العدد 3830 - السبت 02 مارس 2013م الموافق 19 ربيع الثاني 1434هـ

رسائل مواطن إلى الجهات المختصة...مسائل يجب أن تتضح (24)

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

الإيمان بالدولة المدنية ورفض العنف، صفتان لموضوعة واحدة هي الديمقراطية، فلا يتوه واحدنا، لرفض الدولة المدنية، التي هي النظام السياسي للديمقراطية، بسبب مظاهر العنف المتبادل، فيبارك عنف سلطات تملك من أدوات العنف، ما يمحي وطناً، ويأنف من ردّات فعل فردية عنيفة من البعض لرد المظالم. فالديمقراطية الدستورية والمؤسسات والقانون، هي الحل الأنجع لمحاربة العنف في كل أطرافه وأدواته.

فالدساتير تكفل حقوق الشعوب، في التظاهر والتجمعات في الميادين والشوارع، لرفع المطالب الجماعية، ولو كان نافعاً أن تُرفع المطالب في عريضةٍ لنصّ عليها أي دستور، ولو كانت العرائض نافعةً لجعل السلطات تستجيب بالسماع لمطالب الشعوب، ومن ثم الإجابة على ما هو غير مقبول منها، بأسبابه وموانعه، والاستجابة بالعمل على توفير وتحقيق المطالب المتوافق عليها، والبدء في حوار وطني حول المرفوض منها، لما احتاجت الشعوب ولا نصّت الدساتير على شرعية التظاهر والتجمعات للمطالب الجماعية.

على إثر استبيان رأي الشعب البحريني، الذي قامت به الأمم المتحدة عبر مندوبها في 1971، قبيل إعلان الاستقلال، في 14 أغسطس/ آب 1971، توافق الشعب بكل طوائفه والسلطات الحاكمة ممثلةً بالأمير آنذاك، على استقلال البحرين وعدم تبعيتها لأية دولة أخرى كانت، وارتضى شعب البحرين صيغة الحكم بناءً على وعود، باشرت بها السلطات في دستور 1973، عبر المجلس الدستوري (التأسيسي) الذي تشكّل من 42 عضواً، 22 منهم منتخبون شعبياً و12 وزيراً، و8 أعضاء معيّنين من قبل الأمير. وأقر هذا المجلس الدستور بعد إجراء التعديلات اللازمة على المسودة التي أعدتها الحكومة آنذاك، ثم جرت انتخابات المجلس الوطني، الذي تشكّل حسب النص الدستوري من ثلاثين عضواً منتخبين شعبياً، إضافة للوزراء بشرط ألا يزيد عددهم عن 14 وزيراً، وفي كلا مرسومي الانتخابات، تم المنع على رجال الأمن والجيش، الذين غالبيتهم الساحقة بحرينيون، التصويت والانتخاب، وذلك لوضوح الأمر لدى كل الأطراف، أن منتسبي هذين الجهازين، لا يملكون الإرادة الحرة، فعقد المجلس الوطني أولى جلساته في 16 ديسمبر/ كانون الأول 1973، ولم يمضِ عليه أكثر من 18 شهراً، حتى تمّ حله بمرسوم أميري، في 26 أغسطس/ آب 1975، وأُوكِل للحكومة منفردةً حكم البلاد، ودعم ذلك بإصدار قانون أمن الدولة سيئ الصيت.

عند هذه اللحظة التاريخية، بدأ الانفصال ما بين طرفي المعادلة، السلطة والشعب، استمر 27 عاماً حتى 2001، قامت خلالها انتفاضات شعبية متكررة للمطالبة بإعادة الحياة البرلمانية والعمل بالدستور المعطّل، فكان هناك حراك طوال السبعينات والثمانينات والتسعينات، والتي تُوّجت بأحداث 1998-1999، وقد كان العنف متبادلاًً ما بين ابتداء الحكومة به، وردّات فعل بعض المكونات الشعبية.

وقد أدى إلى شلّ الحياة في جوانبها الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ما تسبب في انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتجاوز للعهود الدولية، واستشهاد الكثيرين، وامتلاء السجون، وكثرة المغتربين خارج الوطن، وأسقطت كثرةٌ من الجنسيات عن المواطنين.

خلال تلك الحقبة لم يكن هناك تمييز بين طوائف المجتمع، وقرّبت الحكومة المتمصلحين من جميع مكونات المجتمع، إلا أنه كان واضحاً في أواخر التسعينات، تصدّي الطائفة الشيعية في غالبها، تعاوناً مع اليسار والليبراليين والقوميين، من كلا الطائفتين، وقلة من رجالات الطائفة السنية، وهم من قدم التضحيات الجسام، في ظل صمت الآخرين، لا بل مناكفة الدينيين منهم، في تحريم مقومات الدولة المدنية والديمقراطية، وانتخاب الشعب لسلطاته، واعتبار الحراك الشعبي خروجاً على طاعة ولي الأمر، وتحميل المعارضة السياسية، مسببات إيقاف الحكومة للدستور والحياة النيابية، معتَدّين بتجهيل الشعب وإفقاره لممارسة الديمقراطية، إضافةً للتخوين والارتهان للخارج.

في 2000-2001، من بعد، تطورات الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان، ودعم النظم السياسية الديمقراطية، ارتأت الحكومة العودة إلى النظام الدستوري الديمقراطي، فكانت مبادرة أمير البلاد في موضوعة الميثاق، الذي فاوض فيه المعارضة الشعبية، في الداخل والخارج، وتم التوافق المبدئي، بين الطرفين، على حل الأزمة الدستورية والسياسية والحقوقية، فتم إطلاق المعتقلين، وعودة المنفيين وإعادة الجنسيات، وتم التوافق أيضاً على الانتقال بالبلاد من الإمارة إلى المملكة الدستورية الديمقراطية، بتعديل مواد دستور 1973، ذات الشأن بالملكية، وتعديل المواد الخاصة بالانتخاب، فلم يعد مقبولاًً أن تُحْرَم المرأة من حقها الانتخابي، وبإسقاط قانون أمن الدولة، وإبعاد العناصر التأزيمية في الأجهزة الحكومية ومحاسبتهم، وتعويض المتضررين من بطش السلطات، وبتحديد المفاهيم التطبيقية، لمواد الميثاق، وخصوصاً ما يتعلق بمجلس الشورى للمشورة، ومجلس النواب المنتخب للتشريع والرقابة على الحكومة وبرامجها وسياساتها التنفيذية. ولم تحتج المعارضة إلى الحديث عن النظام الانتخابي، فليس مقبولاً ولا متوقعاً أن يكون إلى الوراء عمّا كان في 1973، وهكذا تم توقيع العهود، ثم جاء التصويت على الميثاق بنسبته المعلنة 98.4 في المئة، ولولا تصويت المعارضة وأطيافها الشعبية، لما تعدّت الأصوات بنعم ربما 30-35 في المئة. فدخلت البحرين حقبةً جديدةً من التوافق الحكومي الشعبي، إلا أنها أعادت سيناريو سابقتها في 1973، فكان قانون «عفا الله عمّا سلف» الذي جمع المعارضين والمتجاوزين لحقوق الإنسان في التركيبة الحكومية، واستفراد السلطات بإصدار الدستور، ثم قانون الانتخابات والدوائر الانتخابية، الذي اعتمد لأول مرة المعيار الطائفي للتفريق بين مكونات الشعب، من بعد استمرار الحكومة في ذلك بشأن التعيينات الوزارية، منذ الاستقلال إلى يومنا، فانتكست حقبة السنتين ما قبل التصويت على الميثاق، لتبدأ حقبة استمرت من 2001 إلى 14 فبراير/ شباط 2011، اكتشف الشعب وقواه السياسية في بدئها، عدم الجدية في الانتقال بالحياة إلى رحاب الممالك الدستورية الديمقراطية. وطلّ علينا خلالها التقرير الشهير، وتلمّست قوى الشعب السياسية، النتائج المتوقعة من وراء التجنيس السياسي، الذى أضحى عشوائياً فيما بعد، في ترجمةٍ عمليةٍ لممارسات السلطات المتجاوزة لنصوص الدستور الذي أتت هي نفسها بمواده، وفي مقدمتها سياسة التجنيس، ربما لتجاوز الدستور بإصباغ صفة المواطنة عبر التجنيس على أفراد غير مواطنين، ثم توظيفهم في بعض الأجهزة، فلا تكون هناك تعدّيات على الدستور في ظاهرها، وفي باطنها ما هو أخطر على الوطن من تجاوز الدستور، فقاطعت المعارضة الانتخابات البرلمانية في أولى فصولها التشريعية، وهي عليمة بنتائج دخولها بتمثيلها بما لا يقل عما حققته في انتخابات الفصل التشريعي الثاني، واتبعت وسيلة العرائض، فما فادت، ثم نحت منحى التغيير من داخل غرفة التشريع، نزولاً عند ما روّجته السلطات، أن التغيير لن يتأتى إلا من داخلها. وبدأت بملف الفساد، ومقترح تعديل دستوري، فواجهت غالبيةً من النواب المنتخبين والمعيّنين والحكومة، فلم تفلح، وجاءت أحداث 14 فبراير، واستقالت المعارضة إثر الإفراط في استخدام القوة ضد المتظاهرين، ما أعاد البحرين إلى أسوأ مما كان إبان قانون أمن الدولة، من كثرة الشهداء وخلال فترة زمنية قصيرة، ولم يسلم منها حتى الأطفال، وآلاف المعتقلين والمفصولين، وامتهان نخبة كفاءات المواطنين من الأطباء والحقوقيين والمحامين والصحافيين والنقابيين، وملاحقة الناس في بيوتهم بالغازات السامة، وما يرفض العقل والإنسانية قبوله، في تحريض وتمييز طائفي قبيح، تم تسخير أجهزة الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، والطائفيين المتمصلحين في ترويجه.

