مداخلة د. منصور الجمري، قرية بوري، 28 أغسطس 2001
المراقب السياسي للوضع البحريني لا بد وأنه سيعترف بحجم التغيير المستمر منذ مطلع العام الحالي. فالمشروع الذي تبناه سمو الأمير تحت عنوان "ميثاق العمل الوطني" وطرحه للتصويت في 14 و15 فبراير الماضي يعتبر من أهم المبادرات السياسية في تاريخ البلاد. الفترة التي سبقت طرح المشروع كانت صعبة جدا، أما الفترة التي تلتها فقد اثمرت في مد جسور الثقة بين مختلف الاطراف. وهذه الفترة حرجة وبحاجة لدقة في التعامل معها لأنها ليست انتقالية فقط وإنما تأسيسية أيضا، ستعتمد عليها الحياة العامة القادمة.
لا أنوي الدخول في تفاصيل ما قبل الميثاق، لأن تصويت الشعبي عليه في منتصف فبراير بنسبة 98.4%، أعطاه الصفة الالزامية. ولكن بودي أن أطرح أهم المواضيع التي تواجهنا اليوم بعد مرور 200 يوم على التصويت على الميثاق. لا شك أن التصويت على الميثاق وما تبعه من إلغاء لقانون أمن الدولة ومحكمة أمن الدولة، قد خلق أجواء انفتاحية نوعية ساعدت وبسرعة فائقة على تحسين صورة البحرين في المحافل الدولية، خصوصا فيما يتعلق بالجوانب الحقوقية والاقتصادية.
وهكذا نرى عودة الشركات والبنوك إلى البحرين، وبداية حسنة لعودة الثقة في الاقتصاد البحريني. إضافة لذلك فقد تبدلت التقارير الدولية من الانتقاد الحاد إلى الثناء على الخطوات الإيجابية التي صاحبت التصويت على الميثاق، وهي الإفراج عن المعتقلين والسماح للمبعدين بالعودة. وشعر المواطنون بكرامتهم وهي يعيشون في أمن مستتب بعيدا عن ملاحقات جهاز الأمن الذي كانت ممارساتها سببا في انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم. أما اليوم، فنرى نشوء جسور الثقة والمصالحة الوطنية والتسامح تجاه الرأي الآخر.
بعد التصويت على الميثاق أنشأت لجنتان واحدة لتفعيل الميثاق وأخرى لتعديل الدستور. وقد باشرت لجنة تفعيل الميثاق في النظر في قضايا هامة مثل البطالة وحرية الصحافة وقانون الجمعيات وتحقيق حكم القانون من خلال إصلاح الوضع القضائي واقتراح ديوان للمحاسبة العامة للحفاظ على المال العام. جميع هه الأنشطة تسير في الاتجاه الصحيح ونأمل أن تكلل بالنجاح وان تجد طريقها الى التنفيذ.
ولكن بودي أن أشير إلى موضوع هام يتعلق بلجنة تعديل الدستور. يدعو ميثاق العمل الوطني إلى إجراء تعديل على الدستور لتبديل السلطة التشريعية من مجلس إلى مجلسين، أحدهما منتخب والآخر معين تكون وظيفته استشارية حسب ما أكدت تصريحات القيادة السياسية قبيل التصويت على الميثاق. كما يتضمن ميثاق العمل الوطني تغيير مسمى دولة البحرين إلى مملكة قائمة على النظام الملكي-الوراثي الدستوري. ولكن المشكلة أن هناك عقبة رئيسية يجب معالجتها دستوريا لكي لا يفقد المشروع الإصلاحي دستوريته. إذ أن هناك المادة 104، التي تنص على وجوب تمرير التعديل الدستوري من خلالها. أود الإشارة، إلى أن ما نسعى إليه هو مساعدة سمو الأمير وليس وضع العراقيل أمامه.
ولذا فإن الحفاظ على دستورية الإجراءات مسألة هامة جدا، ونعتقد أنه بالإمكان المحافظة على الدستورية وإجراء التعديلات اللازمة التي وافق عليها ميثاق العمل الوطني. وبودي عرض اقتراح ناتج عن دراسة قانونية أعدها مخلصون يحبون الخير لهذا البلد وأهل البلد. والاقتراح يتضمن ان تتم عملية تعديل الدستور دون خرق المادة 104، كما لي. يقترح ان يعلن الأمير من خلال مرسوم أميري دعوة المجلس الوطني المعطل بموجب الأمير رقم 4 لسنة 1975، للانتقاد، وذلك بعد إجراء انتخابات حرة مباشرة لأعضاء المجلس الوطني الجدد بموجب أحكام الدستور وحسب قانون الانتخابات لعام 1973.
وربما نحن بحاجة لإجراء تعديل بسيط على قانون الانتخابات لضم المناطق الجديدة بالبلاد والسماح للمرأة بالانتخاب. ويمكن أن يحدد سمو الأمير فترة زمنية لإجراء الانتخابات لا تتجاوز ستة أشهر. وبعد إعلان نتائج الانتخابات يتم عرض الميثاق الذي أقره الاستفتاء الشعبي على المجلس الجديد الذي سيتكون (حسب الدستور) من 40 شخص بالإضافة لأربعة عشر وزير بحكم مناصبهم، وذلك بموجب المادة 43 من الدستور. ثم يقوم المجلس الوطني بمناقشة التعديلات الجزئية بموجب توصيات الميثاق.
ويمكن للمجلس الوطني إحالة التوصيات إلى لجنة لمناقشة مشروع التعديل، على أن تضم هذه اللجنة الدستورية عددا من الخبراء في القانون الدستوري بصفة استشارية لإعداد مسودة التعديل الجزئي على الدستور. وعند استكمال النقاش حول المشروع الحكومي يصوت المجلس الوطني على التعديل بأغلبية الثلثين حسب المادة 104. وبعد استكمال التصويت، يمكن للأمير أن يحل المجلس الوطني بحسب الصلاحية الممنوحة له في المادة 65، والتي تدعو لإعادة انتخاب المجلس خلال شهرين من الحل. وعلى هذا الاساس فأن المجلس الذي سينتخب في خلال شهرين من الحل سيكون على اساس الدستور المعدل من خلال المادة 104.
إن الممارسة الدستورية لتعديل الدستور سوف يعزز مشروع الميثاق لأنه سيضع حدا لجميع الإجراءات الاستثنائية التي تسببت في المشاكل التي حلت على أهل البحرين خلال الـ25 سنة الماضية بسبب تعطيل العمل بأهم مواد الدستور. النني اعتقد بأن الاصلاح الدستوري – من خلال الدستور – أهم من الانتخابات البلدية التي بدأ الحديث يتجدد عنها. اننا بحاجة لاعادة الهيئة التشريعية المنتخبة بأسرع مايمكن للبدء بعهد قائم على اسس صلبة وصحيحة.
العدد 3819 - الثلثاء 19 فبراير 2013م الموافق 08 ربيع الثاني 1434هـ