هناك مواضيع لا يستحي كاتب مقال الرأي أن يعاود القول فيها؛ بالطرح الجديد أو الحجج الأقوى أو بالمساهمة في إيجاد حلول جديدة... أو حتى من باب ذكِّر فإنّ الذكرى تنفع العرب المؤمنين بعروبتهم جزءاً من هويّتهم ومقوّماً من مقوّمات شخصيّتهم. ويبدو أنّ موضوع واقع استخدام اللغة العربيّة ومستقبلها هو من هذه الفئة من المواضيع، بل لعلّه واحد من أبرز المواضيع الوطنية والقومية في البلاد العربيّة جمعاء من أجلها تعقد الندوات والمؤتمرات وحتى القمم.
ولئن تناولتُ هذا الموضوع سابقاً، في سياق اليوم العالمي للغة العربية، الذي ترعاه منظمة اليونسكو (شهر ديسمبر من كل سنة)، فإنّ اغتنام مناسبة إحياء يوم اللغة العربية، من طرف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، يكون من باب اصطياد الفرص لإعادة طرح موضوع اللغة العربية، لمزيد ملامسة واقع استخدامها المرير وللمساهمة في اقتراح بعض الحلول علّها تلقى آذاناً صاغية وإرادةً فاعلة.
دعنا أولاً نوضّح بعض دلالات: «اللغة العربية الفصحى لغة أمّ» ولو بصورة مجازية؛ إنّها العربية (الفصيحة) على الصعيد العربي وهي (أمّ) «لأنها تحنو على أبنائها وتحوطهم بالرعاية والحنان والعطف والمحبّة والاهتمام ... وتوحّد بين أبنائها وتضمّهم في بوتقة اللقاء الروحي والمحبّة والتفاهم مادامت اللهجات العامية تفرّق بين أصقاع الأمّة في حين أن الفصحى تجمع ولا تفرّق» على حدّ قول الكاتب محمود السيّد.
وقد لا نتجنّى كثيراً حين نقول إنّ العقوق هو السمة الغالبة على كل أبناء الضاد على أيامنا هذه؛ حيث تشهد لغتنا العربية الفصحى وضعية صعبة: فمن المخاطر التي تواجهها مزاحمة اللغات الأجنبية لها (الفرنسية في دول المغرب العربي)، و(الإنجليزية في دول الخليج العربي)، بل ومزاحمة العاميات الدارجة للعربية وتدنّي مستوى الأداء اللغوي في قطاعي التعليم والإعلام حيث تسود العامية في البرامج التي تبثّ في أغلب القنوات الفضائية العربية وفي المسلسلات التلفزيونية، وتكاد تسود العامية على ألسنة عدد كبير من المعلمين والمتعلمين وللأسف.
ولعلّ السبب الرئيس لكل هذا هو غياب السياسة اللغوية مع أن دساتير الدول العربية تنصّ على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية المعتمدة، إلا أنّ هنالك هوّة بين ما تقرّه الدساتير وما يطبّق على أرض الواقع. ولقد أدى غياب السياسة اللغوية إلى غياب التخطيط اللغوي، فكانت الفوضى اللغوية في الشوارع وواجهات المحلات حيث تجد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال أجدادنا العرب!
أمّا عن الفجوة بين العربية الفصحى ومجتمع المعرفة فحدّث ولا حرج، إذ إنّ نسبة حضورها على شبكة «الإنترنت» ضئيلة لا تتجاوز 2 في المئة مقارنة بالإنجليزية أو الفرنسية. ولا يفوتنا أن نشير إلى أنّ ثمّة تلكؤاً في مواكبة المستجدات العالميّة والتفجّر المعرفي، ولم تتمكّن مجامع اللغة العربية على رغم الجهود التي تبذلها في وضع المصطلحات العربيّة مقابل المصطلحات الأجنبية، من مواكبة ذلك التفجر المعرفيّ.
