الثامن من مارس، يوم المرأة العالمي ويومها النفسي والمعنوي الذي يرتفع فيه صدى حديثها الداخلي حتى وإن هفت صوتها الخارجي، ولم يعد بمقدور من حولها الإنصات إليها.

نستذكر في هذا اليوم على المستوى السياسي النساء اللاتي استشهدن في ميادين الثورة، من اغتصبن ومورس عليهن التعذيب في غياهب السجون، من تعرضن للإرهاب والعنف المادي والمعنوي بدءاً من الفصل من العمل، والتهديد والوعيد وسماع عبارة التطهير والشتم يوميّاً، نستذكرهن جميعاً ونهمس لهن بما ذكره أحد الرواة بتصرف: «أغلب الورثاء (المعذبين) ماتوا بنفس الأمراض التي نموت بها ولم ينفعهم بطشهم وجبروتهم. الكثير منهم قتلهم أصدقاؤهم أو ماتوا في العزلة المرة. من يذكر اليوم الشخص الذي أصدر حكمه ضدي وأمر بتعذيبي؟ أو حتى الشخص الذي عذبني؟ أو من سرق ذاكرتي؟ في كل هذه النار الخفية، الشعر (الضمير، الثورة) وحده الباقي وهذا الصوت الشجي، الذي يموت ويحيا، يختفي ويظهر، ينطفئ ويضيْء، يخاتل ويجاهر، سيستمر طويلاً قبل أن ينسحب من هذه الأرض».

على المستوى الاجتماعي نستذكر سي السيد الشرقي، ونعد كم الإهانات التي تلقتها كل شريكة من الشريك فنعجز، مقابل حفنة عبارات حب وبعضٌ من حنان عابر لا يصمد أمام حجم الذكورة المجتمعية ومتطلباتها. نستذكر سهر الليالي في تربية الأبناء والبنات ومذلة النهارات في الأعمال، فهم ناكرون للجميل في أغلب الأحيان وبقسوتهم لا يعترفون. نستذكر أسس الحب الذي تعرفنا عليه في الكتب الحمراء المتأسس على عبارة «التقاء فكري والتقاء عاطفي» وكم هائل من الأغاني العاطفية وأشياء كثيرة حالمة ووعود وعهود لم يلتزم بها. كل ذلك يتحطم في طاحونة مجتمع يضج بثقافته وعلاقاته البطريركية ومتطلباتها التي تضغط على أي شريكين للحد الذي لا تصمد معه عبارة «التقاء فكري وعاطفي»، وتضيع الأغاني والعهود والوعود أدراج الرياح، فتصبح لغة الأنا «وما بعدي الشيطان» هي الزاد اليومي. نستذكر المرأة في هذا اليم الغميق ونهمس لها... صبراً، فأيوب كان صابراً... وأنت لست أقل منه قدرة على الصبر، لاتزال هناك كوة أمل.

نستذكر يومك أيتها السيدة الجميلة، ونذكرك بكم المفاهيم والعبارات والأفكار التي في جعبتك، فهي تذوي وتموت قبالة تخلف في السلوكيات، كافتقاد لصفة الإيثار أو التمتع بغيرة وحسد وأنانية ونفاق وفشل وكمٍّ من تناقضات تجعل من أفكارك ومفاهيمك الملونة المزخرفة بحقوق المرأة ونشاطها العام، و... و... و... مجرد عبارات مسخ ليس إلا، بيد أننا قبالة ذلك نستذكر صورة بديعة لحجم الطيبة والتواضع المقرونة بالذكاء الفطري والاجتماعي والنجاح المهني والعملي في الحياة والعلاقات الإنسانية عند نماذج أخرى من النساء، نخجل منهن حين نطيل النظر في دواخلنا، فنتجرأ رافعين لهن إشارات النصر، ونبتسم لهن داعين أن يحل الثامن من مارس مجدداً على الذكورة والأنوثة في وضع أكثر تحرراً من النفس وأردانها، من الثقافة التسلطية السائدة البالية، من حالات الوهن وإعادة إنتاج التخلف.