العدد 3836 - الجمعة 08 مارس 2013م الموافق 25 ربيع الثاني 1434هـ

قراءة في ديوان الشاعرة سوسن دهنيم «ثلاث أغنيات للقلب»

سوسن دهنيم من شاعرات البحرين التي تابعت تجربتها منذ بواكيرها الأولى وهي تصدر ديواناً مشتركاً مع صديقتها منى الصفار في العام 1998 حمل عنوان «غائب ولكن».

ومنذ تلك التجربة أصدرت «قبلة في مهب النسيان» العام 2001، ومن ثم ديوانها الأخير «وكان عرشه على الماء» الصادر عن وزارة الإعلام في العام 2008. وفي هذا الديوان تظهر قيمة الماء باعتبارها مكوناً يخترق ضمن ظلال المعنى الكثير من القصائد تعد بأربعة عشر قصيدة يكون الماء ظاهراً فيها، كما يظهر بذاته في العناوين أو بإحدى مكونات حقله الدلالي داخل القصائد. وبالطبع يظهر الماء في عنوان الديوان وهو ذاته عنوان إحدى القصائد داخل الديوان، وهو أمر مألوف في تسمية الدواوين والقصص القصيرة.

العشق فعل الخلق

واليوم لن نتناول قيمة الماء باعتبارها تخترق الديوان بأشكال تبعد أو تقترب من ملامسة سطح أو عمق البنية الدلالية للقصائد، لكننا سنحاول محاورة ثلاث قصائد بعنوان «منشور للعشق 1، منشور للعشق 2، منشور للعشق 3»، والتي يخترقها منذ البداية فعل القول الذي هو ارتداد داخلي لمسألة الخلق الأول الذي انبثق عن فعل القول كن فيكون، بينما القول هنا أيضاً خالق للقلب الذي هو محط المشاعر باعتباره الرمزي. فكل القصائد تبتدئ بعبارة «نقول للقلب» والقول هنا للشاعرة، ففعل القول يحمل ضمير لجماعة المتكلمين على تقدير «نحن نقول».

وسبق أن أشرنا إلى استحالة كلام المجموع بضميرهم باعتبارهم متكلمين في فعل القول إلا في الجوقة على المسرح أو في الغناء الجماعي باعتباره أمراً معداً سلفاً. وهو من الضمائر العربية التي يتكلم بها الفرد باعتباره صوتاً للجماعة قادماً من ذلك العمق التاريخي لأنا القبيلة التي يكون فيها الفرد مساوٍ للقبيلة والقبيلة مساوية للفرد، وبقت ربما كذلك باعتبارها طبقة تاريخية في اللغة، نجد أن اللغويين يشيرون إليها باعتبارها حالة تفخيم مثل «نحن فلان» ويظهر التناقض في تركيب العبارة، ولكنه مقبول في اللغة فكل ما قالت العرب فهو من العربية.

العشق الإنساني حالة شعورية بين رجل وامرأة، وعندما نتكلم عن العشق نتكلم عن تاريخ واسع في الشعرية العربية، ولكنها عند سوسن دهنيم تظهر باعتبارها حالة صراعية بين الرجل والمرأة داخل القصيدة.

هذا الصراع يظهر كحوار داخلي بين الشاعرة وذاتها لتخلق حالة التمزق بين التجاوز والخنوع، بين الذكورة التي تعبر عنها بالفحولة والقبار وبين الأنوثة التي يعبر عنها قلب الشاعرة. فهل نحن أمام شعر نسوي بهذا المعنى، من دون وجود تنظير فلسفي يجعل المرأة أمام الرجل مباشرة؟. ولكن يمكن بسهولة أن نرى الواقع الاجتماعي وهو يفرض حالة الذكورة على كل مناحي الحياة ويدفع المرأة نحو الاستسلام عبر كبت الذات وإدخالها كهف الرهبنة.

العشق المعاند

لكن الشاعرة هنا تظهر الحالة الصراعية باعتبارها تحريضاً للذات أمام انكسارات الحياة التي تهيمن عليها الذكورة، فينهض الموت في القصيدة باعتباره حالة قسرية لا فكاك منها. وتذهب الذات الشاعرة نحو تعميق المقاومة فيكون الشعر تحريضاً للقلب على ترك التردد والانكفاء وتدعوه للتحرر والانتفاض بشحذ الجرح، وتدفعه للغناء وإقصاء كل التوابيت التي تشير إلى الواقع الميت الذي يواجهه القلب. لكن فعل المقاومة يجعل السر في مواجهة الموت نقشاً على النعش الذي يعده الجناز أو القبار، وتدعو القلب ليكون ليثاً يضاجع ألف غابة، ويقامر بالخطيئة والانتشاء، ليكتمل المنشور الأول بتنصل القلب من الحب الذي لا يغرق الورد ولا الورد يعرفه ليعطي معنى ما للترهب والتعفف عن متع الحياة المباحة والدخول في الحياد

«اشحذ جراحك

وانتفض

حرر أنفاسك،

عن أحلامك

وابعد كل التوابيت عن عينيك

أقصاك جنازها عن نطعه

اضرب عن حرث جسدك

وترهب

خذ سرك

انقشه على نعشك

والتقط المواويل

كن ليثاً يضاجع ألف غابة،

قامر بالخطيئة

وانتش

فلا الحب يغرق الورد

ولا الورد يعرفك».

