العدد 3822 - الجمعة 22 فبراير 2013م الموافق 11 ربيع الثاني 1434هـ

كشكول مشاركات ورسائل القراء

القداسة المزيفة

قبل سنوات شاهدت فيلماً سينمائياً يحكي قصة شخص كان يسافر على سفينة في عرض المحيط فحدث طوفان وهاج البحر وماج وتسببت العواصف والأمواج في غرق السفينة ومن عليها إلا صاحبنا بطل الفيلم الذي ألقت به الأمواج مغشياً عليه على ساحل جزيرة نائية، حيث تم إنقاذه وإسعافه من قبل السكان الأصليين هناك وقد وجدهم أناساً طيبين إلى درجة السذاجة فحياتهم البسيطة كلها سعادة وفرح واحتفالات والابتسامة لا تفارقهم أبداً وكان عماد حياتهم الزراعة والصيد من البحر، وكان كل يوم يذهب إلى الساحل ويتمعن في الأفق لعله يرى سفينة فيؤشر لها لتأتي وتحمله إلى وطنه.

وفي يوم من الأيام لاحظ أن الوجوم والحزن والخوف يسود سكان الجزيرة فاستغرب وسأل عن السبب فقيل له إن جزيرة ثانية غير بعيدة عنهم فيها سكان أشرار ويرأسهم شريرهم الأكبر الذي يأتينا كل ستة أشهر بسفنه ورجاله المسلحين ونعطيه ما يطلبه من خيرات جزيرتنا من الغذاء والمؤونة بغير مقابل. فسأل: لماذا، تخضعون له وتجيبون طلبه؟!... فأخذوه إلى تلة كانوا يعتبرونها مقدسة وقالوا له إنه بحسب قول ذلك الزعيم الشرير فإن الأرواح تسكن هذه التلة وهو كلما يأتي عندنا يواجه التلة ويخاطب الأرواح الساكنة فيها والأرواح تجيبه بما يجب علينا أن نعطيه فسأل هل سمع أحد منكم صوت الأرواح وهي تخاطبه فقالوا لا يسمعها إلا هو لأنه مقدس فعرف أن هذا الزعيم الشرير يحتال على هؤلاء المساكين ويسلب أرزاقهم مدعياً القداسة والقرابة مع الأرواح. فقال لهم إذا جاء هذه المرة دعوني أكلمه، فقالوا: كيف، قال: احفروا حفرة في التلة وسأختبئ فيها وضعوا عليها بعض الأغصان والورق وغطوها بالرمل وسترون ماذا يحدث عندما يأتي؟.

وبعد تردد وخوف مما يمكن أن ينجم عن هذه المغامرة عملوا بمشورته، وعندما وصل الزعيم الشرير ورجاله إلى الجزيرة بسفنهم التي كانوا يأملون أن ترجع محملة بالمؤونة والأكل.

وقف الزعيم أمام التلة وسأل الأرواح عن الأشياء التي يجب أن يأخذها من سكان الجزيرة وتظاهر كأنه سيتلقى الجواب واضعاً كفيه وراء أذنيه، ولكنه تفاجأ بالأرواح ترد عليه فأصابته الدهشة والخوف والهلع حين سمع الجواب خارجاً من التلة يقول له بصوت جهور: لقد نهبت سكان هذه الجزيرة لسنوات طويلة وعليك الآن أن ترد لهم ما سلبته منهم وألا تعيد الكرة.

فتفاجأ الزعيم الشرير وأصابه الخوف وانتشرت البلبلة بين جنوده عند سماعهم الرد وبعكس موقف الزعيم الشرير وجنوده فإن هذا الجواب أدخل الجرأة والشجاعة في قلوب سكان الجزيرة الطيبين، فثاروا عليه وعلى رجاله فانسحب ورجاله من الجزيرة خالين الوفاض والزعيم الشرير يخاطب نفسه قائلاً: «يا ترى هل أستطيع الحصول على جزيرة أخرى تطيع أوامري».

هذه قصة خيالية ترجمت إلى فيلم سينمائي لعل في سردها تكون عبرة للناس بألا ينخدعوا بالمظاهر وأن يتمسكوا بالآية الكريمة: «لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، (الرعد: 11) وأن ليس كل من تلبس وادعى القداسة قديساً.

عبدالعزيز على حسين


كيف نعيش بلا دولار؟

في أواخر السبعينات، وفي إحدى الليالي الساخنة المليئة بنشوة الانتصار الإسلامي وتأسيس إحدى الجمهوريات الإسلامية بعد اقتلاع طاغية عصرها المقبور حينها وجّه الأب الروحي لهذه الجمهورية رسالة إلى آخر رئيس سوفياتي آنذاك (ميخائيل جورباتشوف)، هذا نصها: «يا فخامة الرئيس اطلبوا من علمائكم وأساتذتكم إطلاعكم على أفكار كبار فقهاء الإسلام لإنارة دربكم لا سيما، محي الدين بن عربي والسهروردي وابن سيناء والفارابي وغيرهم».

وتنبأ أيضاً بانتصار الإسلام على الشيوعية وبانهيار الاتحاد السوفياتي، قائلاً: ضعوا مبادئكم وفلسفاتكم في المتاحف!

ولم تمضِ إلا سنون قليلة حتى انهار ذاك الطود الكبير وتداعت أركانه كتداعي المفاهيم الشيوعية وسقوط آخر إمبراطورية الإلحاد السوفياتي وتحوله إلى دويلات متناثرة هنا وهناك تأن أنيناً. حينها تذكر هذه الحادثة الكثيرون وكأنهم سمعوها بالأمس رسالة الرئيس الحالي لنفس البلد التي وجهها إلى الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن حينما تنبأ بانهيار الرأسمالية في عشية افتتاح قمة الرياض الأوبك الاقتصادية أيضاً في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2007، حينما وقف رئيس هذا البلد مخاطباً القادة والرؤساء يدعوهم إلى ضرورة فك الارتباط بعملتهم الخليجية والعربية عن العملة الأميركية! والتوحد في عملة واحدة مستقلة بسبب الانهيار والترنح الذي سيصيب الدولار قريباً وها هو الدولار يترنح ويسقط أشد سقطة في آواخر 2010!

وسقط من سقط كاليونان وكادت أسبانيا إيطاليا وفرنسا أن تتمرغ في الوحل الأميركي مع نظامها المالي ومؤسساتها التجارية أن تسقط أيضاً لولا قيام البيت الأبيض بدق ناقوس الخطر بتلاوة الصلوات والأدعية على طريقته! وبيع أسلحة ومعدات عسكرية كبيرة لدول الخليج وطرق باب التوبة من التنين الأحمر الصيني طالباً منهم الرحمة والرأفة على دولاره المنهار ومن الدول الإسلامية الصبر على البلاء والمصيبة والإكثار من الصلاة وقراءة الأدعية المندوبة! والتي كان في جبروته وعزته يتآمر عليها بأساطيله الحربية التي يجوب بها شواطئها ويحاصرها براً وبحراً وجواً، يهددها أو يقصفها بالمنجنيق إن توحدت تحت راية واحدة، إن تعاونت ولو تجارياً فيما بينها وبين جارتها، إن تفاهمت وتقاسمت خيراتها معها، ما عدا سماحه لها باستيراد أكياس البصل والبطاطس الإيراني أو آواني المطبخ البلاستيكية، لكنه يحرم عليها حيازتها التكنولوجيا الإيرانية التي في حاجة ماسة إليها كالغاز الإيراني الذي يصل دول القوقاز وأذربيجان، لكن تحرم منه دول الخليج القريبة منه، لماذا؟!

لأن الغاز الإيراني مملوء بالمفاهيم والقيم الإسلامية، قد يسحر عقول الشباب الخليجي؟ فيتحولوا إلى مفاهيمه وقيمه؟ في حين إنه يزود الدولة العبرية بالتكنولوجيا المتقدمة ويسلحها بأفضل الأسلحة ويقوي اقتصادها بأموال النفط من الدول التي يغزوها ويؤجج الفتن بين الدول العربية! فهذه دمشق تأن أنين القنابل البشرية المؤقتة في أراضيها، وهذه العراق تكتوي بمسلسل العمليات التفجيرية في مدنها، وهذه لبنان ترتفع فيها أدخنة الطائفية، وهذه القاهرة مقهورة على رئيسها الجديد بعدم الاستقرار، وهذه السودان لا تعرف جنوبها من شرقها، وهذه دول الربيع العربي لم ترَ ربيعاً يوماً ما، فهل تستطيع دول الخليج وشعوبها العيش بدون الدولار؟ ومتى اعتاد المواطن الخليجي أن يحمل معه عملة بلده وهو في النهاية يعرف أن لا قيمة لها عندما يصرفها في إحدى دول الخليج، فكيف إذا صرفها في أوروبا أو أميركا ما دامت دول مجلس التعاون لم تتوحد بعد تحت عملة واحدة لمجابهة الدولار سيد العملات! وفي النهاية سنظل نكرر ونقول كيف نعيش بلا دولار؟!

