العدد 3829 - الجمعة 01 مارس 2013م الموافق 18 ربيع الثاني 1434هـ

«أخذت حصتي من الألم»... أمسية من وجع للشاعرة وضحى المسجن

ضمن فعالية «مجاز الأربعاء» التي تنظمها مجاز للثقافة بالتعاون مع «أبكاد البارح»، أقيمت مساء السبت الماضي أمسية للشاعرة البحرينية وضحى المسجن، تحت عنوان «أخذت حصتي من الألم» على صالة أبكاد في غاليري البارح لللفنون، وقدمت الشاعرة خلالها نصوصاً جديدة من تجربتها الشعرية.

في بداية الأمسية، قال الشاعر الكويتي محمد النبهان الذي قدم الشاعرة أن المسجن تعتبر من أهم التجارب الشعرية في الخليج، مشيراً إلى أن النصوص الجديدة تحمل تجربة مختلفة للشاعرة، مضيفاً أن ما يميز المسجن هو امتلاكها لقدرة تخييل عالية في جانب الصور الشعرية، إضافة طاقة في تأمل وابتكار الفكرة الشعرية، غير أنه أكد أن الأهم هو امتلاكها ما أسماه بـ (الحزن الشعري) الذي يعتبر أنه المصدر الأساسي لتفجير التجربة الشعرية والشعورية في النص.

بعدها قرأت المسجن نص (أبعد من أن أراك) وهو من نصوص التفعيلة القليلة التي قرأتها، إذ غلبت على الأمسية قراءة نصوص من قصائد النثر. وفي النص تحاول المسجن البحث عن طريقة للحب، غير أن الأمر يلتبس عليها، فكل الأشكال والطرق في الحب باختلافها وتنوعها، مربكة ولا توصل المعنى، تقول:

لا أعرف الآن معنى الطريقة في الحب، هل هي شيء دقيق وملتبس

أيحتاج أن أتمهل في فهم حزني لأعرفها، أتشبه هذي الطريقة

ما كنت تعنيه حين تقول بأنك مرتبك من بساطة قلبي

وأني الغبية كالحلم، فارغة كدخان، وأنك تفشل كيف تلم بقاياي

حين تكسرتُ أول مرة، وآخر مرة

أموجودة هي... هذي الطريقة في الحب؟

بعدها انهمكت الشاعرة في قراءة نصوص النثر، والتي غلب عليها طابع الحزن الشديد، والبوح الداخلي. وبهذه النصوص تخرج المسجن من النص التأملي أو العاطفي العام إلى نصوص شديدة الخصوصية، تلتصق بتجارب أحياناً تكون خاصة جداً، وتعالج ببساطة في اللغة والتركيب ودفقات منتظمة من الخيال. غير أن الصدق ربما يكون هو ما يميز هذه النصوص، فهي نصوص تنبش الذاكرة أحياناً للحصول على التماعة شعرية لا تتكرر، تقول في نص (زهرة برية):

«في جدارٍ لم يكن وردياً... زهرة برية تتدلّى من الزوايا، تنبت هكذا من تلقاء نفسها (...)

كبرت من شريان دمنا الممتد نحوها على الدوام

جددت خلاياها من أرواحنا المشبوهة، سرقة صحة أفراد أسرتي واحداً بعد الآخر

على مدى ثمانية وعشرين عاماً، بخدعة مرض وراثي (...)

خافتها أمي، خافتها أخواتي... خفت نظرات الريبة كلما تطلعت إليها...

ولم تكن إلا قصيدة، تتوه كلما حاولت أن أمسك بتلابيب العتمة في روحي».

وتتوسع الشاعرة بشكل أكبر في حزنها، متناولة عدة أمور وبجوانب مختلفة يجمع بينها كلها، التمسك بلحظة العزلة التي يعيشها الشاعر في الغالب. غير أن العزلة لدى المسجن مختلفة، إنها أكثر ضراوة وقسوة أحياناً، وأكثر ألفة وانبساطاً في أحيان أخرى: (وحيدة بالفطرة... وسعيدة بوحدتي) أو (مرحباً يا عزلتي... يا أناي الذي لا أقصده ولا أخونه).

ومن خلال هذه العزلة تحاول الشاعرة التعرف على ذاتها، أو على الأقل تحاول أن (تسأل) عن ذلك، وبتجارب مختلفة قدمت المسجن هذه الأسئلة في طريقة نصوص مثل (صندوق الذاكرة الأسود) أو (دمية سيئة الصنع) الذي تقول فيه:

إلكترونات الفزع تحيط بي على الدوام..

فأكون ذلك الشيء الشرس،

روحي دمية سيئة الصنع

أفككها كل يوم، كل ساعة، كل ثانيتين

وأعيد تركيبها كيفما اتفق.

من جانب آخر، يتبدّى حضور الحدث في (البحرين) منذ 14 فبراير/ شباط 2011 على نصوص الشاعرة، بشكل واضح، فالقصيدة الجديدة التي تكتبها المسجن، لا تبتعد عن الزمن كما قد تفعل نصوص أخرى، كما أنها لا تبتعد أيضاً عن الجغرافيا، وعن الحواس، لذلك فقد حضر الحدث لا كحدث سياسي أو وطني، بل كحدث إنساني، صدمة ما في ذاكرة إنسان، لا شأن بما يجري في نص المسجن للشعار، الأمر كله مرتبط بالشعور، تقول:

من السهل أن يقول المرء كلاماً كهذا الذي نقوله الآن

في الأشهر المشوشة من العام 2011

كلاماً نصف معقول، عن الحياة لحظة النهاية

عن الأخطاء غير المكتملة، الأشياء المتخلخلة في صناديق أرواحنا

من السهل أن نلتفت الآن، لأشياء وشخوص وبلدان..

مروا من عنق الزجاجة، تاركين أرواحهم بلا أبواب وبلا نوافذ.

وهكذا مضت أمسية المسجن في طريق من الألم المتعب، الألم الذي لا يترك فرصة للتنفس، وهو الأمر الذي أخذه عليها بعض الحاضرين الذين قالوا إنها قرأت القصيدة بسرعة، غير أن الشاعرة إيمان أسيري وهي كانت إحدى الحضور، قد ردت قائلة: (نصوص مثل هذي، لا يمكن أن تقرأ سوى بهذه الطريقة، إنها توحّد مع الذات... وتقرأ بحسب ما ترتئيه هذه الأخيرة). وفي العموم لا يمكن القول سوى إن نصوص المسجن هذي تستحق فعلاً أن تضمن في كتاب وهو الأمر الذي وعد به الشاعر محمد النبهان (صاحب دار مسعى للنشر)، لتضاف المجموعة الجديدة لمجموعات الشاعرة الثلاث السابقة.

العدد 3829 - الجمعة 01 مارس 2013م الموافق 18 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً