مثلها مثل الكثير من الأمور التي تتأثر بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، أثارت دراسة نُشرت منذ فترة وجيزة، وكانت قد أُجريت على مدى ثلاث سنوات عن كيف تقوم الكتب المدرسية على الجانبين بتصوير «الآخر»؛ أثارت عاصفة نارية من الخلاف. نجحت الدراسة، وهي ثمرة بذرة زُرعت للمرة الأولى العام 2008 بعد مؤتمر أنابوليس من قبل لجنة من الإسرائيليين والفلسطينيين مكرَّسة لتشجيع تعليم التسامح وبناء ثقافة السلام ومنع التحريض، نجحت هذا الأسبوع في توليد الحرارة أكثر من الضوء، على الأقل فيما يتعلق بالحكومة الإسرائيلية. إلا أن نظرة عن كثب تقترح أن هناك المزيد مما يمكن تعلّمه من كل من الدراسة ومن الردود عليها.
كلّف القيام بالدراسة وإعداد التقرير، وعنوانه «ضحايا سرد كل منا؟»، مجلس المؤسسات الدينية في الأراضي المقدسة، وهو تجمّع للقادة الدينيين المسلمين والمسيحيين واليهود مركزه مدينة القدس. قامت وزارة الخارجية الأميركية بتمويل المشروع بمنحة قيمتها 590.000 دولار، لدعم فريق بحوث ثنائي اللغة بالعبرية والعربية، بقيادة البروفيسور الإسرائيلي دانيال بارتل (جامعة تل أبيب) والبروفيسور المشارك الفلسطيني سامي عدوان (جامعة بيت لحم).
يدّعي أستاذ جامعة ييل بروس ويكسلر، وهو أميركي يهودي قام بتصميم البحث وإدارته، بأن الدراسة، التي فحصت 74 كتاباً مدرسيّاً من نظام المدارس الإسرائيلية العلمانية والدينية، و94 كتاباً طوّرتها وزارة التربية والتعليم في السلطة الفلسطينية وتُستخدم في الضفة الغربية وقطاع غزة، هي واحدة من الدراسات الاستقصائية الأكثر شمولية وارتكازاً على الحقائق، أجريت على الكتب المدرسية.
والنتائج الملخصة للدراسة مثيرة للاهتمام: التصويرات التي تنزع الإنسانية عن الآخر وتضفي الشيطانية عليه هي أمور نادرة في كل من الكتب الإسرائيلية والفلسطينية، تقدّم كل من الكتب الإسرائيلية والفلسطينية سرداً وطنيّاً يصوّر الآخر على أنه العدو في ضوء سلبي بشكل عام، وتقدَّم الأحداث التاريخية، على رغم أنها غير مفبركة، بشكل انتقائي لتعزيز كل سرد وطني، يخدم غياب المعلومات عن ثقافة ودين الآخر ونشاطاته اليومية، بما في ذلك الفشل في الاعتراف بالآخر على خرائط المنطقة، في نزع شرعية وجود الآخر، يبرز التحيّز السلبي في تقديم الآخر بشكل ملحوظ أكثر في الكتب المدرسية الإسرائيلية عند اليهود المتدينيين والفلسطينيين، مقارنة بالكتب المدرسية الإسرائيلية.
يؤكّد السرد الإسرائيلي التهديدات والهجمات ضد إسرائيل من جانب الفلسطينيين والدول العربية، والعنف ضد اليهود عبر السنوات. في هذه الأثناء، يؤكّد السرد الفلسطيني نزوح الفلسطينيين من قرى عمرها قرون عديدة من قبل يهود مهاجرين، بالإضافة إلى فقدان الحرية والأرض والسيطرة على موارد أساسية أثناء الاحتلال الذي دام 45 عاماً. ويقدّم كل من السردين الآخر على أنه عدو يهدف إلى تدميرهم أو الهيمنة عليهم.
عارضت الحكومة الإسرائيلية الدراسة منذ البداية، بينما تبنّتها السلطة الفلسطينية. وتأمل وزارة الخارجية الأميركية أن يستخدَم التقرير بشكل بنّاء لمتابعة «مهمة راعي الدراسة في الدفاع عن السلام والتسامح الديني وتشجيعهما».
ويساند ناثان براون من جامعة جورج واشنطن، وهو عضو في اللجنة الاستشارية وقام بدراسة الكتب المدرسية الفلسطينية بشكل واسع، نتائج المشروع، لكنه يشكك في قيمته؛ لأنه يعتقد أنه في خضمّ النزاعات المرّة، أن غير المحتمل أن تراجع الفصائل المتناحرة تصويرها لـِ «العدو». لذا، ما الفائدة؟.
ويوافق ويكسلر وفريقه، الذي أوصى بأن تقوم وزارات التعليم الإسرائيلية والفلسطينية بمراجعة مضمون كتبها المدرسية بدقّة، على ذلك بشدة. «يحقق التعليم فرقاً في تشكيل التوقعات، ويؤثر على الأسلوب الذي يرى الناس فيه العالم،» كما صرح لصحيفة «الغارديان».
ويطرح ذلك كله سؤال البيضة والدجاجة: هل التعليم هو الذي يعترف بسرد الآخر ويحترمه، أم هل هو الحل السياسي الدائم والعادل، الذي سيقود الإسرائيليين والفلسطينيين إلى تعايش محترم وجليل وسلمي؟ يعلم قادتهم بالتأكيد أن ذلك لن يحدث إلا من خلال الاثنين. إلا أن هذه الدراسة تذكّرنا بأن المجتمع المدني يتطلب، على أقل تعديل، الاعتراف بتاريخ «الآخر» وتجربته.
وتوفر نتيجة أن أيّاً من الطرفين لا يضفي الشيطانية على الآخر أو يشوه صورته، بعض التشجيع الحقيقي. يستطيع كل من الطرفين، بل يجب عليه أن يفعل المزيد والأفضل. من بين الخطوات التي تحتاج إلى أن يخطوها الطرفان خرائط تعترف بوجود الآخر وتعكس الواقع على جانبيه. وبالمثل يمكن لانفتاح أكبر على ثقافة الآخر وحياته اليومية أن يغير المنظور نحو الآخر.
تقترح هذه الدراسة أن البرامج التعليمية المصممة للتفاهم المتبادل؛ تستطيع المساعدة على تمكين الناس المنخرطين في النزاع من تخفيف القبضة الشديدة التي يمسكون بها بالاستقامة الحصرية لسردهم.
يجب على القادة الإسرائيليين والفلسطينيين أن يستوعبوا هذا الدرس بعمق وأن يترجموه بصدق عميق إلى أعمال. وعندما يفعلون ذلك، ستكون لدينا قصة تستحق النشر بكتب التاريخ.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3816 - السبت 16 فبراير 2013م الموافق 05 ربيع الثاني 1434هـ