ونحن على أعتاب السنة الثالثة مما يجري فوق ثراها، هل يصبر الشعب أم يبكي على حالها أم يسخر ممن يسوم سوء المعاملة فلذة أكبادها، ومازال التاريخ يسجل للحركة جُل أسرارها. ونحن في أوائل أيام الحراك ثالثاً، أمامنا عدة مشاهد رئيسية في الحالة البحرينية تربطها حيثيات مزمنة في قدم وماهية الأزمة والمؤزمين والمأزومين منذ عقود، سنقف فقط عند خمسة مشاهد منها هي الأهم مرحلياً.
المشهد الأول: بمناسبة حلول الذكرى الثالثة لفبراير/ شباط - الأزمة تم الاحتفال رسمياً بهذه المناسبة بصباغة الحواجز الاسمنتية الأمنية من جديد وإصلاح ثوبها وشكلها بلون أصفر لافت وخطوط سوداء ليست للعبور. وقد استغرب المراقبون للشأن المحلي الأمني زيادة هذه الحواجز مع بدء اليوم الأول من حفل الحوار في العرين مع أن المفترض هو العكس وذلك بتخفيف هذه الحواجز من الطرقات التي يستخدمها العامة من المواطنين والمقيمين وعدم الاهتمام بهذا الشكل المكلف لخزينة الناس، وتساءلوا: هل هذه الحواجز لحماية العرين أم هي فقط عملية لونية فاقعة الاصفرار تعبر عن تأييد حفل الحوار؟
المشهد الثاني: لله دركم يا شعب البحرين الطيب، حتى الدلافين تعلمت منكم الاحتجاج بسلمية. ففي مشهد نادر على شواطئ الخليج انتحر دولفين بعد أن اعتصم عند سواحل البحرين التي قتلها دفان المتنفذين وأصحاب الكروش وتبعته بقرة غير حلوب! وقد نفق الدولفين منتحراً احتجاجاً منه بسلمية بحرية بحرينية منقطعة النظير، هماً وكدراً وهو يعبّر عن حسرته باسم زملائه الدلافين على تدمير مراعيهم البحرية والتي دفنت معها حياتهم الوادعة المسالمة عند أمواج الخليج الزرقاء، منذ زمن غوص الأجداد، وهم ينظرون إليها كيف خُربت، فبأي ذنبٍ الدلافين قُتلت؟
المشهد الثالث: عظام في «العرين»، فهل هي بقايا الحوار أم بقايا الفريسة التي لم تُصطد بعد؟ وهناك مناوشات متعددة سياسياً وأمنياً، ودائماً الثانية تسبق الأولى في النتائج المباشرة والسريعة، لذا فقد قدمت الثانية مرئياتها في نفس اليوم وفي نفس مكان يوم 14 فبراير 2011 بالديه، ولكن هذه المرة على جسد الشهيد اليافع حسين الجزيري، بينما المناوشات السياسية «محلك سر» وبعضها يضرب كفاً بكف ولا يدري ما يفعل. كما لا أحد يدري كيف لي بأن أحاورك بيد و «أصمك راشدي» بيدي الأخرى! وكيف أذكر أمام وسائل الإعلام أن ما أتُفق عليه، وليس ما توافق عليه، في «العرين» هو حوار وليس تفاوضاً، بينما المعارضة، وهي الأهم، تذكر أنه «تفاوض» وليس حوارا! عجباً لي مما أقول!
المشهد الرابع: كل المشاريع الاستثمارية سواء كانت تجارية أو ثقافية تتحلل في البحرين بمنتهى السهولة في بضع سنوات. ومع أن الشركة الوطنية الأم لا تمتلك سوى ما فوق العشرين طائرة نصفها مؤجر، والشركة الخاصة الوحيدة المنافسة في الطيران لا تمتلك سوي نحو أربع طائرات متواضعة، بينما الجيران يملكون عشرات الطائرات التابعة مباشرة لشركاتهم؛ ومع ذلك تنهار لدينا الشركة الخاصة الصغيرة بسهولة والشركة الأم في النزاع الأخير قبل الهلاك. وقبلها انهارت جامعة الخليج بسبب وجودها في البحرين. أضف إلى ذلك أن أهم الجامعات الخاصة تنهار الآن ونقابات العمل واتحادهم يشتظى أمام الأعين وبشهادة من يمسك بالزمام.