فكان عنفاً غير مسبوق بدأته السلطات، قابله نتيجة استمراره وتكراره وقساوته، بداية ردات فعل عنيفة، من قبل بعض الأطراف الشعبية، فأدخلت الحالة الأمنية الوطن في أزمة، سنتناول علاجها المأمول في مقالة لاحقة.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 3830 - السبت 02 مارس 2013م الموافق 19 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 5:21 ص

      هذا المقال يجب أن ينشر على جميع المواقع الألكترونية للدول العربية

      حتى يعرفوا تاريخ الحراك السياسي في البحرين و نضال الشعب يجميع طوائفه و لا يتهمون الشعب ظلما بالأجندة الإيرانيه

    • زائر 10 | 4:51 ص

      لمن لم يقرى التاريخ

      هذا هو التاريخ النضالي الشعبي بخط الرجل الوطني سيار بوركت كنت أسمعه من أبي المسن وأمي يحكون ماعانوا وماعانا أبائهم قبلهم وأجدادهم ومن يريد الاستزاده فعليه بكتابات سنوات الجريش فالشر والخير صراع قديم حديث

    • زائر 12 زائر 10 | 7:37 ص

      تصحيح إسم الكاتب

      الكاتب هو يعقوب سيادي وليس عيسى سيار، يرجى التنبه فلكل كاتب رؤاه

    • زائر 9 | 3:57 ص

      شكرا استاذ يعقوب على هذا المقال المضيء

      قليلا مانقرا هكذا مقالات مضيئه تثرينا وتمدنا بالامل

    • زائر 8 | 2:34 ص

      والله إني خايف عليك

      من لا يريد خير للبلاد وأنت أعرف بهم وشكرا لك
      وهذا الكتابات سوف تدرس أن شاء الله في مدارسنا في المستقبل القريب وشكرً لك بالتوفيق

    • زائر 7 | 2:31 ص

      سلمت ياصاحب القلم الشريف

      شكرا من أعماق القلب لك ياأيها الصحفي الشريف الذي وقفت مع الحق ومازلت متمسكا به والشعب يكن لك التقدير والعرفان ولن ينسى هذه المواقف وجزاك الله خير الجزاء وشكرا

    • زائر 4 | 1:14 ص

      في الصميم

      بارك الله فيه يابن سيادي

    • زائر 3 | 1:13 ص

      مقال روعة

      بارك الله فيك يابن سيار

    • زائر 2 | 12:00 ص

      اكتب واكتب واكتب

      ايها المناضل الجميل اكتب واكتب واكتب فقطرة الماء تذيب الصخرة ..المناضلون الحقيقيون والواثقون لا يملون ولا يكلون , ( سنظل نحفر فى الجدار اما فتحنا ثغرة للنور او متنا على وجه الجدار ) . وكتاباتك ستفتح ثغرة وستشرق شمس الحرية .

    • زائر 1 | 11:21 م

      رفقا بنفسك

      الم تكن رسالة واحدة كافية تعنونها باسم صانع القرار ومتخذه
      الاطراف الاخرى التي خاطبتها لا تملك الحل
      فورفر وقتك وجهدك ورفقا بنفسك فالمخاطب ليس الا هو

اقرأ ايضاً