الحضور في الغياب

يظهر الرجل باعتباره ضميراً غائباً في القصيدة، فيمكن أن نفهم أن القلب الذي أهدى فحولة إخوة أقصتهم الجحيم أو أن هناك شخصاً ما هو الذي قام بذلك، بينما في حالة الحب تنفصل المرأة عن أهلها وهي أي حالة الانفصال حالة صعبة في الحياة الاجتماعية تشبه الجحيم، فالمرأة في الحب تنفصل عن هيمنة ذكور لترتبط بذكر آخر، بينما تشتغل تلك التعاويذ التي أطلقتها عجوز تدعي النبوة بكونها راء ينفى حدوث الليالي البيض التي يكتمل فيها القمر والتي تشير إلى السهر والأفراح، ومن العجيب ارتباط القمر بالمرأة عبر تاريخ الإنسانية، فخصب المرأة وولادتها لهما علاقة ذات دلالة إحصائية مع شكل القمر في السماء، والليالي البيضاء هي الليالي التي يكتمل فيها القمر منتصف الشهر العربي وتشير إلى الليل وبهاء القمر ضمن ما تشير ولعلنا نذهب إلى مسألة تحقيق العشق ربما كما تتصوره الشاعرة باعتباره يتم بالاقتران بينما العجوز تنفي وتبعد أن يتم ذلك ضمن حركة الصراع في القصيدة

«نقول للقلب:

هيئ الجرح وانسحب

فقد أهدر الياسمين نداه

وانتفض

للريح أهدى فحولة اخوة أقصتهم الجحيم

استفاقت أوردتك

وتعاويذ عجوز تدعي النبوة

تنفي الليالي البيض».

استغاثة الفقد

في قصيدة «منشور للعشق 2»، تحيل الشاعرة إلى انتفاء العشق في الحياة الاجتماعية التي ينثرها الود إنما تؤول على المجتمع بكارثة إنسانية معاكس لحالة انتشار العشق والحب فتقوم سيادة الموت عبر ما تشير إليه المقصلة والمشنقة التي تطفو على عيونهم لتصادر ملامحهم رائحة الدموع. فهي تحذر الواقفين باعتبارهم خارج حركة التاريخ وخارج استيعاب العشق الإنساني الذي يعمم الحب على الناس لجعلهم أكثر إنسانية مما هم فيه

«قل للواقفين:

أعيدوا صياغة التاريخ

فباكرا ستطفو على أعينكم مقصلة

ومشنقة

وملامح

صادرتها رائحة الدموع».

لا يمكن أن نشهد موتنا، ولكن الموت ليس حدثاً جسدياً دائماً، إذ هناك ما يموت من دون أن يأخذ منا جزأ من الجسد، لكنه بالتأكيد سيهدر شيئاً من مشاعرنا التي بموتها المعنوي يموت القلب أيضاً ويتحول إلى لوعة فحتى الأشياء الجميلة كالوردة التي ينثرها الود عطراً يمكنها أن تتحول إلى لفافة تبغ وتتحول الزغاريد إلى عويل حتى في الزفاف، هي الوحشة إذ تستعر بغياب العشق وتموج عليها السياط لوعة في ذاكرة من لهب

«نقول للقلب:

قل للوحشة التي تستعر

إن السياط تموج على اللوعة

أبحرت في ذاكرة من لهب

ووردة ينثرها الود عطراً

يلفها موتك تبغاً

عن عويل الزفاف».

عشق بلون العزيمة

لا تكتمل الدائرة إلا باستكمال استنهاض الذات للشاعرة التي تحاول من خلال مطابقة اسمها «سوسن» بالوردة التي تعرف في القصيدة بالسوسن لتكتمل تلك الحركة الصراعية بالانتصار بالمقاومة. فوصايا العشق لا تعمم بمن مات شهيداً أو غريقاً أو عاشقاً، ولكنها تستمر بفعل المقاومة التي تستحث القلب على النهوض بعزيمة الشاعرة سوسن دهنيم ذاتها

«نقول للقلب

الوصايا لا تستفيض بمن مات شهيداً

ومات غريقاً

ومات عاشقاً

فانهض بكل ما لديك من عزيمة

السوسن

انهض».

العدد 3836 - الجمعة 08 مارس 2013م الموافق 25 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:24 ص

      سوسن دهنيم .. تجاوزت حدود الاقليم

      شاعرة وكاتبة .. تجاوزت حدود الاقليم، يلاحقها التألق في كل ما تكتب، كل ما تكتبه يمس هموم شعبها، في تقديري ابدعت في كل دواوينها

اقرأ ايضاً