العدد 3817 - الأحد 17 فبراير 2013م الموافق 06 ربيع الثاني 1434هـ

الذاكرة حين تكون فقْداً وناراً وألماً

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

جميعنا نكون أحياناً أسرى لذاكرتنا الفردية، كلٌ بحسب تجاربه وزاويته التي يرى بها الحدث؛ فما تمثله الذاكرة لشخص تختلف عن تلك التي تمثلها لشخص آخر، وهو ما يولد انشقاقاً في الذاكرة الجمعية. انشقاقٌ هو في الصلب من التوحد معها وفي الصلب من الاختلاف بداخلها.

الذاكرة الجمعية لا تختلف كثيراً عند أولئك الذين يقع عليهم ضررٌ ما يمس هويتهم، ويهدد وجودهم، ويزلزل أمنهم، ضررٌ يكون معه النسيان ضرباً من الاستسلام لواقع لن يبدو أجمل من أحداث الذاكرة متى ما تحول «الأنا» إلى «الآخر» الذي قام بالفعل ولوّث الذاكرة بمشاهد عصية على التبدد، ومتى ما أصبح الـ «نحن» أنا وأنت.

حين تمر ذكرى تواريخ الأحداث التي وقعت بها، تشتعل الذاكرة وتتقد، فيصطف المعاصرون لها، كل مع نظيره الذي وقع عليه ذات الفعل ورأى من ذات المنظور، لتتكون ذاكرة جمعية جديدة لن تكون بشكل بديهي كالذاكرة الجمعية الأخرى التي يتمتع بها الآخر المختلف الذي اصطف مع مشابهيه.

يوم أمس عادت ذكرى السابع عشر من فبراير على البحرين، وعاد المواطنون بذاكرتهم إلى تلك البقعة الممتدة من دوار اللؤلؤة، «تقاطع الفاروق حالياً»، إلى مجمع السلمانية الطبي وما جاورها من مناطق شهدت ما شهدت من أحداث. عادوا بذاكرتهم المثقلة بالصور والمشاهد، بالدم، بالصراخ، بالبكاء، بالدعاء، بالشهداء الأربعة، بذاكرة نزيهة سعيد وهي ترى الحدث أمامها فتنقله مباشرةً على الإذاعة لهول صدمتها، بذاكرة الأطباء وهم يضمدون الجراح، بذاكرة سيارات الإسعاف وهي تُمنَع من مزاولة ما صُنِعَت من أجله، بذاكرة المسعفين الذين لم يستطيعوا الوصول إلى الجرحى إلا بعد ساعات من سقوطهم، وأسرّة المستشفى التي تلطخت بالدماء.

منذ الرابع عشر من فبراير الحالي والذاكرة تتقد وتنشط لدى أهالي البحرين جميعهم والمتابعين أيضاً لما يجري على الساحة البحرينية على اختلاف وجهات النظر ونوع الذكريات والمشاهد التي تمر في شريط هذه الذاكرة مما شاهدوه وما تخيلوه. فكانت حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي أوراق تدوين تأريخي وتحليلي ودعائي ومطلبي، فقد امتلأت الصفحات بالدموع كما الأحلام، وتجاورت فيما بينها في سرد الأحداث، وتشابهت الكلمات في الحديث عن الغصة إذا ما أخذنا جانب المعتصمين وأهاليهم ومن شهد هذا الحدث باعتباره جزءًا منه، ووقع عليه الأذى نتيجة ما حصل أو على الآخر الموجود في دائرته.

ولأنني لستُ من الجانب الآخر البعيد عن هذه الدائرة في هذه الذاكرة تحديداً، لن أتحدث عن تلك الذاكرة الأخرى، لأنني لم أعشها ولم أرها كما رأيت الأولى، ولم أشعر إلا بالغصة التي خلفتها ممارسات المنتمين لها في حقي وحق من هم حولي.

الأنا والآخر الذي تحدثت عنه هنا، ليس هو نفسه الذي يُراد الترويج له باعتباره أنا وآخر طائفي، أو باعتباره عدواً أو نداً. ما أردته هنا هو الأنا والآخر الذي شهد ذاكرة اختلفت باختلاف الموقع والألم والفعل.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3817 - الأحد 17 فبراير 2013م الموافق 06 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً