السياسة والاقتصاد والمجتمع مثلث متساوي الأضلاع، إذا انحرف ضلع تداعت الأضلاع الأخرى المكوّنة له بالضرر. فلو حرفنا الضلع السياسي - بتمييع القوانين - فسيؤثر ذلك على ضلع الاقتصاد والذي بدوره سيؤثر على ضلع المجتمع. ولإيصال الموضوع بشكل أوضح، حينما لعبنا بمصائر وأرزاق المواطنين، بفصلهم من أعمالهم لأسباب سياسية، ساهم ذلك في إفقار الناس، ما أثّر سلباً على الاقتصاد والحركة التجارية في البحرين.
كذلك عندما لعبت السياسة دور المرض الخبيث المعدي مجتمعياً، تضرّرت الحركة التجارية وحجم البضائع المتداولة. وفي هذا السياق، أذكر مثالاً ذكره لي أحد كبار التجار، بعد بيعه لأحد المتاجر الضخمة 500 كارتون من سائل الصابون، إلا أن هذا التاجر الأخير أرجع البضاعة ورفضها بعد أن عمل أمر الشراء ونقلت البضاعة للمتجر، وذلك بعدما سمع اسم التاجر الذي لا ينتمي لطائفته.
وحين تتم محاربة التجار المنتمين لطائفةٍ بعينها، من قبل بعض وزارات ومؤسسات الدولة، فقط لأنهم ينتمون لهذه الفئة التي لا تروق لهم، وكان من ضمنها إرجاع بضاعة «ماء الورد» لأحد التجار- المغضوب عليهم - من قبل وزارة حكومية، لأنها مصنوعة في دولة إسلامية معينة. بينما لا يجوز أن تتداخل السياسة بالأمور الاقتصادية والتجارية في الدولة المدنية الحديثة، وهذا ما نلاحظه في الحركة التجارية الضخمة بين الدول، كما في حالة إيران والإمارات العربية المتحدة التي بينهما مشاكل حدودية منذ عقود.
لقد ساهمت هذه الأزمة في إفلاس كثيرٍ من المحلات التجارية، وتراكمت الديون على أصحابها ما حدا بها إلى إغلاقها، وهذا بالطبع يؤثر على المجتمع واقتصاد البلد، ويساهم في إفقار الناس، وكان آخرها تصفية شركة وطنية بحرينية متخصصة في الطيران وتهديد شركات أخرى، ما يدفع أسراً بحرينية كثيرة إلى مستنقع البطالة والعوز والفقر، وهو ما يلعب دوراً رئيسياً في عدم استقرار المجتمع.
من بين هذه الترددات، المقاطعة المجتمعية لطائفةٍ ما، ضد هذا التاجر أو ذلك المجمع التجاري بسبب انتمائه وصلته بالنظام. بالمقابل مقاطعة الموالاة لتجار ومجمعات تنتمي للمعارضة. وهذا ما نشهده عند زيارتنا لبعض المجمعات التجارية التي تكتظ بالزوار من فئة بعينها، فيما تكتظ مجمعات أخرى بزوار من فئة أخرى. لهذه الأسباب ندعو لتحكيم العقل من قبل الموتورين والطائفيين المنغمسين في هذه اللعبة، لإيقاف التلاعب بالسياسة في أمري الاقتصاد والمجتمع. فأي ضلعٍ ينهار من مكوّنات هذا المثلث (السياسة والاقتصاد والمجتمع) ينسحب بالضرر على الأضلع الأخرى.
ولو فكّرنا بعقليةٍ ناضجةٍ متنوّرةٍ، لا يجوز أن يُدار الوطن بهذه السياسات العنصرية المقيتة، مع علمنا بمكونات البلد وتاريخه، الذي يمتاز بالتسامح والإخوة والتصاهر والأخلاق الحسنة والعلاقات الطيبة بين أبناء الشعب الواحد. لهذا يجب مناهضة من يروّج لهذه الأفكار الخاطئة، ولاسيما في موضوع قطع أرزاق الناس، وعدم اتخاذ سبل الانتقام من أبناء الشعب بفصلهم من أعمالهم وتجويعهم.
كل هذا يدفعنا لنصدح بقول الحق للمتحاورين في العرين، فالصديق من يؤلمك بنصيحة خيرٌ لك من صديق يهوي بك إلى الجحيم، لاتخاذ موقف مسئول، والوقوف مع حقوق الشعب المشروعة، من برلمان كامل الصلاحيات وقضاء مستقل، وعدالة اجتماعية ومساواة بين الناس، مع ضرورة التوافق على مبدأ الحكومة المنتخبة والأمن للجميع. فهذه من البديهيات التي لا يختلف عليها أي عاقل، سواء كان يحمل فكراً دينياً أو علمانياً أو ليبرالياً أو شيوعياً أو بوذياً وما سواها.
إن كثيراً من الدول العربية مقبلة على تغييرات جوهرية في أنظمتها السياسية، طال الزمن أو قصر، فلماذا لا نكون السباقين في هذا المجال، لنفسح الطريق للشعب للمشاركة في القرار، تطبيقاً للمبدأ الدستوري «الشعب مصدر السلطات»، والدفع نحو الديمقراطية والقضاء على الأزمة التي عصفت بهذه الأضلع، ومحو ترسباتها من الوطن.
من يكون مخلصاً لوطنه وشعبه، ولا تأخذه في الله لومة لائم، عليه أن يتخذ مواقف إيجابية في خدمة الشعب، تسجّل له وتخلد اسمه، وهذا ما نتوقعه من أبناء هذا البلد عبر الشروع في العمل على إنجاح الحوار أو التفاوض... والله ولي التوفيق.
إقرأ أيضا لـ " أحمد العنيسي"العدد 3834 - الأربعاء 06 مارس 2013م الموافق 23 ربيع الثاني 1434هـ
مقال جدا جميل
اولا اشكرك على هالمقال الحريص على الوطن والمواطن فعلا مقال موفق بارك الله فيك. اما بالنسبه للفصل التعسفي اسمح لي اقول لك هذا الافعال تنم عن حقد دفين داخل قلوب اشباه الرجال الذين يتشفون في قطع ارزاق الناس بدون سبب نسال الله يصلح امور بلدنا الغالي ويصلح بعض النفوس المريضه واذا ما انصلحت مزبلة التاريخ في الاتنظار وشكرا.
كل المطالب
تحت اقدامهم قد يعطون الشعب شيئا مما لايضر مراكزهم ودخلهم هم -السطة -وموالاتهم يريدون الديكتاتورية الاستبدادية لانهم ينعمون ويعطون والبقية ليسوا مهمين
لذالك يسمونه العالم الثالث
الجهل من البعض والطائفية والمصلحة الشخصية في تأجيج ذالك ولهذا السبب تخلف وهل سمعت في اوروبا والدول التي تحترم الانسان هذه الافعالة المتخلفة .
سلمت يداك يا بويوسف
كل هذا يدفعنا لنصدح بقول الحق للمتحاورين في العرين -الصديق من يؤلمك بنصيحة خيرٌ لك من صديق يهوي بك إلى الجحيم-، لاتخاذ موقف مسئول، والوقوف مع حقوق الشعب المشروعة. ستراوي
تحليل ممتاز دكتور
تحليل علمي راقي وتسلسل منطقي
مواطن
سلمت يداك وصح لسانك ولكن هناك من لا يمكنه العيش إلا في هذه الاجواء حيث تتعرض مصالحه للخطر ويموت ادا خرج من هذا المستنقع . اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك آمين رب العالمين