هل يجوز أن نقولَ بابٌ مُوْصَدٌ أو بابٌ مَصْكُوْك؟ ربما يسخر البعض من هذا السؤال والتخيير، اعتقاداً منه أن الكلمة الأولى هي الأدق لغوياً، على اعتبار أن كلمة مَصْكُوْك يتم تداولها «كَلَهجَة لا أكثر» في غير مكان، سواء في البحرين، أو في عالمنا العربي تحت معنى إغلاق الشيء، وبالتالي فهي تعني أمراً آخر.
لكن الحقيقة أن هذه الكلمة (مَصْكُوْك) جاءت على معنييْن، الأول هو على معنى «مُوْصَدٌ» ذاته كما وَرَدَ في لسان العرب لابن منظور. فنقول: صَكَّ البابَ صَكّاً: أَغلقه، وصَكَكْتُه: أَطبقته. والمِصَكُّ: المغلاق، وهو ما يُوازي المُوْصَد في الحالة الأولى. أما المعنى الآخر الذي وجدته لشرح هذه الكلمة (والذي يعنيني شرحه أكثر من الأول) أنها وَرَدَت للتعبير عن ضرب اللحم في الجسد. يُقال: بعيرٌ مَصْكُوْكٌ ومُصَكَّكٌ: مضروب باللحم. وبناءً على هذا التفسير، فإنه يُمكنني أن أجيز عنوان مقالي اليوم، فأستخدم الثانية بدل الأولى لكي أصِلَ إلى فكرته بطريقة أبتغيها.
في كلِّ الأحوال، فإننا دائماً ما نسمع في صحافتنا العربية والتعليقات المصاحبة لها، عن مناقب بعض الرؤساء والحكام العرب في انتهاج سياسة الباب المفتوح مع رعيتهم، فيأتي أحد الرعيَّة إلى دار الحكم، فيطلب حاجته فيُجاب له من دون عوائق أو رسميات ولا مساءلة عن نَسَبِه أو حسَبه، ولا عن موعد مُسبَق تطلَّب منه أخذه، ولا عن غايته، فضلاً عن أنه لا يُلقَّن من حاجِب الحاكم أو الرئيس عمّا يجب عليه أن يقوله وما لا يقوله.
والحقيقة، أن مثل هذه الدعوات في أغلبها صادقة بريئة إذا ما أخِذَت على عواهنها الأولى. لكن ما ليس بريئاً فيها، هو تعمُّد إثارتها، وإلصاقها عنوةً بِعِلِيَّة القوم من الحكام والرؤساء مع تكييف دِعَائِي لها، حين تقوم بطانات السوء، بِمَنتَجَتِها وإخراجها كما هي تريد أن تظهر به، وذلك لذر الرماد في العيون، وليس للقيام بما يتوجَّب القيام به.
هم ينتقون الناس الذين يُريدون لقاءهم فيدعونهم اسماً اسماً وبعناية خاصة، ثم تأتي الكاميرات المحمولة، لتصوير هذا المشهد، فيظهر أمام التلفاز أن الحاكم يستقبل مواطنيه ورعيته من دون حواجز، ومن دون عوائق، فيسأل عن أحوالهم! ولم يعد سوى أن يصفوا لنا عبر لغتهم الخشبية وإعلامهم المريض، عدد خرمشات ظهره البارزة نتيجة الجراب التي كان يحملها في ظلمة الليل وهو يوزّع الخبز والتمر والشعير والسمن على الفقراء والمحتاجين والمساكين بطرق أبوابهم من وراء حِجاب، في استدعاء «بائس» لنماذج تاريخية ناصِعة، سطَّرها بعض الخلفاء والأئمة والصالحين أثناء ولايتهم.
هذا المزاح الثقيل لا يعني فقط أنه يُخفي كذباً محضاً، بل هو تكريسٌ لمفهوم معقوف للحقوق الواجبة على الحاكم تجاه رعيته، يقوم على «المَنْحْ» و «التصدّق». بمعنى أن الحاكم يفتح بابه فيُعطي مَنْ يشاء ويقبض عمّن يشاء بمزاجه، من دون الحاجة إلى سَنِّ القوانين، التي من خلالها ينال الناس حقهم ومواطنتهم وفق الآلية غير التمييزية ولا الانتقائية، القائمة على رفض نظام الامتيازات، وتكريس المواطنة الحقة والجامعة.
أتذكر هنا حادثة جميلة تليق بهذا الحال، ذكرها أحد أسفار التراث، أنه «قيلَ لكلثوم بن عمرو العَتَّابي التغلبي: لِمَ لا تقصد السلطان فتخدمه؟ فقال: لأني أراه يُعطي واحداً لغير حَسَنَة ولا يد، ويقتل الآخرَ بلا سيئة ولا ذنب، ولستُ أدري أيُّ الرجليْن أنا». والحقيقة، أن ردَّ كلثومٍ هو من أبلغ الردود التي تحاكي ما نذكره، من تمييز الحكم في العطاء، وعدم تطبيق العدالة فيه، لأنه خاضعٌ بالأساس إلى الأمزجة والأهواء التالفة.
