يتمثل العنف، في أبسط صوره، حين التهديد لفظاً بالضر، وفي البدء بعملٍ يضرّ الجسد ولو بأبسطه، وفي التسبب بالضغط النفسي بقصد الإضرار أو التهديد به، وفي التعدي على البيوت والساحات الخاصة بالولوج دون استئذان، وبقذف الحجر وكسر زجاجة سيارة أو نافذة منزل، حتى وإن كان دون قصد النتيجة.
هذه أشكال عنفٍ بسيطة، يتم حلها عبر تعهد الجاني كتابةً في مراكز الشرطة بعدم تكرارها، من بعد اعتذارٍ للمجني عليه، وتعويض خسائره البسيطة، ويرتقي إلى درجة أعنف، حين التعدّي بالضرب أو برفع سلاحٍ أبيض أو عصا، أو بسبٍ وشتم، أو بتعرضٍ للعرض لفظاً وفعلاً، وهذه يوجب القانون لها عقاباً، في حدود الضرر، وبما لا يجعلها تتفاقم في المجتمع.
ثم هناك العنف المفرط القوة، كأن يرد مسبوب ومشتوم، بالضرب، أو يرد مصفوعٌ بطعنٍ بسلاح أبيض، أو بطلق ناري، وباختصار بردّ عملٍ بسيط العنف بأعنف منه، والتسبّب بضرٍّ أكثر مما تضرر به المجني عليه، وهنا تشتد العقوبات.
وهناك العنف الرسمي الذي يقوم به أفراد من السلطات، سواء المدنيين أو الأمنيين، ضد متظاهرين ومطالبين بحقوق، بأن يستخدموا القوة المفرطة، في حين بإمكانهم التعامل بطريقةٍ أكثر إنسانية، لتحقيق ذات النتيجة من مثل التفريق أو القبض، أو حين تصويب طلقات السلاح، أياً كان نوعه، سواءً طلقة مسيل دموع أو طلقة صوتية، أو رصاصة مفردة، إلى أجساد المتظاهرين، في الأجزاء العلوية، وخصوصاً الصدر والعنق والرأس، أو الإطلاق عن قرب، سواء بجهل تأثير الطلقة على الجسد الآدمي أو بمعرفته، فما بالك بالرصاص الانشطاري المحرّم دولياً، أو تسالي بعض من رجال الأمن بقذف مسيلات الدموع في منازل ومقار عمل المواطنين، أو ممارسة تدريباتهم في دقة التصويب إلى رؤوس المواطنين، ما أدى إلى استشهاد أكثر من مئة شهيد، خلّفوا آلاف المتألمين من أهاليهم والمقهورين، خصوصاً أنهم لم يجدوا بالمقابل إلا إفلات الجانين من العقاب، الأمر الذي جعل العنف الرسمي يستمر ويتعاظم ويتكرّر.
وهكذا نتيجة تجاوز الجهات الرسمية لقوانين حقوق الإنسان المحلية والدولية، والتعدي على الحقوق المدنية والسياسية، والإفلات من العقاب، جعل من البعض تَبَنِّي العنف المضاد. وهكذا حلقة تقود إلى حلقةٍ أكثر ضراً في تصاعد لا ينتهي، خصوصاً أن التوصيف الرسمي للحراك الشعبي العام بكل صوره السلمية والعنفية البسيطة، من حرق الإطارات، أو إغلاق شارع، بالخيانة للوطن، والارتباط بالخارج، في تسفيهٍ للتواصل الإعلامي والسياسي بين الأحزاب على مستوى العالم، والرأي العام المحلي والعالمي، وكأن التواصل بقيادات الدول الأخرى، غير مباحٍ إلا للسلطات الرسمية لتشويه صورة شعوبها.
وحين الرد بإيضاح الحقائق، تكون الشعوب خائنة، في قصر نظر سياسي، باختزال الوطن في سلطاته، وتهميش أن هناك شعباً، أصله مصدر للسلطات، في التكوين والمحاسبة، في حين أن القانون أصله معاقبة كل جانٍ سواءً كان جهازاً في السلطة أو أفراداً من الشعب. والمقاضاة والعقوبة لا تكون في الشوارع، بل في ساحات القضاء عبر نظام المؤسسات والقانون، وتجاوُز ذلك دعا بعض الموتورين الكارهين للناس من هذه الطائفة أو تلك، يمارسون القتل في الشوارع، عبر طلقات السلاح والدهس، متحامين بوضعهم الأمني أو العائلي أو الطائفي.