مهدي خليل


لم الاستعجال يا هدى؟

في صباح اليوم الخامس من يناير/ كانون الثاني، وما أشبه هذا اليوم باليوم الثامن من يناير قبل أربع سنوات، أيقظنا رنين الهاتف لنستقبل يومنا بخبرٍ مفجعٍ كسر قلوبنا، أنهك قوانا ونال من عزيمتنا. فقدنا عزيزتنا هدى، غادرتنا هدى إلى غير رجعة. لم تكن هدى تشكو من أي ألمٍ، فارقتنا فجأة من دون أن تترك لنا فرصة لتمريضها أو حتى توديعها. رحلت هدى عن هذه الدنيا في ليلة مظلمة وتركتنا محزونين حائرين. فهي في تلك الليلة، وعلى غير عادتها، سمحت لأطفالها وللمرة الأولى في حياتهم بأن يقضوا ليلتهم بعيداً عنها في بيت والدتها، وطلبت من أختيها مرافقتها إلى بيتها. قبلها بأيام فقط ألحت على والدتها بالسفر لأحياء ذكرى أربعين الإمام الحسين عليه السلام وهى «والدتها» التي لم تغادر البحرين لسنين كثيرة. ما كل هذه المصادفات يا هدى؟ يا ترى ما الذي كان يدور في خلد هدى في تلك الليلة؟ ليتها أخبرت أخي وعزيزي أبومحمد بأحاسيسها لكي يبقى بجانبها ولا يأخذ ابنه محمد ويتوجه معه إلى العراق. ليتها أخبرتنا نحن لنكون بقربها ولا نفارقها في تلك اللحظة العصيبة. هدى بطبيعتها هادئة جداً، فضلت أن ترحل بهدوء تام من دون أن تجهد أي أحد. فعلى رغم وجود أختيها معها إلا أنها اتخذت ركناً في البيت بعيداً عن العيون وأسلمت روحها الشريفة إلى بارئها. لم ترد أن تروع أطفالها وهى مستلقية على ذلك الكرسي من دون حراك، لم ترد لهم أن ينظروها ورجل الإسعاف يحاول إنقاذها وإعادة الحياة لها من دون فائدة. رحلتِ يا هدى وتركتِ أطفالك يتصارخون بيننا غير مستوعبين ما حصل، غير مدركين أن لقاء البارحة هو آخر لقاء يجمعهم بك. لقد تركتينا جميعاً لمواجهة الموقف الصعب والواقع المر والرضا بالقضاء والقدر.

استعجلت الرحيل يا هدى، مازلت في عنفوان شبابك، مازال بإمكانك العطاء الكثير.أنت من ملأ بيتك بالعطف والحنان، أنت من زرع الحب في نفوس أطفالك. مازال زوجك وأطفالك بحاجة إلى حبك وحنانك. توأمك مريم ومحمد، مها ومرام بحاجة إلى حضنك وعطفك وتربيتك. مازالوا براعم صغيرة في طور التفتح، فهم بحاجة إلى من يروى عطشهم بالحب والحنان. زوجك وأطفالك يفتقدونك كثيراً، فأطفالك يفتقدون مناداتك بماما، يفتقدون نظراتك الحانية عليهم ولمساتك السحرية في ترتيب حياتهم. يفتقر أطفالك إلى أمٍ تدللهم، تضمهم، تجبر خواطرهم المنكسرة، تدلهم وترشدهم إلى طريق الصواب. أمٌ تسكن من روعهم وتخاف عليهم من مصائب الدهر. فنحن نقرأ في عيونهم الحزن والأسى بفقدك، تقتلنا نظراتهم، نشملهم برعايتنا، نقدم لهم كل ما في وسعنا ولكننا لا نستطيع أن نحل محلك ونتربع على قلوبهم مهما حاولنا تعويضهم يا هدى.

أم علي


«عارف» ابن قريتي جنوسان

يُشار للرثاء في أدبياته أنه لغة البكاء على الميت ومدحه وحسنّ الثناء عليه وتعداد خصاله التي كان يتصف بها في حياته، وإبداء مشاعر الحزن لفقده وإظهار صور التفجّع والحسرة والتأسّي والتعزّي عليه في مماته وتعداد محاسنه من أجل تخفيف الجروح وجبر الآلام وإخماد شرارة القلب المشتعل حرقة ولوعة على الفراق.

جميعنا له إلمام مُذْ خُلق على ظهر هذه البسيطة بمسائل الموت والفقد والهلاك... فمَنْ منّا لَم ?ُفجّع ?وماً بفقد عزيز من أعزّائه... ومَن منّا لَم ?ُندب عل? موت خليل من أخلائه... ومَنْ منّا لم يتحسّر على غياب قريب من أقربائه... ومَن منّا لم يشعر بالمرارة لرحيل حبيب من أحبائه حتى بدا شريط الذكريات ينهمر كالسيل لتلك الأيام الخوالي وما اختلجته من آمال وآلام وما انصهرت فيه الوقائع والأحلام.