والسرقات والنهب من كبرى الشركات في وضح النهار يزداد كل يوم وآخرها ما حدث لمجموعة اقتصادية تسويقية جديدة نزلت إلى ميدان المنافسة الالكترونية تواً، و...و...الحبل على الجرار.
والسؤال الأهم هو: لماذا يحدث هذا في البحرين فقط وبهذه السهولة ودون وجود حلول لا على المدى القصير ولا الطويل؟ والإجابة أظنها لا تحتاج إلى خبراء ولا فلاسفة ولا عميان بصر.
المشهد الخامس: للداني والقاصي اتضح بعد عامين من الحراك السلمي، وإن كان هناك رد مباشر أحياناً على العنف من قبل الأمن في حدود ضيقة ليلاً؛ بأن شعب البحرين سلمي ومنظم وقيادي دقيق وناجح أكثر في حراكه، أكثر من أي حراك عربي آخر في بلدان الربيع العربي. ولكم أن تنظروا لطريقة تنظيم الاعتصامات والمسيرات فيها وقارنوها بالبحرين ثم احكموا بعدها. فهنا عشرات المسيرات، باعتراف الداخلية، تضم آلاف الناس تتم في تنظيم وبترتيب حضاري لا نظير له من دعم تقني عالي المستوى في الصوت، وشعارات منسّقة ومطبوعة أو مبتكرة بطريقة غير معتادة، وتغطية إعلامية ذاتية سرعان ما تصل لأقاصي المعمورة. وتقام المسيرات في حدود ساعات قليلة جداً وتنتهي قبل موعد لقاء المولى عز وجل في صلاتي العشاءين. وغالباً تنظم في أيام عطل الأسبوع كي لا تعطل مصالح الناس، ولا يُرمى فيها حجر واحد على أي نقطة تفتيش أو رجل أمن كما يحدث مثلاً الآن في مصر أمام قصر الاتحادية أو ميدان التحرير، أو في المأساة ودمائها التي يعيشها الشعب السوري من قبل من يسمون معارضة الخارج ضد الحكومة، أو حتى في تحركات بعض مناطق شمال العراق بشكل طائفي راح ضحيتها في عدة أيام فقط عشرات الأنفس. فلله درك مرة أخرى يا شعب أوال كم أنت حضاري وراشد العقل والقول والفعل حقاً وصدقاً.
هامش مهم جداً: ماذا سيحدث لو لم يُستخدم سلاح الرش مباشرة في صدور ووجوه أهل هذه الأرض الطيبين لتفريقهم، في أي مظاهرة، كما يقال؟ وماذا لو تمت إزاحة الحواجز الصفراء من الشوارع وإرجاع البحار وسواحلها كما كانت ليستطيع الناس بحب أن يشاركوا في حفل إطلاق الألعاب النارية في مساء يوم الواقعة الثانية في فبراير المجيد بدل أن يبكوا في ظل أضوائها على الدماء. أيمكن أن يعيش أهل جزيرة الابتسامة المشرقة بلا فقأ العيون واختراق الصدور وانتحار الدلافين بلا معنى ونحن على أعتاب السنة الثالثة مما يجري فوق ثراها؟
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3815 - الجمعة 15 فبراير 2013م الموافق 04 ربيع الثاني 1434هـ
اسمح لي بطلع عن النص .. بس اللي باقوله هو الحقيقة
الدولفين والبقرة عندما انتحروا كانو قد سمعوا الدعاية الكاذبة من (كركشان) التي قالت نزلوني على أحسن بقعة في كوكب الأرض ! واغتروا لذلك الكلام ففضلوا ان يصلوا إلى جنة دلمون ليجنوا من خيراتها كما جنى الأجنبي على حساب المواطن، إلا أنهم عندما وصلوا تفاجئوا بان كل الخيرات انتهت ففضلوا الإنتحار كي على الأقل يُدفنوا في الجنة المزعومة (جنة كركشان وأشكالها)
ولو كُنتُ طيراً ..!! واللبيبُ بالإشارة ..!!
اه اه
ضاقت بنا الدنيا ووصلنا الى الياس متى الفرج يارب تنتقم لنا ممن ظلمنا