ممارساتٌ مثل هذه، في ظلّ المحاباة القانونية لها، تقود المجتمع برمته إلى الغوغاء، وأخذ الثأر الشخصي باليد، فتعم المجتمع الفوضى، وتتحلل السلطات ويغيب القانون، فما الحل؟
الشعب سيد نفسه، فلا يتمثله أي كان، لا سلطات ولا نواب ولا مندوبون عنه لحوار أو مفاوضات، ما لم ينتخبهم الشعب بإرادته الحرة، أو يزكيهم عبر استفتاء، فالحوار القائم حالياً لا يتعدى تبادلاً للرأي ما بين الجمعيات السياسية، المعارضة منها في جانب، والقريبة من الخط الرسمي والحكومة، وبعض أعضاء مجلسي النواب والشورى، في الجانب المقابل، وهذا شأنهم، فلا يتحدّث أحدهم باسم الشعب البحريني، ومن أراد أن يستمع لكلمة الشعب، فليستمعه من خلال صناديق الانتخابات، التي تفوّض المتحدثين باسمه، في أي محفل، سواءً أمام السلطات المحلية أو الدولية والأممية، أو في الحد الأدنى عبر الاستفتاء الشعبي العام.
الشعب سيد نفسه، حين يكون لكل مواطن صوت، دون أدنى تمييزٍ لقوة هذا الصوت ما بين انتماءٍ لدين أو مذهب أو طائفة، أو عائلة أو جنس، وهو صوت للمواطنين، دون الخلط بالآخرين من المقيمين سواءً من العمالة الأجنبية ومن حديثي التجنيس، وخارج القانون، وقانون التجنيس نفسه يحتاج لشرعيته استفتاء الشعب عليه، إذ أنه لا يقل عن الدستور في القبول الشعبي به.
والشعب حين ينتخب نوابه في البرلمان أو حكومته، لم يفوّضهم مصير حياته دون قيود، ولم يمنع على نفسه، حق محاسبتهم وتقويمهم متى ما ارتأى تطاولهم إلى ما لم يفوّضهم فيه، أو الحيد عن الصالح العام، لذا تنص الدساتير على الحق الشعبي، في التظاهر والتجمعات السلمية، التي لا يجوز بأي حال من الأحوال التعامل وإياها بغير السلمية، التي تقود إلى الاستفتاء الشعبي، أو سحب الثقة والانتخابات من جديد لممثليه سواءً في البرلمان أو الحكومة.
والأجهزة الأمنية، دورها حفظ الأمن وتطبيق القانون من خلال أحكام المحاكم، التي لا تتجاوز إجراءات التفريق، عن غير طريق العنف والسلاح، مثل ما شهده العالم إبان حراك 14 فبراير/شباط لغاية اليوم.
فهل تعي السلطات الثلاث من جهة، والشعب بكل طوائفه ومكوناته من الجهة الأخرى، أن الشعب مصدر السلطات، في تكوين هذه السلطات من داخله، وإنشائها، وحلها وإبدالها، وأن كل هذه السلطات ما فوّضها الشعب إلا لخدمته، وهو صاحب الحق في عزلها عبر التظاهر والتجمعات في الميادين والشوارع بالوسائل السلمية، من دون مسٍّ بأمنه وحقه، وهل يعي أطراف الحوار القائم ذلك أيضاً؟
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 3833 - الثلثاء 05 مارس 2013م الموافق 22 ربيع الثاني 1434هـ
تحمل منهم ترا هم مثل النداس
لا يكون متآمر علينه واحنا يا غافلين لك الله، سلمت وسلم قلمك والله يحفظك ويبعد عنك المطبلين والمتمصلحين والف تحيه واحترام
قمة الإبداع أستاذي الفاضل
أتساءل لماذا البعض حباه الله بقدر من الحكمة والعقل ليتفكر ويتدبر من حوله ؟ والبعض الاخر يحيى كما تحيا البهائم أجلكم الله رغم وضوح الحقائق نرجو الهداية والصلاح للجميع فالمواطن البحريني يستأهل حياة افضل من هذه الحياة فلماذا نستكثر عليه وهو يرى غيره من مشارق الارض ومغاربها يجلب ليعيش في بحبوحة من العيش وهو بالحسرة
من بلاغته
اخي العزيز ينطبق عليك قول الكبير سيد العارفين بعد الله جل جلاله وبعد رسوله محمد خاتم النبين وهو قول سيدنا امير المؤمنين علي عليه افضل التسليم حين قال لاتستوحشوا الطريق لقلة سالكيه ، ولا اخفي ما في داخلي يا اخينا فانك تمشي في طريق يستوحشه الكثيرون من حولك ولكنك شجاع والشجاع لا يخاف لومة لائم وحتى لو كان الطريق الذي تمشي فيه موحشا كذلك ينطبق عليك قوله ايضا لم يجعل لي قول الحقيقة من صديق واعتقد بان كتاباتك هذه هي عين الحقيقة وكذلك هاهي االتي من حواليك تبتعد ولا تصاحبك ولكن لك شعبك المظلوم اي كان
نائب يتآمر على الشعب
النائب الذي ذهب الى وزير الداخلية يتآمر على الشعب منتخب بصورة غير شرعية وهو يتآمر على الشعب والله عيب عليك ايهو الشخص لن أسميك نائب لأنك انت غير نائب انت متآمر
بيض الله وجهك يا شريف...دعوة لكل الوطنين للمساهمة في حملة إنقاذ وطن
يا ولد سيادي الف شكر ولك كل التقدير واتمنى من كل الاقلام الوطنية ان تساهم بزخمها الوطني واحساسها الانساني في هذه اطروحة وحملة إنقاذ الوطن عبر كتابات جادة ورصينة تسهم في رفد الحركة المطلبية لشعب البحرين وتعزيز نضالاته عبر تدوين وتوثيق المشاكل و رصد خطوات الحكم والقوى المطبلة باسلوب علمي رصين وطرح البديل الحضاري الت تمتلكه المعارضة الشريفة.