وعارف هو الاسم الذي اشتهر به الفقيد الشاب عبدالإله عيسى علي في أوساط قريته جنوسان وبين أخوته وأقربائه وأصدقائه وجيرانه، هو ذلك الشاب الذي عايش الفقر واليُتم من صغره، ولم ينلْ نصيبه من حضن الأمومة الدافئ الذي اعتاد أيّ طفل بريء اللجوء إليه كقصر صغير يحتويه حين تقسو عليه ظروف الحياة وتشتد عليه أهوالها!

أجلْ... هذا الشاب الطيب قد طويت - بكبير الحسرة على شبابه - صفحة أعماله الخيرة، في رحيل مفجع لم يكن بمُستدرك أحد أو حُسبان مخلوق، على رغم ما كان يُعانيه من مرض رافقه باعتلال وهَزال منذ أمد.

نعم ... على رغم مرضه تجده يعيش حياة التحدّي مع نفسه ومع ظروف الحياة بروح ملؤها العزيمة والإرادة والإصرار على العيش، فتجده تارة يسترزق في بيع الأسماك وتارة أخرى يقضي يومه في بيع الخضر والفواكه في آخر أيام عمره القصير. وفي أحيان كثيرة مُغايرة تلحظه – وهو ببساطته المعهودة - متواجداً في المناسبات المختلفة في القرية لكن المرض حال دون حضوره الذي أَلِفَهُ فيه المقربون منه.

لأكثر من خمس سنوات تركت قريتي إلا في زيارة الأهل والأقارب ومناسبات القرية المختلفة، غير أنه لم يَحُلْ من دون مصادفتي لتواجد هذا الفقيد الشاب الخلوق الذي تشدني فيه ابتسامته بعد أن تعلو محياه وكلمته الموصومة «أستاذ جاسم إنته أوكس X» للدلالة على افتقاده لفترة زمنية لأي من الشباب الذين يحظون بوقاره ومعزته وقربه منهم في صورة عتاب ولوم، وكان لنا منها حظ وفير!

رحمك الكبير المُتعال الذي أبدع خلقك وبثّ الطيبة وحُسن العشرة في ثناياك وأسكنك الفسيح من جنانه وحشرك مع مَنْ تتولاهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسنْ أولئك رفيقاً.

ابن قريتك جاسم المحاري


ثنـائيّات العيسى

(1)

اِلرِيْجْ لي مِنْ صُبَحْ مُرْ اِلْمَذاقْ بَلْوَى

وِيْصِيْرْ مُرْ اِلطَعَمْ لِلُّومِي وِالْحَلْوَى

هذا مَصِيْرْ إِلِّذِي يَحْقِدْ عَلَى الثانِـي

يِكْرَهْ يِشُوْفَهْ سَعِيْدْ في غايَةْ اِلنَشْوَى

(2)

اِلقَلْبْ لَسْوَدْ يُبَهْ ما يْطَهِّرِهْ دِيْتُــولْ

مَصْكُوْكْ بابِهْ تَرَى ما يِنْفِتِحْ لَكْ مُوْلْ

فـي ناسْ مِنْ حُوْلِنِهْ إكَلُوْبُهُمْ سُوْدِهْ

تَحْقِدْ وُتَظْلِمْ بَعَدْ وُتِتْمَنى لَكْ زُوْلْ

(3)

اِلنَذِلْ يِبْقَى نَذِلْ ما يازْ عَنْ طَبْعِـهْ

ماي إِلْوَصُخْ وِالنِظِيْفْ يِدِلْ عَلَى نَبْعِهْ

سِيْبالْ تِضْحَكْ عَلِيْـهْ ناسِهْ وخِلانِـهْ

غَـدارْ وُطَبْعِهْ رِدِي حَتَى عَلَى رَبْعِهْ

(4)

بايِقْ وُما يْبانْ عَلِيْهْ، طَيِّبْ وِيْحِبُّوْنَهْ

فًنّانْ فِي لِعْبِتِهْ ماظِــنْ يِعَرْفُوْنَــهْ

وَرَّطْ أَوادِمْ مَعــاهْ لاوِي أَيادِيْهُــمْ

بَحْسَنْ بَلَدْ لَهْ سَكَنْ وَأْمْـوالْ مَخْزُوْنِهْ

خليفة العيسى

العدد 3822 - الجمعة 22 فبراير 2013م الموافق 11 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً