منذ مطلع العام 2011 وخريطة مستقبل الشعوب العربية تغيّرت مع تكرار هتافات «الشعب يريد إسقاط النظام»، كما تغيّر هي نفسها مع حراك الحرية وحقوق الإنسان من الخليج إلى المحيط. ولعل هذا ما جعل المنطقة العربية محل اهتمام المراقبين والمحللين والصحافيين، بعدما كانت «تابو» من أيّ متنفس حقيقي ينتقد النظام السياسي بصورة لا تخلو من قمع ودم وإرهاب.
إن المرحلة الحالية التي تعيشها الشعوب العربية أفرزت بطبيعة الحال، صحوةً عربيةً تدعو وتنشر مفاهيم حقوق الإنسان والحرية الغائبة كلياً في حياة المواطن العربي، وذلك بعيداً عن الأدلجة المنبثقة من النظام الشمولي أو القبلي أو الفكر العقائدي.
لقد اكتشف الشباب العربي الذي يكافح اليوم استغلال الإسلام في العمل السياسي، كما في مصر وتونس، كما اكتشفت الشعوب أن الميادين هي مكانها لتتنفس حريتها المسلوبة. وعندما قمعت الميادين انتشر الناشطون العرب في الفضاء الإلكتروني وحوّلوه إلى ميدانٍ من نوع آخر. وفي خضم ذلك بقي الحديث الرسمي عن الديمقراطية مستهلكاً، يعكس مدى ضعف الإيمان بهذا المبدأ داخل تشكيلات تعيش اليوم صراعاً علنياً بين المطالبين بالديمقراطية والمطالبين بإبقاء الديكتاتورية.
ولكن نشهد منذ فترةٍ محاولات لتجيير وتشويه الحركات المطلبية بإعطائها صبغة عرقية أو طائفية تفرّق المجتمع وتقسّمه إلى فرق متناحرة، ولكن رغم ذلك لم يغيّر كثير من الوضع القائم خصوصاً في أوساط الشباب الذي يريد نظاماً أكثر مدنيةً، ونظاماً بعيداً عن الأدلجة. ولهذا فإن النضال لتأسيس دول مدنية حديثة مازال هدفاً يطمح شباب الميادين العربية إلى تحقيقه.
وهو ما أشار إليه الكاتب الصحافي الألماني ميشائيل لودرز في كتابه عن الربيع العربي تحت عنوان «أيام الغضب - الثورة العربية تغيّر العالم»، بقوله «إن المجتمعات العربية كانت تعيش متقوقعة في «كبسولة الزمن الماضي»، على رغم استقلالها بعد حقبة الاستعمار، وأنَّ الربيع العربي جاء ليعبِّر الآن عن إرادة الشعوب العربية وجعلها تواقةً إلى تحرير نفسها من هذه الحلقة المفرغة، أي حلقة الركود الفكري وانعدام الآفاق الاقتصادية».
ويذكر لودرز أن «الكثيرين كانوا يرغبون بكلِّ وضوح وفي أماكنٍ كثيرة، في النظر إلى أنفسهم باعتبارهم أمّةً واحدةً وشعباً ناضجاً والإسلام لا يشكِّل بالنسبة لجيل الفيسبوك سوى عقيدة، وفي بعض النواحي لم يعد حتى حياةً دينيةً بقدر ما هو أسلوب حياة».
الصحافي الألماني انتقد «نظرة الغرب الأحادية إلى الأحداث التاريخية التي يشهدها العالم العربي»، وكتب أن «بدايات الثورة في تونس ومصر، البلدين اللذين يمرَّان بمرحلة تحوّل، إلى حرب التحرير في ليبيا ومقاومة الخليج لهذا التغيير (...)، يرسم صورةً لعالم عربي متحوّل تتحدَّى مجتمعاته للمرَّة الأولى في التاريخ أنظمتها البالية». ويضيف أن «الربيع العربي كشف أنَّ بعض الحقائق المزعومة هي مجرَّد صور نمطية، وأنَّ بعض المسلمات هي مجرَّد كليشيهات». ويقول «إنَّ الغرب خاض حربين في العراق وأفغانستان من أجل تصدير الديمقراطية، ولكن من دون نجاح؛ والآن يثبت العالم العربي أنَّه قادرٌ بنفسه على التخلص من حكَّامه الذين فقدوا شعبيتهم». ويضيف «إنَّ الغرب قد قبل الأنظمة الشمولية كبديهيات مسلم بها، وان العرب يحتاجون في آخر المطاف لحكومات لها يد من حديد». وفي رأيه أنَّ مثل هذه الآراء المشحونة بالإسلاموفوبيا هي التي تحدِّد وجهة نظر الغرب، وهذه صور نمطية خطيرة.
إن ما ذكره لودرز يؤكد أن المشهد السياسي العربي لا يمكن أن يفصل الشباب الذي مازال يحلم ويطالب بدول مدنية حديثة لا تميّز ضده ولا تحدّد حقوقه على اعتبارات إثنية أو عرقية أو مذهبية، ولكن حقوق مدنية تسير ضمن أطر وقوانين تحقّق العدالة الاجتماعية والنظام السياسي العادل الذي لايزال غائباً كلياً في المجتمعات العربية.
إن ذلك يعني أن الصحوة العربية لن تقف عند حد معين، ولكنها مازالت تشهد تحولات لن تنتهي إلا بتغيير حقيقي يخرج من إرادة الشعوب الراغبة في تحقيق الدولة المدنية الحديثة التي تضم الجميع دون استثناءات.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 3833 - الثلثاء 05 مارس 2013م الموافق 22 ربيع الثاني 1434هـ
بس الخليج
دول الخليج للحين ( تابو) من اي متنفس والا يتنفس مكانه بارز داخل قعر السجون.