك منافع ومعاشاً لهم، لاشك سيُضرب في مقتل وستجفّ منابعه، وفي ذلك هلاك أو شبه هلاك لهم، على الأقل ولو بشكل معنوي إن لم يكن مادياً!
لا أفهم كيف لأي دولة في العالم تريد عن حق وبصدق أن تخرج من أزماتها ومشكلاتها، وفي الوقت نفسه تعمد إلى تراكم الأزمات والمشكلات؟ أحاول أن أفهم؛ لكن حتى الأشياء والبهائم لا تريد أن تفهم من يحاول أن يستسخف تفكيرها ووجودها، ويصرّ على أنها وجدت لخدمته وسوْقها سوْقاً متى وأنَّى شاء، من دون أن نضع اعتباراً للذين روّجوا لاختراع ليس من صنعهم (الريموت كونترول)، ذلك الذي اتضح بعد سنوات من اختراعه، أنه صُنع عنواناً للشرف بحسب تأزّم المراحل واحتقانها، والمنافع والغنائم و «صنبورها»، بعد أن خرج علينا بعد عقود من اختراعه من لم يستح أو يخجل من التصريح بذلك، ليكون عنواناً ويافطة يمكن رؤيتها عن بعد سبعة آلاف كيلومتر وليس 707 كيلومترات مربّعة.
لا أفهم كيف لأي أمة، حكومة، كيان، مجموعة في العالم أن تنتظر حلاً لمشكلاتها ما لم تعترف بالأخطاء أولاً، وقيام مصالحة تستند إلى أسس وقيم وعهود ومواثيق، وجبْر الكسر والضرر، وضمان ألاَّ يكون ما حدث حلقة أولى ضمن حلقات أوسع وأكبر وأشمل وأفظع في الممارسة؟ أفهم، وكثيرون يفهمون، وخصوصاً أولئك الذين مسّتهم سطوة التشفي والغلِّ والحقد والفرْز وتشطير الناس بحسب مذاهبهم وأسمائهم ومناطقهم ولهجاتهم، وحتى ألوانهم؛ لكن ما أريد ويريدون إيصاله: ألاّ شيء يدل على الفهم فيما حدث؛ وخصوصاً في استخدام قبضة البطش واستنفاد كل إمكاناتها ومواهبها، وابتزاز الناس في أرزاقهم وحقهم في العمل والحياة، واستهداف حتى الذين في قبورهم مطمئنين آمنين – أو من المفترض أن يكونوا كذلك – في استفزاز لن ترى صوراً له إلا لدى من أوتي حظاً «عظيماً» من العُقد والأمراض والانحراف عن فطرته.
ما أريد التوصل إليه هو الآتي: أي حكومة، أمة مجموعة بشرية كبيرة، أو مجموعة بشرية لا تتجاوز شخصين؛ وحتى الشخص الواحد إذا كانت تعاني من أزمات ومشكلات وتريد بصدق توجهاً يضع حلاً لتلك الأزمات والمشكلات لا يمكن أن تتبنّى وتنحاز وتتهافت على الحلول المؤقتة؛ لأنها بذلك إما أنها تفكِّر في استدعاء وإعادة إنتاج تلك الأزمات والمشكلات، وليس من مصلحتها أن تعمل على وضع حلول نهائية لها، لأسباب ذكرتها في ثنايا المقال، وإما أن تكون أدمنت عدم التصالح مع المحيط الذي وجدت نفسها مهيمنة عليه وممسكة بأنفاسه. مثل ذلك لا يعدو كونه هروباً إلى الأمام من المشكلات، ولا يمكن إقناع أي كائن كان أن كل هذا السُعَار الإعلامي والملايين التي تضخ هنا وهناك، وخصوصاً تلك التي تم رصْدها للذين هم على استعداد لأن يكونوا أجهزة تحكّم عن بعد في يد جهات لم تفتح خزائنها لهم على مصراعيها؛ بل الفتات والنفايات مما تلقي إليها، لا يمكن إقناع كل أولئك بأن هدفاً أسمى يسعى ويعمل على لمّ شعث الأمة والذود عن أي محاولة لجعلها فرقاً وشِيَعاً.
الحلول المؤقتة في الأزمات والمشكلات حنين والتصاق بها في شكل أو آخر.
فقط هي فرصة لالتقاط الأنفاس لتعود آلة الحصد بتعدّد أشكالها ومواهبها في استئناف دورها القميء. القميء جداً. القميء جداً جداً. القميء جداً جداً جداً!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3838 - الأحد 10 مارس 2013م الموافق 27 ربيع الثاني 1434هـ
بناء الأوطان تتطلب فهم الواقع والحكمة.
ولى زمن الاستعباد دون رجعه. ليس في الصالح ضرب أبناء الوطن الواحد لبعضهم كما يراد. ليس في الصالح جلب وتجنيس الأجانب ليحلوا محل المواطن،فغدا وليس بالبعيد سترون أنهم سوف يستلبون الوطن،فنصبح جميعنا اغرابا،حيث لن يكون هناك فرقا لأي طائفة تنتمي. حكموا عقولكم،فأنتم باقون طالما أنكم تعملون بمبدأ العدالة والإنصاف،فسياسة الأرض المحروقة سوف تبتلعكم أولا.
قلم جميل
نحتاجه للتعبير عن عمق الازمة التي نعيشها..
واقول: ان من يفعل ذلك لايريد حلا بالاساس بل يريد ارغام الطرف الاخر ان يقبل بسقف منخفض جدا ربما فقط اعادة الحال لما قبل 14 فبراير فحسب مع بعض الشكليات وربما الوعود طويلة الامد..
مع تهبيط الراس واعلان الاستسلام والتعهد بعدم المحاولة مرة اخرى.
هكذا باختصار.
القير إخترب ما يرجع ورا
الرجوع للخلف صار وبات أمرا مستحيلا .
والكل يقولها بكل صراحة وبملئ الفم أما النصر أو الشهادة .