نعم، إن ثقافة الباب المفتوح هي أصلها واجِبة وليست مِنَّة (إنْ تمت)، وبما أنها واجبةٌ فإنها توجِبُ عليه أن يكون خادماً لا مانِحاً لها تحت عنوان التصدُّق. فهؤلاء البشر حقٌّ على مَنْ يتسيَّد عليهم أن يكون خادماً لهم وليس العكس، فهم الكلّ وهو الجزء، وهم العام وهو الخاص، وهم أهم عناصر الأمة والدولة، والمُلْك أقلّ هذه العناصر شأناً كما قال الفيلسوف الصيني القديم منسيوس.
أتذكر وصفاً دقيقاً لهكذا واقع، ذكره أحد الناس ممن حباه الله سِعةً في العلم، حين قال: «يتحوَّل الحكمُ إلى حكمٍ فاسد عندما يكون كلّ شيء مُسَخَّراً للحاكم ويدور مداره ومن أجله، فالشعر لا يُنظَم إلاَّ في شأنه، والصحافة لا تَكتُب إلاَّ عنه، والشاشات لا تعرض إلاَّ صوره وإنجازاته وإفاضاته، وبالتالي تدور الدولة كلها مدار ما يريد وما يأمر». دولة «شخص»، واقتصاد «شخص»، وثقافة «شخص» لا مكان للعقل ولا للنقاش العام فيها.
يوماً بعد آخر، يظهر لنا أن سياسة الباب المفتوح التي يُتَغنَّى بها في الإعلام الأصفر، لا تعني سوى المزيد من إغلاق ذلك الباب أمام وافديه، وانتقاله من بابٍ مُوصَدٍ إلى باب مَصْكُوْكٍ لا يأتيه إلاَّ مَنْ ضُرِبَ اللحم على جَسَده من أبناء الذوات، أما الفقراء ممن سغبت بطونهم فلا مكان لهم فيه. ومَنْ جيء به منهم في حالك الأيام، فهو للاستحلاب فقط. وهو استعمالٌ مكشوفٌ لا يستر عورة الظلم مهما كان.
وأختم حديثي بما ذكِرَ في تاريخ الخلفاء من أن عاملَ حِمصٍ قد كَتَبَ إلى عمر بن عبدالعزيز: إن سورَ المدينةِ قد تهدَّم، فإن أَذِنَ أميرُ المؤمنين في إصلاحه. فكتب عمرٌ إليه: حَصِّن مدينتَك بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم فإنه حصنها.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3827 - الأربعاء 27 فبراير 2013م الموافق 16 ربيع الثاني 1434هـ
الباب المصكوك
رحمك الله يا أمير المؤمني عمر بن الخطاب
كل مسئول بالمملكة بابه مصكوك ويفتحه لمن يريد واذا تجرأت وتكلمت يتهمونك بأنك تفشي اسرار مكان عملك
العبودية تغلق الابواب
المشكلة تكمن حين يقبل الناس ان تكون الابواب مصكوكة وان الحقوق منه من الحاكم وكل مايتفضل به الحاكم هو مكرمة يتكرم بها عليهم وكأنها صدقة وليست حقوق وواجبات هو ملزوم بها
حين يقبل المواطن ان يكون عبدا وطبالا لكل مايقوم به الحاكم وكأنه نبي مرسل وكتاب منزل من الله لن تفتح تلك الابواب ابدا وستظل مصكوكة الى ان يتحرر الشعوب من تلك الافكار المغلوطة
الباب المغلق
في ظل هذه الحكومة اى وزير او مسئول يقول الباب المفتوح معنه لا تعب روحك وتجي مكتبي وهذا ما هو حاصل لنا في ............11111!!!!!
سياسية الباب المضحوك
اذا اراد مسؤل ان يضحك على الناس يتمسك بهذه المقولة التي في ظاهرها خيرا وباطنها شرا
فالحقوق لا تحتاج الى سياسة باب المسؤل ان يظل مشرّعا.
الحقوق والقوانين لها طرق للحصول عليها وليس بطريق الاستجداء والطرارة
الرخيص
الكلام عن الباب المفتوح ما هو إلا تسويق مبتذل ورخيص لشخصيات بعينها
بهلول
الباب المصكوك هو إحدى بدائل الباب المفتوح
البديل الإضافي هو سياسة البيض المفيوح - يخلون في بوزك بيض مفيوح علشان ما تعرف تتكلم - يعني يطبقون المثل "إطعم الفم تستحي العين وينلجم اللسان - عن رؤية و ذكر الحقيقة"
قال علي بن الحسين لعمر بن عبد العزيز
يا بن عبدالعزيز افتح الابواب وسهل الحجاب وانصر المظلوم و رد المظالم .......الابواب صكوها والحجاب بيدهم فشق انصر تولت اقتل المظلوم واستحوذ على المظالم وضمها لتزداد قوة وثروة