العدد 3817 - الأحد 17 فبراير 2013م الموافق 06 ربيع الثاني 1434هـ

إيران و«مصر الإخوان» وعلاقة حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اليوم، نختِمُ ما بدأناه عن علاقة إيران بمصر ما بعد مبارك. حَقَّبنا أولاً لتلك العلاقة، ثم أشرنا إلى تأثير التحوُّل العربي والدولي تجاه سورية على تلك العلاقة. ثم فصَّلنا أثر تباين المصالح لعدد من دول المنطقة على تلك العلاقة. واليوم، نتحدث عن العلاقات الخاصة، التي تجمع الإخوان المسلمين بالإيرانيين (منذ ما قبل الثورة الإسلامية) والقائمة على المشترك السياسي/ الديني، واللذين يلعبان اليوم دوراً مهمّاً في توطيد العلاقات الإيرانية المصرية منذ يناير/ كانون الثاني 2011.

بداية يجب أن أشير، إلى أن العلاقات التي بناها الإخوان المسلمين مع رجال الدين الإيرانيين، لم تكن وليدة اللحظة، بل هي بدأت منذ أربعينات القرن الماضي، عندما أقام نواب صفوي علاقات قوية معهم. وقد توثَّقت هذه العلاقة أكثر، بعد ولوج الإسلاميين الإيرانيين في التنظيمات الحزبية، حيث استفادوا من التجربة الإخوانية في هياكلهم التنظيمية المناهضة للشاه، ومن طرق التوجيه العقائدية فيها. ومع بروز قيادة الإمام الخميني الثورية، كان آية الله بهشتي هو عرَّاب هذه العلاقة عبر تواجده في هامبورغ بألمانيا.

وعندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران مطلع العام 1979 تحوَّلت هذه العلاقة من علاقات تنظيمية، إلى «علاقات دولة» جَمَعَت بين الإيرانيين والإخوان، الذين بدأوا ينظرون إلى التجربة الثورية في إيران، على أنها رائدة ومُوجِّهة وراعية لمشروعهم السياسي، في وقتٍ خَفَت فيه غالبية التجارب الدينية الحزبية مع توهُّج أيديولوجيات أخرى كاليسارية والقومية والبعثية. وبالتالي، أصبحت إيران بالنسبة إلى الإخوان المسلمين بمثابة الأخ الأكبر. فعيَّنت حكومة الثورة بعد ثلاثة أشهر وأربعة أيام فقط من قيامها، ضابط اتصال لها في سويسرا، لمتابعة العلاقة الإيرانية (الجديدة) بالإخوان المسلمين.

لقد كان التحالف بين الإيرانيين والإخوان في مصر متماسكاً جدّاً، وبعيداً عن التأثر بالتطورات السياسية التي تجري في المنطقة. وعندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988) وَقَفَ الإخوان المسلمين في مصر إلى جانب طهران في صراعها مع النظام العراقي أيام حكم الرئيس صدام حسين، معتبرين أن تلك الحرب، ما هي إلاَّ مشروع امبريالي ضد تجربة الحكم الديني في إيران وليست دفاعاً عن «البوابة الشرقية».

بل الأكثر من ذلك، فقد قام المكتب الدولي للإخوان المسلمين، عبر شبكته الاقتصادية وعلاقاته الدولية في أوروبا، بتمويل الآلة الصناعية الإيرانية بعشرات الآلاف من أطنان الحديد، وكذلك بالأغذية والشعير، بعد اشتداد الحصار الدولي على طهران، طبقاً لما أفاد به يوسف ندا مفوض العلاقات الدولية السابق للإخوان المسلمين في برنامج «شاهد على العصر» على قناة «الجزيرة»، الذي بُثَّ خلال شهرَيْ أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول من العام 2002.

وحتى عندما وقع إشكال الدستور الإيراني، ومقتل أحمد مفتي زادة، ثم قمعَ الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مدينة حماة (وسط غرب) في العام 1982، مستهدفاً تجمُّعات الإخوان المسلمين السوريين، ومقتل عشرات الآلاف، لم تنفك تلك العلاقة بين إيران وإخوان مصر، مع أن طهران كانت وخلال تلك الفترة، داعمةً لحكم البعث في دمشق.

بل إن الإخوان استطاعوا بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية أن يتوسَّطوا عند الإيرانيين، للإفراج عن جميع الأسرى من المجنّدين المصريين، الذين شاركوا (من خلال وزارة الدفاع المصرية حينها) مع الجيش العراقي في الحرب ضد إيران. وكانت هذه الحظوَة التي يتمتع بها الإخوان عند النظام الإيراني لافتةً جدّاً.

وعندما دخلت مصر أيام الرئيس السابق حسني مبارك في خصومة مع إيران طيلة ثلاثين سنة، كانت للإخوان نظرة أخرى للتعامل مع طهران إعلاميّاً وسياسيّاً ودينيّاً. وكانت إحدى التهم التي توَجَّه إليهم من قِبَل حكم مبارك، هو العلاقة مع محوريْن أساسييْن في المنطقة: محور الخرطوم ومحور طهران. وبالتالي، فقد كانت العلاقة بين الجانبيْن متكاملة الأركان، ومُهيأة لأن تتحوَّل من علاقة حزب - دولة كما كانت منذ انتصار الإسلاميين في إيران إلى دولة - دولة بتسلم الإخوان المسلمين السلطة، وهذا ما حَدَثَ بالضبط، بعد ثورة يناير/ كانون الثاني ودخول الإخوان القصر الجمهوري وإن بشكل بطيء.