تسلم
نريد منك لكل الشعب
أصابت عين الحقيقة يا إستاذ يعقوب ...
تلك الحلقة المفقودة التي تبحث عن من يجدها ويطبقها !! فكل الأذان تصم عن الحقيقة وناهيك عن التخبط الذريع والمتأزم الذي يبثه الإعلام الرسمي من جهة ومن جهة أخرى الجمعيات السياسية والمعارضة والموالية ..
وكما تقول هذا الحوار للرأي فقط ...لا غير عن ذلك والحل لا يأتي إلا من الشعب ومن خلال الصناديق عدى كل هذا سراب يحسبه الضمان ماءا ...
شكرا من أعماق القلب
يعجز القلم عن شكرك يابن سيادي وأنت تصول وتجول بقلمك الحر الشريف دفاعا عن شعبك وناسك وان دل على شيء انما يدل على حبك في المقام الأول لوطنك وعشقك لأرض الأجداد البحرين الحبيبة. والف شكر وتحية لك.
مقال تنبيهي الى من يهمه الامر
يعجز السان عن الثناء والشكر الى هذا القلم الوطني,مشكلتنا في البحرين مزمنه لان الكل فجاة ظهر علينا ويقول بأنه يمثل غالبيه الشعب ولاندري من هو الذي فوضه ولايقبل حتى بعرض ما هو يتفق عليه يعرض الى الاستفتاء الشعبيواذا هم يدعون بأن هم يمثلون الشعب فالماذا رفض الاستفتاء؟ وانظر الى النواب الذي صوت عليهم الشعب المغدور به والمهدد بقطع المعونه عنه من الصناديق الخيريه والجمعياتالاسلاميه اذا لم يعطي صوطه الى فولان ولمجرد وصلهم الى المجلس يتحولون الى موظفين في الدوله وينسون الذينه اوصلوهم.
يعقوب سيادي
من المعجبين بكتاباتكم صح لسانك مواطن شريف
مقال رائع
مقال رائع، بارك الله فيك
بارك الله فيك
لا يوجد توصيف لوضعنا الراهن أفضل من توصيفك و قراءاتك حفظكم الله من كل مكروه
من المتابعين لمقالاتكم
وفقكم الله لقول كلمة الحق و في ميزان حسناتكم
شكرا شكرا شكرا توصيف دقيق جدا
للكاتب المحترم الف شكر على هذا التوصيف الدقيق للحالة البحرينية من ناحية شرعية الشعب التي يفوض من خلالها بعض النواب عنه وما هي حدود هذه الصلاحية. وما هي مسؤلية الاجهزة الامنية في طريقة التعامل مع الشعب وهل لهم الحق في كل ما يقومون به من استخدام مفرط للقوة قتل لحد الآن 132 شهيدا سقطوا جرّاء هذا العنف السلطوي ثم يحاولون انتقاد منظمات حقوق الانسان
يعطيك العافية بابا يعقوب
لا عدمنا من مقالاتك الجريئة وكثر الله من أمثالك.
لا حُرمنا منك ..
الأستاذ الكبير سيادي، منذ ان بدأت تكتب ومقالك كل يوم له "نكهة" جديدة و كل مرة نتوقع منك الأجرأ والأفصح والأوضح، لا تخاف في الله لومة لائم. لم اجد تعبيرا و توضيحا أدق ولا أجمل ولا اشرف مما ذكرت في الفقرة الثانية من مقالك فيما يتعلق بـ"تمثيل الشعب". لك رأي حصيف حكيم وقلم سيّال كريم.. لا حرمنا الله من طلّتك ودمت بسلامة و عافية
الف تحية