يوماً بعد آخر يكتشف الإسلاميون في مصر وتونس، وغيرها من البلاد التي مرّ عليها ما عرف بالربيع العربي، أن إدارة الدولة أصعب بكثير من مواجهة الدكتاتور الذي كان متربعاً على عرشها.
وكما يقول البعض إن الثورات تحتاج إلى شارع، والشارع يتوفر غالباً، لكن البناء يحتاج إلى مشروع، والمشروع يتطلب كفاءات وتوافقات وخططاً، وهي أشق في تنفيذها وحركتها من حركة الشارع.
كل ما اعترض عليه الإسلاميون واستهدفوه في زمن الدكتاتوريات، أصبحوا الآن يستهدفون به، فالاتفاقيات الدولية كما هو الحال في مصر مع الكيان الغاصب في فلسطين لاتزال سارية المفعول، والوساطة الهشّة - في جميع الاتفاقات بين الفلسطينيين وغاصب الأرض - التي لم تحمِ الإسلاميين أيام حكم الدكتاتور لاتزال هشّة لا يحسب لها العدو حساباً.
الوضع الاقتصادي يتدهور، والبطالة إلى تزايد، والعملة تفرض في هبوطها أمام العملات الصعبة المزيد من التحديات الداخلية الضاغطة على المجتمع.
أما الأزمات السياسية الداخلية والصراعات المتفجرة فحدّث ولا حرج، فبين القوى الفاعلة هناك صراعات قاسية، وبين الأقليات التي تطالب بحصتها هناك تحديات قائمة، وبين أجهزة الدولة وقياداتها ما يظهر من الصراع وهو كافٍ عن كل حديث.
لستُ هنا في وارد الحديث الانهزامي عن الإسلاميين، أو صنع اليأس في النفوس من هذه الثورات والانتفاضات، فالآمال مازالت معقودةً على قدرتهم ونشاطهم وثباتهم وتحالفاتهم وحسن إدارتهم للأمور.
أردت القول إنه من الضروري أن يعي المجتمع أن النظريات والأفكار بقدر ما هي ضرورية لتقديم الأفضل والأحسن، فإن قياساتها قد لا تكون مطابقة للواقع، فعالم التنظير يخلو من التناقضات، ويخلو من العقبات، ويخلو من المفاجآت، وفي أغلب الأحيان لا يأخذ في حساباته ردات أفعال الآخرين، وما تحدثه في ميادين التطبيق والممارسة.
لقد استمتعت بمحاورة للشيخ راشد الغنوشي أجرتها معه مجلة «المجتمع» يقول فيها رداً على سؤال «ما الخلاصات التي توصلت إليها الحركة الإسلامية بعد هذه الفترة القصيرة من مشاركتها الحكم؟
- دائماً يبقى هناك بونٌ بين النظرية والتطبيق، مهما اجتهدنا يظل هناك بون بين ما يطاله البصر وما تطاله اليد، ما يتطلبه الواقع وما تتحكم فيه الإمكانات. اكتشفنا أن الواقع أصلب بكثير وأكثر استعصاءً على التغيير مما توقعنا، والعقبات أكثر مما توقعنا».
قد لا يشعر المنظرون والمنتقدون في كل مجتمع بصعوبات الساحة، ومعوقات الحركة فيها، ذلك أن عالمهم بعيد عن مناطق التماس والاحتكاك، وردود الفعل المضادة التي قد تغير المعادلات وتبدل التحالفات.
النقد حق مكفول للإنسان، والتفكير الحر والطلق جزء من إنسانية الإنسان، لكن المهم هو إدراك المتلقي لتلك الأفكار والنظريات أنها تحتاج إلى اختبار وتجربة وممارسة، وأن تحليقها في الفضاء لا يمنحها المصداقية والثقة، فهاتان شهادتان تمنحان في ساحة الميدان وعلى أرض الواقع ومن يد التجربة.
يمكن لمدرب الفريق وهو يحضر المباراة التي يخوضها فريقه، أن ينظّر ويخطّط ويصرخ، ويمكن للمتفرجين أن يتبرموا وينتقدوا أو يصفّقوا، لكن أرجل اللاعبين وأداءها هي الواقع الأكبر من كل ذلك.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 3824 - الأحد 24 فبراير 2013م الموافق 13 ربيع الثاني 1434هـ
من البر
نظره صحيحه وحكيمه .......لك عين فاحصه وعقل مدرك .....