بغرفةٍ ضيقةٍ - بعكس قلبه - في مركز مصادر التعلم بالمنامة التقيت به، الرجل الأسمر الذي عرفته موسيقياً قبل أن أعرفه إنساناً. كان على درجة من الطيبة والبشاشة تجعل من يقف أمامه مذهولاً من تواضع قامة تشبهه وتشبه سيرته التي حملتها معي وأنا في الطريق إليه، وفي أذني أغنية «طريقنا» التي كتبها الشاعر أحمد الشملان وصارت نشيداً لجبهة التحرير.
بأسئلةٍ محمّلةٍ بشيءٍ من الخلفية الموسيقية التي تعلمتها من زوجي يرحمه الله، وبشيء من ذاكرةٍ مزدانةٍ بألحان موكب العزاء في العاصمة المنامة، وسؤالين حول السياسة التي كنت أكره كما لا أكره شيئاً آنذاك، بكل هذه الأفكار قرّرت أن ألتقي هذه القامة التي أردتها أن تكون شخصيةً رئيسيةً في ملف «التطوير الفني في مواكب العزاء»، ضمن الملحق الأول والوحيد الذي أصدرته الصحيفة التي كنت أعمل بها حول ذكرى عاشوراء، والذي أوكل لي رئيس تحريرها مهمة الإشراف عليه.
مجيد مرهون، المواطن الذي اختزل عذابات وطن، وسيرة وطن، ونضال وطن، ومظلومية وطن، هكذا أحببت أن أصفه حين لم أجد له أقل من هذا وصفاً يستحقه ولكنني وجدت له ما هو أكثر وأعمق.
العازف الذي عرف الفن منذ نعومة أظفاره وهو يرضعه من والديه الذين كانا شغوفين بالفنون الشعبية، الطفل الذي كان يقتطع من مصروفه الشخصي مالاًً ليدّخره لشراء آلة موسيقية تكون له زاداً من جمال في ليالي الوحشة، كان يعبّر عن هذه الفترة بكثيرٍ من الحب، كثيرٍ من الألم، كثيرٍ من الفخر، وهو يقول: «عشت مع عائلةٍ فقيرةٍ جداً في حيّ فقيرٍ جداً، لكنني كنت غنياً بالأمل والموسيقى، غنياً بالمحبة التي لقيتها من والدتي ومن هم حولي».
وبالفعل كان مرهون من أغنى رجالات الوطن في هذا الجانب: جانب المحبة والأمل، حتى يجعل من يتعرف عليه يعيش حالةًً من الانغماس في طاقةٍ جارفةٍ من هذا الموروث الجميل الممزوج بمشاعر وأحاسيس قلّما يعيشها أحدٌ مجتمعةً.
كان مبتسماً مزوحاً طوال حديثه، لكن الحديث عن السياسة جعلته يشرد قليلاً قبل أن يعود لمزاحه، وقال بابتسامة لم تفارقه إلا قليلاً: «عشت 22 عاماً في المعتقل لم أندم عليها أبداً، وكانت بسبب تفجير ضابط مخابرات ومعاونه، لم أندم لأنه كان يستحق ذلك، ولم أندم لأنني قضيتها في زرع الأمل والفرح داخل المعتقل عن طريق الموسيقى التي ألّفتها هناك والموسيقى التي درستها ودرّستها هناك». ثم تحدث عن تجربة كتابة موسيقى ضخمة أوركسترا طالما حلم أن تنفذ على رغم أنها تتطلب أوركسترا كاملة ربما هي ليست موجودة لدينا على حد تعبيره.
مجيد مرهون الذي رحل قبل ثلاثة أعوام، في الثالث والعشرين من فبراير، «مانديلا البحرين» كما يحلو للبعض تسميته، الرجل الذي قضى شبابه في المعتقل فخرج منه موسيقياً عظيماً علّم الكثير من السجناء الموسيقى، وكوّن فرقةً موسيقيةً شاركت في الكثير من الاحتفالات، ليخرج من المعتقل حاملاً معه إرث وطن سياسي وموسيقي وإنساني، كوّن مقطوعة موسيقية إنسانية تدعى «مجيد مرهون». رحمه الله في ذكرى وفاته وفي كل يوم.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3824 - الأحد 24 فبراير 2013م الموافق 13 ربيع الثاني 1434هـ
مجيد مرهون
ما عرفته اله بعد مماته
ولكن يختزل من الحب في انه دائم التواصل
ربما ألتقيته صدفه
اللة يرحمة
اللة يرحمة برحمتة الواسعة
الدول تكرم من قاوم الاحتلال الانحن فلقد اكمل الموسيقار محكوميته
لقد اتم الموسيقار محكوميته لو قلنا بان بلدنا لم يستقبل فسيكون الامر مقبولا اما وان القرار اصبح بيد ابناءها بعد الاستقلال ويستمر الموسيقار في سجنه وينهي مدة محكوميته فهو يعطينا واقعا عاشه اباءنا ونعيشه حاليا في موضوع المحاكمات رحمك الله.