«الحرب تبدأ في العقول»... قول مأثور
اكتسبت حملة الكراهية ضد مكون أساسي من الشعب وشيطنة المعارضة أبعاداً خطيرةً مع بدء الحوار الوطني ما بين المعارضة من ناحية وثلاثي تحالف السلطة من ناحية أخرى. إنها استراتيجية خطيرة لدفع هذا المكوّن للكفر بإمكانية إنصافه أو قبوله كمكوّن وطني أساسي شريك في الوطن، ويترتب على ذلك بالتالي تحمل المسئوليات في كل مواقع الدولة العادلة، ودفع ما عليه من تبعات.
إن ما يجري عملية دفع هذا المكوّن لمقاطعة الدولة وزيادة تهميشه، في نظام أشبه بنظام الفصل العنصري لجنوب إفريقيا، حيث تطهّر الأقلية البيضاء الأكثرية الإفريقية والآسيوية، واحتكار الثروة والسلطة، وتهميش وقمع أغلبية الشعب. أما الهدف الثاني فهو إما إجبار المعارضة، على الالتحاق بالسلطة من موقع التابع الذي يقبل الفتات، وبالتالي شقّ صفوفها ودق إسفين بينها وبين جماهيرها، وبالتالي تصبح لا حول لها ولا قوة؛ أو دفعها للتطرف والخروج من العملية السياسية والحوار، والذي هو أصل معتل ولا يقوم على قواعد عادلة. كما إنه يستهدف وضع اللوم على المعارضة في فشل الحوار وبالتالي عزلها عن التعاطف العربي والدولي الذي أدرك أخيراً عدالة قضيتها ومعقولية مطالبها، وأضحى يتعامل معها وخصوصاً الدول الكبرى، بشكل رسمي وإيجابي.
لا أريد أن أستطرد في تبيان جوانب هذه الاستراتيجية التي تقود الدولة مكوناتها وتنضوي تحتها قوى سياسية وجمعيات أهلية، وصحافة ورجال دين ومثقفون وأكاديميون. وباختصار فهي استراتيجية القمع الشامل والتجريم قضائياً وسياسياً، والتشهير والإقصاء والتهميش. إنها حالة حصار لغالبية الشعب، في حرب غير معلنة.
ألا تدرك الدولة ومن التحق بها، أن هذه الاستراتيجية قد تحقق لهم إخضاع الشعب مادياً، لكنها لا تستطيع إخضاعه معنوياً مادام مستعداً أن يقدّم كل التضحيات؟ ألا تدرك الدولة مغزى أن تزغرد أم ثكلى لاستشهاد ابنها وتزفّه كالعريس إلى قبره؟ ألا تدرك السلطة أنها بذلك تحكم على أشلاء وطن وشعب ممزق؟ ألا تدرك أنها تترك ندوباً عميقة في ذاكرة المواطنين؟ البحرينيون لم ينسوا حتى الآن هجمات (الفداوية) في العشرينات، فكيف سينسون ما يجري اليوم وهو موثّقٌ بالصوت والصورة، وتتجاوز ضحاياه كثيراً ما جرى في العشرينات.
أمامنا تجربة لبنان القريبة حيث توصل اللبنانيون إلى تسوية، وإن لم تكن مثاليةً، بقبولهم بالعيش المشترك وتقاسم السلطة بعد حرب أهلية لمدة خمسة عشر عاماً أكلت الأخضر واليابس. وأمامنا تجربة جنوب إفريقيا حيث تمت تصفية النظام العنصري وإقامة نظام ديمقراطي على أنقاضه، يستوعب ويمثّل مختلف مكوّنات الشعب العرقية، السود والبيض والآسيويين، ومختلف التيارات السياسية من الشيوعيين حتى اليمينيين، واليوم يتفاخر أبناء جنوب إفريقيا بانتمائهم لهذا الوطن العظيم بعد أن كان سجناً كبيراً في نظر العالم.
