من منا لم يسمع أو زار جزيرة النبيه صالح (تقع شمال شرق جزيرة البحرين) وكانت في يوم من الأيام معروفة بخضرتها ونخيلها الباسقة وعيونها العذبة، إذ كان جيل آبائنا يمتدحون جمال هذه الجزيرة بينما جيل أجدادنا كانوا يؤكدون أنها جنة البحرين في الزمان البعيد.
لم تكن هذه الجزيرة الصغيرة الخضراء التي تحيط بها رمال بيضاء وصخور ونخيل تتدلى على سواحلها وتحيط جوانبها ينابيع عذبة تُعرف بـ «الكوكب» تنتظر نهاية كالنهاية التي وصلت إليها اليوم قبل الربيع العربي ومن بعد الربيع العربي. فقد تحولت من فردوس إلى جزيرة يلفها البؤس والحرمان وقد تكون جدران مسجد النبيه صالح الشهير على مستوى المنطقة العربية والتاريخ كجزء من التراث الإنساني شاهداً على بؤس أهالي هذه الجزيرة.
والنبيه صالح حالها البائس ليس وليد اليوم وليس تجربة شخصية مع هذا المكان. فعندما كنت طالبة في المرحلة الإعدادية طُلب منا إعداد بحث مدرسي يركز على بيئة وحاجات أهالي الجزيرة. كان ذلك في العام 1988 وكنت ضمن فريق نشاط صفي نظمته المدرسة آنذاك، وقد تفاجأت بالمستوى المعيشي الذي كان يعيشه أبناء هذه الجزيرة التي تقلصت فيها مساحة العيش بسبب استملاك الأراضي والسواحل من كل جانب أضف إلى ذلك الخراب البيئي الذي اقتُرف على مراحل زمن طويل انتهى بتجفيف الينابيع والعيون العذبة.
مشهد الجزيرة بقي راسخاً في ذهني لفترة طويلة وعند عودتي إلى البحرين من بريطانيا في أواخر العام 1998 قررت زيارة هذه الجزيرة وزادت صدمتي أكثر عندما وجدت أن البؤس تفاقم كما هو الحرمان وتغير كل شيء فكان ما التقطته من صور لعين تسمى بعين «الخَضرة» (انقرضت اليوم هذه العين واختفت كلياً من الجزيرة) بعدها توالت الزيارات في فترة ثم انقطعت إلى حين زيارتي منذ فترة قصيرة... البؤس حوّل أهالي هذه الجزيرة إلى نسخة لا تختلف عن رواية البؤساء الشهيرة.
وبعد هذه المقدمة الطويلة لابد من الإشارة إلى أن ما كان ملاحظاً في صغري لم يتغير بل زاد سوءاً وأعتقد أن مثل هذه الأنشطة قد ألغيت من المدارس التي لا تريد أن تكشف حقيقة الطبقية والبؤس التي تعيشها نسبة ليست صغيرة من المجتمع البحريني. إن عدداً غير قليل من شباب هذه الجزيرة اليوم يقبع في السجون أو جرحى أو أكثر من ذلك، وسواحلها اختفت، وليس فيها ما يقارنها بتاريخها الذي تخلد في كتب التاريخ. لو كانت جزيرة النبيه صالح في بلد خليجي آخر لرأيتها محمية تراثية وطبيعية، ولرأيت شواطئها الخلابة والنظيفة، ولرأيت سوقاً للحرف القديمة، ولرأيت مسجدها المركز قبلة لكل من أحب أن يعرف شيئاً عن تاريخ البحرين، ولرأيت فيها متحفاً، ورواقاً يستقبلك، وخدمات تجعل من يزورها يتذكرها ويود أن يزورها باستمرار.
موسوعة «ويكيبيديا» ذكرت عن الجزيرة أنها كانت تُعرف أيضاً في قديم الأزمنة بـ «جزيرة أُكُل» - بضم الألف والكاف - ويعتقد البعض أنه نبي الله صالح كما هي مدونات قدامى علماء البحرين، مثل «الإجازة الكبيرة للشيخ السماهيجي»، واعتقاد بعض أهل البحرين... والبعض يعتقد أنه الشيخ صالح والذي يطلق عليه لقب النبيه وأمره تقريباً مجهول من الناحية التاريخية، ويتواجد فيها المزار وبقربه مقبرة قديمة جداً تعرف بمقبرة الشيخ دعلج، وفي غرف المقام توجد أضرحة لعلماء وفقهاء من البحرين - عدد منهم عاش قبل ثمانية قرون - أهمهم الشيخ أحمد بن المتوج، الشيخ عبدالله المتوج والشيخ داوود الجزيري والشيخ علي الجزيري. وأيضاً بالقرب منه ضريح للشيخ راشد البحراني المترجم له في أنوار البدرين بالشيخ راشد البحراني... إلى آخر ما ورد في «ويكيبيديا».