اليوم، فإن كلَّ مَنْ يتابع الخطاب الرسمي والدبلوماسي الإيراني سيرى كيف تستميت طهران في الدفاع عن تجربة الإخوان في مصر. بل إن خطاب «الأخ الأكبر» يمكن تلمّسه حتى بالنسبة إلى تصريحات المسئولين الإيرانيين، كما في لقاء علي أكبر ولايتي مع إحدى القنوات الفضائية، أو نعت الرئيس محمد مرسي بـ «صاحب القدر الكبير والعميق من الإيمان والفلسفة والفكر»، وعَرْضِ إيران على مصر التعاون في شتى المجالات الاقتصادية والفنية، واستعدادها لتقديم كل ما تطلبه حكومة الإخوان المسلمين لكي تُثبِّت نفسها في السلطة والمجتمع المصري.

اليوم طهران تدرك أن مصر هي في طور تكوين إطار استراتيجي لعلاقاتها الخارجية وتوظيف ثقلها في الإقليم. لذلك فإن طهران تريد أن تكون إحدى أهم المشاركين في صوغ ذلك التكوين لمصر الإخوانية. وهي اليوم (طهران) تُفعِّل سياسة خارجية حساسة وحذرة جدّاً، لكي تحافظ على خطوط اتصالها المعقودة بهدوء مع القيادة الجديدة في مصر، وتحديداً مع الدول القريبة من مصر كتركيا.

فهي تعِي جيداً حجم النفوذ التركي في ظل حكومة أردوغان على القيادة المصرية، بسبب التجانس الأيديولوجي، لذلك فإن أحد أهم أسباب بقاء العلاقات الإيرانية التركية (على رغم الخلاف في الملف السوري) هو النظر لعلاقتها مع مصر، وهو مدخل مهم، تلعب عليه طهران بشكل مزدوج: فهي تريد أن تتساوى النفوذ مع تركيا في مصر، وفي الوقت نفسه تقوم باستيعاب مصر عبر البوابة الإفريقية من خلال السودان ودول حوض النيل، كون هذه المنطقة الجنوبية أحد أوعية الاستراتيجية المصرية، وتمتلك إيران فيها نفوذاً مهمّاً.

في كل الأحوال؛ فالعلاقات الإيرانية المصرية في عهد الإخوان لن تكون بأي حال من الأحوال كما كانت أيام النظام السابق، كونها متأسسة على أنماط سياسية وآيديولوجية وتاريخية مختلفة، وهو ما ظَهَرَ منذ وصول إخوان مصر إلى السلطة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3817 - الأحد 17 فبراير 2013م الموافق 06 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 3:34 ص

      المال السياسي الي يفسد ولايصلح

      لكن يا كاتبنا العزيز الاخوان اليوم يقودون دولة كبرى في المنطقة توازي ما تقوم به القيادة في ايران فهل ستصمد القيادة في مصر فماذا عن الاغراءت الاقتصادية والمال اليوم عصب الحياة ولا تقوم قائمة لبلد الا باقتصاد اسسياته قوية ودعائم اقوى فهل ستصمد قيادة الاخوان امام تدخلات دول النفط وغراءتها بالمال هذا مالم تتطرق اليه ياكاتبنا العزيز ، نتمنى صمود اهلنا في مصر ضد المال السياسي الذي يفسد ولا يصلح

    • زائر 11 | 3:17 ص

      اتفق معك ولكن

      رغم اتفاقي معك في اكثر ما ذهبت اليه ولكن العلاقة بين مصر وبين ايران بحاجة لبعض الوقت لكي تصل لمستوى العلاقة التاريخية بين حركة الاخوان ورموز النظام الايراني

    • زائر 7 | 12:21 ص

      حلوه الانسان ان يثقف نفسه

      ولكن عندى سئوال مواطن على قد حجمه ايها الكاتب الشريف مادا عن بلدى وهموم شعبى واطفالى وامى المكسور فؤادها على فقد احبتها الى يساوى قطرة حبر من قلمك الشريف ام ما يحدث فى البحرين لاشئن للك فيه

    • زائر 10 زائر 7 | 1:02 ص

      يجب أن تكون المقالات متنوعة وليست في الشأن البحريني فقط

    • زائر 6 | 11:58 م

      خياااااال غير مبني على أسس

      واااااايد خيالك واسع.. لا تطلق العنان لخيالك.. ولا تقرأ من زاوية واحدة.. نصيحة خالصة

    • زائر 9 زائر 6 | 12:59 ص

      ولم لا

      يكشف الخيال ما تخفيه الحقيقة كما قال الفلاسفة

    • زائر 5 | 11:56 م

      وبعد بعد

      يعني طلع الكل صفويين . الاخوان والامريكان والروس والصينيين والهنود

    • زائر 3 | 11:01 م

      شكله حب من طرف و ا حد

      لا اعتقد انه سيكون حب من الطرفين ،حيث ان ولاية الفقيه في مصر العروبة بعيده عن شوارب سيد علي

اقرأ ايضاً