العدد 3826 - الثلثاء 26 فبراير 2013م الموافق 15 ربيع الثاني 1434هـ

هذه نتائج التشطير الطائفي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الأعراض الجانبية التي نتجت عن أحداث الربيع العربي، أن بعض المجتمعات العربية انقسمت بصورةٍ حادةٍ إلى معسكرين: طرف يطالب بالديمقراطية والكرامة والتغيير، وطرفٌ يستميت في معارضة التغيير.

هذه الانقسامات والصراعات عاشتها المجتمعات والدول الأخرى في العالم، لكن الجديد في حالة دول الربيع العربي، أن الانشقاقات أخذت طابعاً طائفياً وقبلياً ومناطقياً حاداً، وهو ما ينذر بمستقبلٍ معتمٍ لهذه الشعوب إذا لم يعاودها الوعي، فتزداد بؤساً وتخلفاً وانقساماً وفقراً.

وحين يحدث الاصطفاف على أسس طائفية، تنحاز الأغلبية الساحقة من طائفةٍ ما إلى جانب التغيير وتتحمل دفع الأكلاف الغالية، بينما تصطف الغالبية الأخرى إلى جانب الحفاظ على الوضع الراهن، وترفض أي تغيير لقواعد اللعبة مادام سيبدّل الأوضاع المختلة أو يؤثر على الحسابات والامتيازات. وهو رفضٌ يورّطها في مواقف تصطدم بالعقل والنقل، فتناوئ الديمقراطية وترفض أبسط آلياتها: تساوي الأصوات ومبدأ الاستفتاء. إنه اصطفافٌ غير متعقل إلى الجانب الخاطئ من التاريخ.

من مساوئ هذا الانشقاق الذي ترسم السياسة قواعده وتفرض تكتيكاته، أن فريقاً –شئنا أو أبينا- يتحوّل إلى ضحايا وشهداء ومناضلين وطلاب حرية وروّاد حقوق إنسان، بينما يتحوّل فريقٌ آخر إلى عسس وشرط وعيون.

من مساوئ هذه الحالة أن قسماً من الشعب يتحوّل كتّابه ومثقفوه وشعراؤه وأطباؤه ومعلّموه وحتى رياضييه إلى دعاة حريات عامة، فيما يصطف نظراؤهم من الضفة الأخرى إلى التحريض عليهم، والدعوة الصريحة للكبت والقمع وتضييق هامش الحرية الضيّق أصلاً، والمطالبة بقوانين أشد فتكاً بالكلمة وأصحاب الرأي.

من مظاهر هذه الحالة المرضية أن يتحوّل يساريون وقوميون وعلمانيون من الفريق الأول إلى حضن مجتمعهم الأول، وهم يبحثون عن الأمان المفقود في وسطٍ يتعرّض بشكل يومي للقمع والفصل والاضطهاد.وبالمثل يلجأ أمثالهم من الفريق الآخر إلى حضن مجتمعهم، تحت عوامل التخويف وتحطيم الثقة بالآخر وتشويهه وشيطنته، متناسين كل نظريات النضال والصراع الطبقي والمادية الديالكتيكية... وحتى القصائد التي ألّفوها في أقبية السجون في منتصف السبعينيات. فلا تستغرب حين تجد سجيناً شيوعياً سابقاً أو مسرحيّاً حداثياً يتحوّل إلى منظّرٍ لتجمعاتٍ فئويةٍ طارئةٍ على الساحة السياسية، تقودها شخصيات «رجعية» بمصطلح تلك الأيام.

في هذا العشى الليلي، نادراً ما تجد من الفريق الأول من لا يتكلّم عن الحقوق والديمقراطية الحقيقية والكرامة والعدالة، وبالمقابل نادراً ما تجد أحداً من الفريق الثاني يستطيع الإفلات من شَرَكِ الحديث عن الخونة والإرهابيين وعملاء الأجانب والأجندات الخارجية. ويتصاعد البخار أحياناً إلى التورط في استخدام قاموس مليء بالمفردات العنصرية، يصل إلى الشماتة بالأموات والفرح بالمصائب، في ارتدادٍ أعمى إلى أحطّ غرائز البشر، من ثأر وتشفٍ وانتقام.

إنه خللٌ فظيعٌ بلا شك، يمسّ جوانب الأخلاق والمبادئ وقيم التحضّر. وهو خللٌ يُخرج هذه المجتمعات من أوضاعها الاجتماعية الطبيعية وتكتلاتها وتصنيفاتها السياسية، إلى اصطفافاتٍ بدائية، تحكمها غرائز الخوف وتسيّرها لعبة السياسة التي لا تتورّع عن كل قبيح.

إنها حالةٌ محزنة، أن يلتحم شطرٌ من الشعب بأشواق الحرية ويتطلع إلى آفاق الكرامة ويذوب في بحر الربيع العربي... بينما ينكفئ شطرٌ آخر على نفسه وينعزل عن عالم اليوم فلا يجرؤ حتى على ذكر اسم «الربيع العربي».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3826 - الثلثاء 26 فبراير 2013م الموافق 15 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 5:33 ص

      لأحياة لمن تنادي

      الجميع مقتنع من المطالب بأنها محقه ولكن وللأسف الاخوة تم تخويفهم بولأية الفقيه بأن تحكمهم من المتمصلحين في بقاء الوضع على ماهو عليه والكثير فهم المسرحيات الذي كانت تنشر عبر التلفاز والصحف وحتى الحكومه المنتخبه البعض يقول ممكن يأتي يترئسهاء شيخ دين والذي لا يقبله حتى المطالبون بالعداله ولكن لأحوله ولأقوة الا بالله.