جزيرة النبيه صالح التي تتوسط خليج توبلي، وتقع في شمالها الشرقي جزيرة الجُزيرة، والأخيرة أصبحت ملكاً خاصاً، والأملاك الخاصة قتلت جمالها وحيوتها، وهي تفتقر إلى المدارس التي تكفيها وتفتقر إلى كل ما تحتاجه أي منطقة من مناطق البحرين. بمعنى أن ليس لديها حتى المعدل الأدنى المتوافر لغيرها، هذا في الوقت الذي كان من المفترض أن يحافظ عليها بصفتها شاهد على تاريخ وتراث وأصالة البحرين.
كانت فيها «عين السفاحية» وسُمّيت بهذا الاسم لقوة الماء الذي تسفحه، وكان يتفرع من هذه العين مجرى رئيسي واحد من الطرف الشمالي الغربي مبني بحجارة بحرية ويمتد إلى داخل القرية ويتفرع ليروي أشجار النخيل والبساتين المجاورة، وبدأ تدفق الماء بالانخفاض تدريجياً منذ العام 1976.
ذلك الفردوس تحول إلى جحيم لأسباب واضحة ومعروفة، وأصبح أهلها على الحافة، بل إنهم على هامش المواطنة، بمعنى أن المواطن هناك مازال يعيش دون الاعتراف بحقوقه أو بمكانته، وأن الأهالي تنظر إليهم الدولة بعين غير عادلة. لا غرابة إذاً في أن نرى هذه الجزيرة الجميلة تحولت وكأنها أحياء فقيرة في بلد تجتاحه الحروب والأزمات، وشبابها ليس لهم من متنفس وليس لهم من يسمع إليهم، وهؤلاء الشباب لا يلتقون بالجهات الرسمية إلا في المواجهات مع قوات الأمن أو أثناء الاعتقال والتحقيق.
تحويل النبيه صالح من الفردوس إلى الجحيم ليس له نتيجة مفرحة، ودليل ذلك أن من يحاول زيارة الجزيرة يجد نفسه ممنوعاً من رؤية أجمل ما فيها لأنه تحول إلى أملاك خاصة، بينما يقاسي الأهالى مرارة فقدان ما كان لديهم مرارة الواقع الذي يعاملهم بقسوة وبعدم الاعتراف. واستمرار هذه السياسة كغيرها من السياسات الخاطئة التي تدفع البحرين نحو منزلق خطير.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 3823 - السبت 23 فبراير 2013م الموافق 12 ربيع الثاني 1434هـ
شكرًا لكم
شكرًا الى الكاتبة الشريفة ريم خليفة على هذا المقال المفيد عن تاريخ الجزيرة واتمنى ان تواصل الكتابة عن باقي قرى البحرين
والقهر
تعالي كرانة وشوفي الدمار ،لم يبقى بحر ولازرع ،وهي التي كانت تعرف بكثرة المزارع والعيون ،
النبيه صالح اليوم !!!
تحيط بها نقاط التفتيش وبدلا من اقامة مشفى بها ومدرسة وحدائق غناء وسواحل طبيعية ، اقاموا مركزا للشرطة عند مخلها وهذا ينبئك عن العقلية التي تتحكم في البلد بدلا من زياة رقعة الحدائق زادوا في مراكز الشرطة والسجون .
هذه هي قمة العدالة وقمة الانصاف فعدالة البحرين تقتضي ذلك
كما يقولون لنا دائما البحرين غير وهي فعلا غير وما ذكرتيه مثالا على ان البحرين غير
ولأن البحرين غير فيجب على اهلها ان يطالبوا بحقوق ولا يقوموا بأي شيء لأن البحرين غير.
جزيرة النبي صالح هي مثال مصغر عن الكثير من المناطق هل تذكرون عندما زال ولي العهد المقشع ورأى حالة البيوت فأمر ببناء بيوت لكل القرية فهل المقشع تختلف عن النبيه صالح او عن اي قرية في البحرين ربما قرية تزيد على قرية قليلا والا
فكل المناطق في البحرين غير
غير غير غير
اين
كان من المفترض أن تكون قرية النبيه صالح قريه نموذجيه لباقي القري ولكن للأسف بان الجزيرة تفتقد اقل الخدمات بسببل الإهمال المتعمد وأصبحت من سؤ ألب أسوأ والي الله المشتكي
إقتراح
يمكنك البكاء على الأطلال! أو إقامة عزاء على ما حصل للجزيرة أو إنشاد أغنية نبكى جميعا عند سماعها على فقدان الجزيرة. الأمر لك. بالمناسبة يمكن توسيع الأغنية لتشمل بقية المناطق. الكل سواسية.ما حصل لنبيه صالح حصل فى كل مكان. أليست هذه عدالة؟