الصورة واضحة، وهي كالحة جداً ومؤلمة لكل من له ضمير، والحل واضح: إيقاف استراتيجية القمع الشامل وحملات الكراهية وشيطنة المعارضة. مطلوبٌ تغيير جذري في ذهنية الحكم، والإتيان بحكومة وفاق وطني من الأسرة الحاكمة ومكوّنات الشعب، ثم الدخول في مفاوضات جدية في ظل أجواء انفراجية وثقة بإيقاف حملات القمع والمحاكمات الجائرة وإطلاق سراح جميع المعتقلين وعودة المنفيين وإعادة الجنسية لمن أسقطت عنهم. ذلك حدث جزئياً في بداية العهد الجديد، ولكن جرى الارتداد عنه بحيث دخلنا في مرحلةٍ أسوأ من مرحلة التسعينات. ومن دون ذلك لن يتقدم الحوار إلى الأمام لأن الدولة تريد به إلهاء المعارضة والدول الصديقة في الوقت الذي تواصل فيه استراتيجيتها، وفي أفضل الأحوال انتزاع تنازلات من المعارضة عبر المفاوضات ما لم تنتزعه بالقوة، وهي استراتيجية معروفة خبرتها المعارضة من قبل ولن تسقط في حفرتها مرةً أخرى.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3831 - الأحد 03 مارس 2013م الموافق 20 ربيع الثاني 1434هـ
مقال رائع و موضوعي
شكرًا لهذا المقال الرائع و الموضوعي ولو أخذ بعين الاعتبار لكن له مردوده الإيجابي على جميع مكونات الشعب و السلطة معاً
تعريف العنصرية
الامم المتحدة تعرف جريمة الفصل العنصري ، على أنها "أعمال غير إنسانية ترتكب لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عنصرية من الأشخاص على أية جماعة عرقية أخرى وقمعهم بشكل منهجي"، في حين أن ميثاق روما الأساسي يشير إلى جرائم الفصل العنصري، بصفتها الأفعال غير الإنسانية التي ترتكب في سياق نظام مؤسسي قائم على القمع والسيطرة بصورة منهجية من جانب جماعة عرقية ضد أي جماعة عرقية أخرى، حيث ترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام"
المكونات العرقية في البحرين
البحرين مكونة من اعراق متعددة العرق البحراني و القبلي و العرق الفارسي بمختلف مذاهبه و المنتمين للعرق البحراني هم الاقدم وجودا على ارض البحرين كما تدل آثارهم الفكرية و العمرانية و مقابرهم
أم ثكلى
مابالنا بأم الشهيد الجزيري التي تحترق لجسد ابنها المسجى في ثلاجة الموتى وروحه المعذبة التي لم تهنأ بمستقرها عندر ربها فنحن غرباء حتى بعد قتلنا يتم التنكيل بنا فهل هذا الأمر يرتضيه الحكم في البلاد كلكم راع فما سيكون ردهم لرب العباد لا نعلم بما جرى ونحن لم ولن نسامح من اخطأ بحقنا الى يوم الدين يوم القصاص الاكبر ولن نقول عفا الله عما سلف لان ماسلف خلف جراح تدمي ليوم الدينوهي سابقة لم تشهدها اي من دول الخليج
ألف تحية
ألف تحية أستاذ عبد النبي على المقال الرائع، نعم نحن في حرب تستخدم فيها جميع الأسلحة النفسية والمادية، والأفق مظلم والحور غير جاد من قبل السلطة،ولكن يجب أن يبق الصبر والأمل ومواصلة النضال من أجل نيل المطالب .
في الصميم ولكن
لاتخف كل شي مراوح محله ويأبوزيد ماغزيت.
ربما جنوب افريقيا فهمت الدرس ووعته ولكن في البحرين لا درس يفهم
حسب وجهة نظري كل الدول يمكن ان تتعلم من اخطائها وتعود الى رشدها الا البحرين لا امل في اصلاح الوضع حقيقة اراها بعيني واتمنى ان يكذب احساسي وشعوري
الحمد لله خلصت جنوب افريقيا من العنصرية وزادت العنصرية اضعافا لدينا
الحمد لله الذي جعل من البحرين على قائمة البلاد التي تمارس التمييز والفصل العنصري لكي تصبح الدولة الاولى في العالم في هذا المجال
هكذا تتطور البلدان والا فلا
نعم إننا نشهد نظاما عنصريا يفوق ما في جنوب افريقيا وغيرها
ما يحصل الآن هو تكريس شامل لنظام وتمييز وفصل عنصري كامل اكثر مما كانت عليه جنوب افريقيا وايرلندا وغيرها مثل قضايا الهنود الحمر.
ما ذكرته هو غيظ من فيض يمارس على ارض الواقع ويأتي لك من يحاول بهرجة
التصرفات الرسمية
توصيف دقيق
مقال جميل وتوصيف دقيق للوضع فى البحرين , ولكن هل تستوعب عقول من فى الحكم هذا التوصيف ؟! وهل تتخلى القبيلة عن عرفها وتنتقل الى المواطنة بتلاوينها ؟! نحتاج الى الاف الاقلام لتفكيك عقلية البداوة وادخال عقلية التحضر والمدنية لا بالنصوص وانما بالافكار والعقول .
مقتطفات من كلماتك الرائعة
-اكتسبت حملة الكراهية ضد مكون أساسي من الشعب وشيطنة المعارضة أبعاداً خطيرةً مع بدء الحوار الوطني ما بين المعارضة من ناحية وثلاثي تحالف السلطة من ناحية أخرى.
-ن ما يجري عملية دفع هذا المكوّن لمقاطعة الدولة وزيادة تهميشه، في نظام أشبه بنظام الفصل العنصري لجنوب إفريقيا.
-أما الهدف الثاني فهو إما إجبار المعارضة، على الالتحاق بالسلطة من موقع التابع الذي يقبل الفتات، وبالتالي شقّ صفوفها ودق إسفين بينها وبين جماهيرها
-المطلوبٌ تغيير جذري في ذهنية الحكم، والإتيان بحكومة وفاق وطني
البحرين بخير طالما فيها شرفاء من امثالك ايها العكري
البحرين بخير طالما فيها شرفاء من امثالك ايها العكري، كنت ولازلت تخوض ميادين النضال وتنبري المنابر حاملا اصوات المستضعفين والفقراء والمضظهدين ...سلام عليك وجزاك الله خير على هذا المقال الفوق رائع.