كما يمكن أن يُعزَى هذا الواقع اللغوي المتردّي إلى غياب السلطة اللغوية اليقظة التي تسهر على سلامة اللغة القومية وتتمتع قانونياً بصلاحية التدخل الفوري لحمايتها من التشويه والتحريف عبر إصلاح ما يرتكب فيها من أخطاء وتوفير اللفظ الفصيح كلما استُعمِل محله لفظ أعجميّ أو دارج.
ولا يخفى على أحدٍ أنّ اللغة العربية الفصيحة هي عنوان هويتنا وذاكرة أمّتنا وجسرها للعبور من الماضي إلى الحاضر، ومن الحاضر إلى المستقبل، بالتوجه نحو مجتمع المعرفة حتى تكون دوماً لغة الحياة وبالتالي فإنّ لغتنا تنتظر منا أن نخدمها أكثر، وأن نساهم في انتشارها وإشعاعها، ذلك كونها وعاء لثقافتنا وقيمنا وأدبنا، وكلّ دولة عربيّة مدعوة إلى الاهتمام باللغة العربية أكثر من ذي قبل وإعطائها المكانة التي تستحقها كلغة دين وأدب وثقافة وتكنولوجيا وتنمية في كل المجالات.
ومنظمة الألكسو تجعل من النهوض باللغة العربية هدفاً من أهدافها الاستراتيجيّة، وتعتقد اعتقاداً راسخاً أنّ لغتنا القوميّة هي أساس هويّتنا، وتجعل من الحفاظ عليها ودعمها من أوكد الواجبات لأنّها عماد هوية جميع العرب من المحيط إلى الخليج وفي بقية أنحاء العالم والدرع الواقي لثقافتهم. وبذلك يبدو دورها عظيماً في جمع شتات العرب وتوحيد صفوفهم في صلب أمة عظيمة متماسكة لها مكانتها بين قوى الأمم.
ولكن ماذا بعد هذه المقالات وتلك المؤتمرات والندوات؟ لابدّ من تكاتف الجهود للعمل على تقوية الوعي بأهمية المحافظة على اللغة العربية وتطويرها في المدارس ووسائل الإعلام بغاية خلق اتجاه عام نحو الافتخار بلغتنا العربية «فكلّما زاد وعي المواطن بلغته زاد وعيه القومي تفتّحاً على أمته تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، وزاد شعوره بالانتماء إلى تراث أمّته ثقافة، وإلى عروبته انتساباً، وإلى هويّته افتخاراً مادامت اللغة الأمّ هي الوطن الروحي للأمة، وإذا فقد أيّ شعب لغته فقد هويّته وانتماءه وفقد وطنه الرّوحي» على حدّ قول أحد المنشغلين الغيورين على لغتنا العربية.
لكن هذا الهدف لا يتحقّق ما لم يقع تجسيد قرارات سياسيّة عربيّة جريئة تضع حدّاً للوضع الراهن للغة العربية وتفتح أمامها كل السبل لنقل الأمّة العربيّة إلى مجتمع المعرفة، وترتقي بها فى المجالات الإداريّة والاقتصاديّة والثقافيّة والعلميّة باعتبارها هويّة الأمّة العربية ورمز وحدتها.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3832 - الإثنين 04 مارس 2013م الموافق 21 ربيع الثاني 1434هـ
فعلا هو من ذاك الباب
حتى من باب ذكِّر فإنّ الذكرى تنفع العرب المؤمنين بعروبتهم جزءاً من هويّتهم ومقوّماً من مقوّمات شخصيّتهم.
لغة القرآن
واجب على كل عربي مسلم الحفاظ على لغته كي يحافظ على دينه
تسمع كلاما
"ومنظمة الألكسو تجعل من النهوض باللغة العربية هدفاً من أهدافها الاستراتيجيّة"
طيب لكن ماذا فعلت على الواقع في جيبوتي والصومال وإريتريا مثلا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
نعم هو ذاك...بارك الله فيك
لابدّ من تكاتف الجهود للعمل على تقوية الوعي بأهمية المحافظة على اللغة العربية وتطويرها في المدارس ووسائل الإعلام بغاية خلق اتجاه عام نحو الافتخار بلغتنا العربية
شكرا على الطرح
يا رب يعملون ببعض هذه المقترحات