    • زائر 13 | 5:27 ص

      كلام صريح

      صراحة كلام صريح و في الصميم و لكن عاجبتني النظارة. من وين إشتريتها كأنها شاشاة تلفزيون بصراحة تعكس الديموقراطية.

    • زائر 12 | 2:45 ص

      هم يتكلمون عن ديمقراطية ولكن اي ديمقراطية

      لقد دخلوا على معنى الديمقراطية وحوّروه بل خرّبوه
      هم يقول لك ان افضل ديمقراطية هو ما عندنا
      افضل ديمقراطية ان يكون في البلد قرابة 1700 معتقل
      و132 شهيد و600 مفصول ومئات المهجرين
      ولكنها ديمقراطية بس احنا ما نعرف لها

    • زائر 11 | 2:19 ص

      أصبت

      وشتان بين من يرفض الظلم والإستبداد وبين الحوش المتمصلحين المستفيدين من بقائه....

    • زائر 10 | 2:06 ص

      نعم للامان في حضن مجتمع الاصيل

      لان هو من يكون منصفا ولا يدوس على احد من اجل مصالحه الشخصيه ومع شعبي الاصيل المسالم

    • زائر 9 | 2:01 ص

      إن كانو مسلمين

      الحق لايتجزأ ولاينقسم بتاتا , ودين الاسلام جاء به الباري لارساء الحق بين البشر بجميع طوائفهم والوانهم , فإن كنت مسلم ستتبع الحق وهنا السؤال هل يجوز للمسلم الشماتة بالميت والتهليل فرحا وطربا هل يجوز للمسلم التحريض على قتل البشر ؟ هل المسلم يهدم المساجد ؟ هل الاسلام يقبل بتعذيب وتنكيل من اختلف معه ؟ هل طلب حكومة منتخبة كفر وشرك عظيم ؟ هل برلمان كامل الصلاحيات من الكبائر ؟
      من خلال اجاباتك على هذه الاسئلة ستعرف انك تتبع الاسلام قولا وفعلا ام مجرد لقلقة لسان

    • زائر 8 | 1:30 ص

      هو لعب بالنار لا يؤمن شرّه على اللاعب به

      من يلعب بالنار هو على الدوام في خطر ان تناله هذه النار وتحرقه لاي سبب
      فالانسان بطبعه قاصر ولا يدرك ابعاد الامور ومهما بلغ فلا بد ان يقع في مطبّ ما
      يجعله يحترق بهذه النيران التي اوقدها ويتلاعب بها
      والانظمة العربية تفتقد الى الحكمة وهذا امر طبيعي لما تتميز به هذه الانظمة من فساد فاحش يجعلها بعيدة كل البعد عن الحكمة ومن اين تأتي الحكمة؟

    • زائر 7 | 1:12 ص

      نعم ايها السيد انه المحكّ والاختبار والامتحان الذي أراده الله

      لله الحمة والحجة البالغة ولكي تظهر نتائخ الاصطفاء التي لا تأتي عبثا وانما تأتي بعد اعسر الامتحانات واكثرها صعوبة وهي الاختيار بين الشرف الحقيقي والكرامة وبين الرضوخ الى المطامع المادية.
      الأمور واضحة والامتحان ليس فيه تعمية على احد حتى يقول شخص لا ادري او كنت مخدوعا او او من هذه الاعذار.
      كل انسان يعرف اين الحق واين الضلال واين الظلم واين العدل فلا يستطيع احد ان يتج امام ربه يوم الحساب بالقول لقد اختلط علي الامور. كلا انها واضحة وضوح
      الشمس

    • زائر 6 | 1:01 ص

      مخاض عسير

      الربيع العربي انا اشبهه بمخاض حتى لو طال المخاض بعض الوقت لكن في الاخير بيحرر الشعوب من العبوديه الى العزه والكرامه.

    • زائر 5 | 12:14 ص

      الغلبة لنا

      في نهاية المطاف سينتصر الحق ولو بعد حين

    • زائر 4 | 11:07 م

      تلك سياسة شيطانية خبيثة

      تلك سياسة شيطانية خبيثة صنعها شيطان الارض وشيطانهم الأكبر
      وتناغمة معه الشياطين الصغار حيثما وجدت دعوة الاصلاح والعدل والكرامة
      وما هي سوى البداية والله يحمينا جميعا من نهايتها
      لان الشيطان لازال يبث سمومه في اجساد وارواح وأقلام وتصريحات صغاره

    • زائر 3 | 10:49 م

      فتنة الله في خلقه.

      ان هي الا امتحانات الآهية ينجو منها من رحمه الله ويسقط فيها من عبده على حرف. وذلك ليميزا الطيب من الخبيث.

    • زائر 2 | 10:36 م

      طائفية

      إذا دخلت الطائفية من الباب. خرجت الديمقراطية من الشباك -ضدان لا يلتقيان وما أسهل اللعب بالكلمات

    • زائر 1 | 10:17 م

      سؤال ما عامل الافساد المشترك

      في مصر . تونس ، ليبيا و البحرين وحتى سوريا من يُخرب او يُخرٌب على الثورة والحركات التغييرية ؟ الذي يرير ان يستأثر بالثورة في مصر وتونس هم الاخوان و يشوهونها في ليبيا ًوتونس وسوريا السلفيين ويقاوم التغيير والاصلاح السياسي في البحرين السلفيين و الاخوان

اقرأ ايضاً